للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدُّخُولِ أَمْرًا بَاطِنًا، فَيُقَامُ النِّكَاحُ مَقَامَهُ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»

وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الْمَشْرِقِيُّ بِمَغْرِبِيَّةٍ، فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الدُّخُولُ حَقِيقَةً لِوُجُودِ سَبَبِهِ، وَهُوَ النِّكَاحُ.

[فَصْلٌ وُجُوبُ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى]

(فَصْلٌ) :

وَمِنْهَا وُجُوبُ النَّفَقَةِ، وَالسُّكْنَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٣٣] ، وقَوْله تَعَالَى ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾ [الطلاق: ٧] ، وَقَوْلِهِ ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ﴾ [الطلاق: ٦] ، وَالْأَمْرُ بِالْإِسْكَانِ أَمْرٌ بِالْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُمَكَّنُ مِنْ الْخُرُوجِ لِلْكَسْبِ لِكَوْنِهَا عَاجِزَةً بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ لِضَعْفِ بِنْيَتِهَا وَالْكَلَامُ فِي سَبَبِ وُجُوبِ هَذِهِ النَّفَقَةِ، وَشَرْطُ وُجُوبِهَا، وَمِقْدَارُ الْوَاجِبِ مِنْهَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ النَّفَقَةِ.

[فَصْلٌ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ]

(فَصْلٌ) :

وَمِنْهَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ، وَهِيَ حُرْمَةُ أَنْكِحَةِ فِرَقٍ مَعْلُومَةٍ ذَكَرْنَاهُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرْنَا دَلِيلَ الْحُرْمَةِ إلَّا أَنَّ فِي بَعْضِهَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِنَفْسِ النِّكَاحِ، وَفِي بَعْضِهَا يُشْتَرَطُ الدُّخُولُ، وَقَدْ بَيَّنَّا جُمْلَةَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهَا.

[فَصْلٌ الْإِرْثُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا]

(فَصْلٌ) :

وَمِنْهَا الْإِرْثُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا لِقَوْلِهِ ﷿ ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ﴾ [النساء: ١٢] إلَى قَوْلِهِ ﷿ ﴿فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١٢] .

[فَصْلٌ وُجُوبُ الْعَدْلِ بَيْنَ النِّسَاءِ فِي حُقُوقِهِنَّ]

(فَصْلٌ) :

وَمِنْهَا، وُجُوبُ الْعَدْلِ بَيْنَ النِّسَاءِ فِي حُقُوقِهِنَّ.

وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِمَّا إنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ امْرَأَةٍ، فَعَلَيْهِ الْعَدْلُ بَيْنَهُنَّ فِي حُقُوقِهِنَّ مِنْ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، وَهُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَتَانِ حُرَّتَانِ أَوْ أَمَتَانِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْمَلْبُوسِ وَالسُّكْنَى وَالْبَيْتُوتَةِ.

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ ﷿ ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ [النساء: ٣] عَقِيبَ قَوْله تَعَالَى ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النساء: ٣] أَيْ: إنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِي الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ فِي نِكَاحِ الْمَثْنَى، وَالثَّلَاثِ، وَالرُّبَاعِ، فَوَاحِدَةً نَدَبَ إلَى نِكَاحِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ خَوْفِ تَرْكِ الْعَدْلِ فِي الزِّيَادَةِ، وَإِنَّمَا يُخَافُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ، فَدَلَّ أَنَّ الْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ وَاجِبٌ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي آخِرِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا﴾ [النساء: ٣] أَيْ: تَجُورُوا، وَالْجَوْرُ حَرَامٌ، فَكَانَ الْعَدْلُ وَاجِبًا ضَرُورَةً؛ وَلِأَنَّ الْعَدْلَ مَأْمُورٌ بِهِ لِقَوْلِهِ ﷿ ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ [النحل: ٩٠] عَلَى الْعُمُومِ وَالْإِطْلَاقِ إلَّا مَا خُصَّ أَوْ قُيِّدَ بِدَلِيلٍ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَعْدِلُ بَيْنَ نِسَائِهِ فِي الْقِسْمَةِ، وَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذِهِ قِسْمَتِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تُؤَاخِذْنِي فِيمَا تَمْلِكُ أَنْتَ، وَلَا أَمْلِكُ» ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَشِقُّهُ مَائِلٌ» ، وَيَسْتَوِي فِي الْقَسْمِ الْبِكْرُ، وَالثَّيِّبُ وَالشَّابَّةُ وَالْعَجُوزُ، وَالْقَدِيمَةُ وَالْحَدِيثَةُ وَالْمُسْلِمَةُ وَالْكِتَابِيَّةُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ؛ وَلِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْقَسْمِ، وَهُوَ النِّكَاحُ، فَيَسْتَوِيَانِ فِي وُجُوبِ الْقَسْمِ، وَلَا قَسْمَ لِلْمَمْلُوكَاتِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَيْ: لَا لَيْلَةَ لَهُنَّ، وَإِنْ كَثُرْنَ لِقَوْلِهِ ﷿ ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٣] قَصَرَ الْإِبَاحَةَ فِي النِّكَاحِ عَلَى عَدَدٍ لِتَحَقُّقِ الْجَوْرِ فِي الزِّيَادَةِ، ثُمَّ نَدَبَ إلَى نِكَاحِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ خَوْفِ الْجَوْرِ فِي الزِّيَادَةِ، وَأَبَاحَ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ خَوْفُ الْجَوْرِ، وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ قَسْمٌ إذْ لَوْ كَانَ لَكَانَ فِيهِ خَوْفُ الْجَوْرِ كَمَا فِي الْمَنْكُوحَةِ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ هُوَ النِّكَاحُ، وَلَمْ يُوجَدْ.

وَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا حُرَّةً، وَالْأُخْرَى أَمَةً، فَلِلْحُرَّةِ يَوْمَانِ، وَلِلْأَمَةِ يَوْمٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَمَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «لِلْحُرَّةِ ثُلُثَانِ مِنْ الْقَسْمِ، وَلِلْأَمَةِ الثُّلُثُ» ؛ وَلِأَنَّهُمَا مَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ النِّكَاحُ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ بَعْدَ نِكَاحِ الْحُرَّةِ، وَلَا مَعَ نِكَاحِهَا.

وَكَذَا لَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ، وَلِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَلَمْ يَتَسَاوَيَا فِي السَّبَبِ، فَلَا يَتَسَاوَيَانِ فِي الْحُكْمِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمَةِ مَعَ الْكِتَابِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابِيَّةَ يَجُوزُ نِكَاحُهَا قَبْلَ الْمُسْلِمَةِ وَبَعْدَهَا، وَمَعَهَا.

وَكَذَا لِلذِّمِّيِّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ كَالْحُرِّ الْمُسْلِمِ، فَتَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الْوُجُوبِ، فَيَتَسَاوَيَانِ فِي الْحُكْمِ؛ وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تُنْبِئُ عَنْ الْكَمَالِ، وَالرِّقُّ يُشْعِرُ بِنُقْصَانِ الْحَالِ، وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ النُّقْصَانِ فِي الشَّرْعِ فِي الْمَالِكِيَّةِ وَحِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ وَالْعِدَّةِ وَالْحَدِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَذَا فِي الْقَسْمِ، وَهَذَا التَّفَاوُتُ فِي السُّكْنَى، وَالْبَيْتُوتَةِ يَسْكُنُ عِنْدَ الْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ.

وَعِنْدَ الْأَمَةِ لَيْلَةً.

فَأَمَّا فِي الْمَأْكُولِ

<<  <  ج: ص:  >  >>