للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّخْصَةِ لِلْحَاجَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَائِنِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَنْدَفِعُ بِالرَّجْعِيِّ فَكَانَ الْبَائِنُ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً وَلِأَنَّ فِيهِ احْتِمَالَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ لِاحْتِمَالِ النَّدَمِ وَلَا يُمْكِنُهُ الْمُرَاجَعَةُ وَرُبَّمَا لَا تُوَافِقُهُ الْمَرْأَةُ فِي النِّكَاحِ فَيَتْبَعَهَا بِطَرِيقٍ حَرَامٍ وَلَيْسَ فِي الِامْتِنَاعِ عَنْهُ احْتِمَالُ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ لِحَاجَةٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُ الْحَاجَةِ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يُتَصَوَّرُ إيقَاعُهُ إلَّا بَائِنًا فَكَانَ طَلَاقًا لِحَاجَةٍ فَكَانَ مَسْنُونًا وَكَذَلِكَ الْخُلْعُ لِأَنَّهُ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى الْخُلْعِ وَلَا يُتَصَوَّرُ إيقَاعُهُ إلَّا بِصِفَةِ الْإِبَانَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ رَجْعِيًّا؟ وَلِأَنَّ اللَّهَ رَفَعَ الْجُنَاحَ فِي الْخُلْعِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ ﷿: ﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] فَدَلَّ عَلَى كَوْنِهِ مُبَاحًا مُطْلَقًا، ثُمَّ الْبِدْعَةُ فِي الْوَقْتِ يَخْتَلِفُ فِيهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا؛ فَيُكْرَهُ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يُطَلِّقَ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لِمَكَانِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَأَمَّا كَوْنُهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَأَمَّا الْبِدْعَةُ فِي الْعَدَدِ فَيَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا وَكَذَا يَسْتَوِي فِي السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ الْمُسْلِمَةُ وَالْكِتَابِيَّةُ وَالْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ لِأَنَّ الدَّلَائِلَ لَا تُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ الْكُلِّ.

[فَصْلٌ فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا طَلَاقُ الْبِدْعَةِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الَّتِي يَقَعُ بِهَا طَلَاقُ الْبِدْعَةِ فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ " أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ، أَوْ طَلَاقَ الْجَوْرِ أَوْ طَلَاقَ الْمَعْصِيَةِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا، فَهُوَ ثَلَاثٌ لِأَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ وَالْوَاحِدَةِ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ بِدْعَةٌ، وَالطَّلَاقُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ بِدْعَةٌ فَإِذَا نَوَى بِهِ الثَّلَاثَ فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَصَحَّتْ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ بِهَا الرَّجْعَةَ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ لَمْ يُجْعَلْ لَهَا وَقْتٌ فِي الشُّرُوعِ لِتَنْصَرِفَ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ فَيَلْغُو قَوْلُهُ لِلْبِدْعَةِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ بِهِ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ الْجَوْرِ أَوْ طَلَاقَ الْمَعْصِيَةِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ وَنَوَى الثَّلَاثَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ كَانَ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ أَوْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَقَعَ مِنْ سَاعَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَا يَقَعْ لِلْحَالِ مَا لَمْ تَحِضْ أَوْ يُجَامِعْهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي حُكْمِ طَلَاقِ الْبِدْعَةِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا حُكْمُ طَلَاقِ الْبِدْعَةِ فَهُوَ أَنَّهُ وَاقِعٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّهُ لَا يَقَعُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشِّيعَةِ أَيْضًا (وَجْهُ) قَوْلِهِمْ أَنَّ هَذَا الطَّلَاقَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا وَغَيْرُ الْمَشْرُوعِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَنَا وِلَايَةَ الْإِيقَاعِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ؛ وَمَنْ جُعِلَ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ إيقَاعَهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ كَالْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ إذَا طَلَّقَهَا لِلْبِدْعَةِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا.

(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ بَعْضَ آبَائِهِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْفًا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ فَقَالَ «بَانَتْ بِالثَّلَاثِ فِي مَعْصِيَةٍ وَتِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَتِسْعُونَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» .

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّ أَحَدَكُمْ يَرْكَبُ الْأُحْمُوقَةَ فَيُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ أَلْفَا ثُمَّ يَأْتِي فَيَقُولُ: " يَا ابْنَ عَبَّاسٍ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: ٢] وَإِنَّك لَمْ تَتَّقِ اللَّهَ فَلَا أَجِدُ لَك مَخْرَجًا بَانَتْ امْرَأَتُك وَعَصَيْتَ رَبَّك وَرَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُؤْتَى بِرَجُلٍ قَدْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا إلَّا أَوْجَعَهُ ضَرْبًا وَأَجَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَكَانَتْ قَضَايَاهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ فَيَكُونُ إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ.

(وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ: إنَّ غَيْرَ الْمَشْرُوعِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَنَعَمْ لَكِنَّ الطَّلَاقَ نَفْسَهُ مَشْرُوعٌ عِنْدَنَا مَا فِيهِ حَظْرٌ، وَإِنَّمَا الْحَظْرُ وَالْحُرْمَةُ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفَسَادِ وَالْوُقُوعِ فِي الزِّنَا وَالسَّفَهِ وَتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، وَإِذَا كَانَ مَشْرُوعًا فِي نَفْسِهِ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَإِنْ مُنِعَ عَنْهُ لِغَيْرِهِ كَالْبَيْعِ وَقْتَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ وَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ مَنْ وَلِيَ تَصَرُّفًا مَشْرُوعًا لَا يَمْلِكُ إيقَاعَهُ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَلِيَ لِأَنَّهُ مَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَلِيَ إيقَاعَهُ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ فِي نَفْسِهِ لَا يُتَصَوَّرُ إيقَاعُهُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ إلَّا أَنَّهُ بِهَذَا الطَّلَاقِ بَاشَرَ تَصَرُّفًا مَشْرُوعًا وَارْتَكَبَ مَحْظُورًا فَيَأْثَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>