وَالْمَشْرُوبِ، وَالْمَلْبُوسِ، فَإِنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْحَاجَاتِ اللَّازِمَةِ، فَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ وَالْمَرِيضُ فِي وُجُوبِ الْقَسْمِ عَلَيْهِ كَالصَّحِيحِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَأْذَنَ نِسَاءَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ ﵂» ، فَلَوْ سَقَطَ الْقَسْمُ بِالْمَرَضِ لَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِئْذَانِ مَعْنًى، وَلَا قَسْمَ عَلَى الزَّوْجِ إذَا سَافَرَ حَتَّى لَوْ سَافَرَ بِإِحْدَاهُمَا، وَقَدِمَ مِنْ السَّفَرِ، وَطَلَبَتْ الْأُخْرَى أَنْ يَسْكُنَ عِنْدَهَا مُدَّةَ السَّفَرِ، فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ السَّفَرِ ضَائِعَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ وَحْدَهُ دُونَهُنَّ لَكِنْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ، فَيَخْرُجُ بِمِنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِنَّ دَفْعًا لِتُهْمَةِ الْمَيْلِ عَنْ نَفْسِهِ هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ سَافَرَ بِهَا بِقُرْعَةٍ، فَكَذَلِكَ.
فَأَمَّا إذَا سَافَرَ بِهَا بِغَيْرِ قُرْعَةٍ، فَإِنَّهُ يَقْسِمُ لِلْبَاقِيَاتِ، وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ بِالْقُرْعَةِ لَا يُعْرَفُ أَنَّ لَهَا حَقًّا فِي حَالَةِ السَّفَرِ أَوْ لَا، فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِإِظْهَارِ الْحَقِّ أَبَدًا لِاخْتِلَافِ عَمَلِهَا فِي نَفْسِهَا، فَإِنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ بَلْ مَرَّةٌ هَكَذَا، وَمَرَّةٌ هَكَذَا، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى شَيْءٍ.
وَلَوْ وَهَبَتْ إحْدَاهُمَا قَسْمَهَا لِصَاحِبَتِهَا أَوْ رَضِيَتْ بِتَرْكِ قَسْمِهَا؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لَهَا، فَلَهَا أَنْ تَسْتَوْفِيَ، وَلَهَا أَنْ تَتْرُكَ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ ﵂ لَمَّا كَبُرَتْ، وَخَشِيَتْ أَنْ يُطَلِّقَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَعَلَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ ﵂، وَقِيلَ فِيهَا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ [النساء: ١٢٨] ، وَالْمُرَادُ مِنْ الصُّلْحِ هُوَ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا كَذَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ فَإِنْ رَجَعَتْ عَنْ ذَلِكَ، وَطَلَبَتْ قَسْمَهَا، فَلَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَانَ إبَاحَةً مِنْهَا، وَالْإِبَاحَةُ لَا تَكُونُ لَازِمَةً كَالْمُبَاحِ لَهُ الطَّعَامُ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمُبِيحُ مَنْعَهُ، وَالرُّجُوعَ عَنْ ذَلِكَ.
وَلَوْ بَذَلَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ مَالًا لِلزَّوْجِ؛ لِيَجْعَلَ لَهَا فِي الْقَسْمِ أَكْثَرَ مِمَّا تَسْتَحِقُّهُ لَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَفْعَلَ، وَيَرُدَّ مَا أَخَذَهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْمَالَ لِمَنْعِ الْحَقِّ عَنْ الْمُسْتَحِقِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَذَلَ الزَّوْجُ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَالًا لِتَجْعَلَ نَوْبَتَهَا لِصَاحِبَتِهَا أَوْ بَذَلَتْ هِيَ لِصَاحِبَتِهَا مَالًا لِتَتْرُكَ نَوْبَتَهَا لَهَا لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَيُسْتَرَدُّ الْمَالُ؛ لِأَنَّ هَذَا مُعَاوَضَةُ الْقَسْمِ بِالْمَالِ، فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَذَا هَذَا، هَذَا إذَا كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.
فَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ؛ فَطَالَبَتْهُ بِالْوَاجِبِ لَهَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ رِوَايَةَ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا تَشَاغَلَ الرَّجُلُ عَنْ زَوْجَتِهِ بِالصِّيَامِ أَوْ بِالصَّلَاةِ أَوْ بِأَمَةٍ اشْتَرَاهَا قَسَمَ لِامْرَأَتِهِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِ لَيَالٍ لَيْلَةً، وَقِيلَ لَهُ تَشَاغَلْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَثَلَاثَ لَيَالٍ بِالصَّوْمِ أَوْ بِالْأَمَةِ، وَهَكَذَا كَانَ الطَّحَاوِيُّ يَقُولُ: إنَّهُ يَجْعَلُ لَهَا يَوْمًا وَاحِدًا يَسْكُنُ عِنْدَهَا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا يَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ، وَأَشْغَالِهِ (وَجْهُ) هَذَا الْقَوْلِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ زَوْجَهَا إلَى عُمَرَ ﵁ وَذَكَرَتْ أَنَّهُ يَصُومُ النَّهَارَ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ، فَقَالَ: عُمَرُ ﵁ مَا أَحْسَنَكِ ثَنَاءً عَلَى بَعْلِكِ، فَقَالَ: كَعْبٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهَا تَشْكُو إلَيْكَ زَوْجَهَا، فَقَالَ عُمَرُ ﵁: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: كَعْبٌ إنَّهُ إذَا صَامَ النَّهَارَ، وَقَامَ اللَّيْلَ، فَكَيْفَ يَتَفَرَّغُ لَهَا، فَقَالَ عُمَرُ ﵁ لِكَعْبٍ اُحْكُمْ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ: أَرَاهَا إحْدَى نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ يُفْطِرُ لَهَا يَوْمًا، وَيَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ مِنْهُ عُمَرُ ﵁ وَوَلَّاهُ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ هَذَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِهَذَا الْقَوْلِ.
وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَذْهَبَنَا؛ لِأَنَّ الْمُزَاحَمَةَ فِي الْقَسْمِ إنَّمَا تَحْصُلُ بِمُشَارَكَاتِ الزَّوْجَاتِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ غَيْرُهَا لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُشَارَكَةُ، فَلَا يَقْسِمُ لَهَا، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ لَا تُدَاوِمْ عَلَى الصَّوْمِ، وَوَفِّ الْمَرْأَةَ حَقَّهَا كَذَا قَالَهُ الْجَصَّاصُ
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ: أَوَّلًا كَمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ كَعْبٌ، وَهُوَ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّهَا عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ ثَلَاثًا أُخَرَ سِوَاهَا، فَلَمَّا لَمْ يَتَزَوَّجْ، فَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، فَكَانَ الْخِيَارُ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ شَاءَ؛ صَرَفَ ذَلِكَ إلَى الزَّوْجَاتِ، وَإِنْ شَاءَ؛ صَرَفَهُ إلَى صِيَامِهِ، وَصَلَاتِهِ، وَأَشْغَالِهِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ: هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا، فَطَالَبْنَ بِالْوَاجِبِ مِنْهُ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَيْلَةٌ مِنْ الْأَرْبَعِ، فَلَوْ جَعَلْنَا هَذَا حَقًّا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَا يَتَفَرَّغُ لِأَعْمَالِهِ، فَلَمْ يُوَقِّتْ فِي هَذَا وَقْتًا.
وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً؛ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَخِيرًا إنْ صَحَّ الرُّجُوعُ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَقْسِمُ لَهَا كَمَا يَقْسِمُ لِلْحُرَّةِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى، وَعَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ يَجْعَلُ لَهَا لَيْلَةً مِنْ كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ؛ لِأَنَّ لِلزَّوْجِ حَقَّ إسْقَاطِ حَقِّهَا عَنْ سِتَّةِ أَيَّام، وَالِاقْتِصَارَ عَلَى يَوْمٍ