للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْكُوحَةُ أَبِيهِ إذَا وَلَدَتْ ابْنًا وَلَهَا بِنْتٌ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ؛ فَهِيَ أُخْتُ أَخِيهِ لِأَبِيهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَكَذَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَيَجُوزُ لِزَوْجِ الْمُرْضِعَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ الْمُرْضَعِ مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْمُرْضَعَ ابْنُهُ، وَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ ابْنِهِ مِنْ النَّسَبِ وَكَذَا أَبَ الْمُرْضَعِ مِنْ النَّسَبِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُرْضِعَةَ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ فَهِيَ كَأُمِّ ابْنِهِ مِنْ النَّسَبِ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَحَارِمِ أَبِي الصَّبِيِّ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ النَّسَبِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّهِ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي صفة الرَّضَاع الْمُحَرِّمِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا صِفَةُ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ فَالرَّضَاعُ الْمُحَرِّمُ مَا يَكُونُ فِي حَالِ الصِّغَرِ فَأَمَّا مَا يَكُونُ فِي حَالِ الْكِبَرِ فَلَا يُحَرِّمُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعَامَّةِ الصَّحَابَةِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ يُحَرِّمُ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ جَمِيعًا وَاحْتَجَّتْ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾ [النساء: ٢٣] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ حَالِ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ تَبَنَّى سَالِمًا وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ سَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ «فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ أَتَتْ سَهْلَةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَلَيْسَ لَنَا إلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ فَمَاذَا تَرَى فِي شَأْنِهِ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ : أَرْضِعِيهِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْكِ» .

وَكَانَ سَالِمًا كَبِيرًا فَدَلَّ أَنَّ الرَّضَاعَ فِي حَالِ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ مُحَرِّمٌ وَقَدْ عَمِلَتْ عَائِشَةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ حَتَّى رُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ إذَا أَرَادَتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ أَمَرَتْ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَبَنَاتِ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنْ يُرْضِعْنَهُ فَدَلَّ عَمَلُهَا بِالْحَدِيثِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوخٍ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ «دَخَلَ يَوْمًا عَلَى عَائِشَةَ فَوَجَدَ عِنْدَهَا رَجُلًا فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: هَذَا عَمِّي مِنْ الرَّضَاعَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : اُنْظُرْنَ مَا أَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» .

أَشَارَ إلَى أَنَّ الرَّضَاعَ فِي الصِّغَرِ هُوَ الْمُحَرِّمُ؛ إذْ هُوَ الَّذِي يَدْفَعُ الْجُوعَ فَأَمَّا جُوعُ الْكَبِيرِ فَلَا يَنْدَفِعُ بِالرَّضَاعِ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ «الرَّضَاعُ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ الْعَظْمَ» وَذَلِكَ هُوَ رَضَاعُ الصَّغِيرِ دُونَ الْكَبِيرِ؛ لِأَنَّ إرْضَاعَهُ لَا يُنْبِتُ اللَّحْمَ وَلَا يُنْشِزُ الْعَظْمَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «الرَّضَاعُ مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ» وَرَضَاعُ الصَّغِيرِ هُوَ الَّذِي يَفْتُقُ الْأَمْعَاءَ، لَا رَضَاعُ الْكَبِيرِ؛ لِأَنَّ أَمْعَاءَ الصَّغِيرِ تَكُونُ ضَيِّقَةً لَا يَفْتُقُهَا إلَّا اللَّبَنُ؛ لِكَوْنِهِ مِنْ أَلْطَفِ الْأَغْذِيَةِ كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ بِقَوْلِهِ ﷿ ﴿لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾ [النحل: ٦٦] فَأَمَّا أَمْعَاءُ الْكَبِيرِ فَمُنْفَتِقَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى الْفَتْقِ بِاللَّبَنِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ» .

وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَلَدَتْ امْرَأَتُهُ وَلَدًا فَمَاتَ وَلَدُهَا فَوَرِمَ ثَدْيُ الْمَرْأَةِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَمُصُّهُ وَيَمُجُّهُ فَدَخَلَتْ جَرْعَةٌ مِنْهُ حَلْقَهُ فَسَأَلَ عَنْهُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ قَالَ: قَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْكَ ثُمَّ جَاءَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: هَلْ سَأَلْت أَحَدًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، سَأَلْت أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ؛ فَقَالَ: حُرِّمَتْ عَلَيْك فَجَاءَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ فَقَالَ لَهُ: أَمَا عَلِمْت أَنَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ فَقَالَ: كَانَتْ لِي وَلِيدَةٌ أَطَؤُهَا فَعَمَدَتْ امْرَأَتِي إلَيْهَا فَأَرْضَعَتْهَا فَدَخَلْت عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: دُونَكَ مَقْدُورُ اللَّهِ أَرْضَعْتهَا فَقَالَ عُمَرُ : وَاقِعْهَا فَهِيَ جَارِيَتُك فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ عِنْدَ الصِّغَرِ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ رَضَاعَةَ الْكَبِيرِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ فَسَّرَ الرَّضَاعَ الْمُحَرِّمَ بِكَوْنِهِ دَافِعًا لِلْجُوعِ مُنْبِتًا لِلَّحْمِ مُنْشِزًا لِلْعَظْمِ فَاتِقًا لِلْأَمْعَاءِ، وَهَذَا وَصْفُ رَضَاعِ الصَّغِيرِ لَا الْكَبِيرِ؛ فَصَارَتْ السُّنَّةُ مُبَيِّنَةً لِمَا فِي الْكِتَابِ أَصْلُهُ.

وَأَمَّا حَدِيثُ سَالِمٍ فَالْجَوَابُ عَنْ التَّعَلُّقِ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ مَخْصُوصًا بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ سَائِرَ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ أَبَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِالرَّضَاعِ فِي حَالِ الْكِبَرِ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ وَقُلْنَ: مَا نَرَى الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ إلَّا رُخْصَةً فِي سَالِمٍ وَحْدَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>