أَجَلَهُنَّ؛ لِأَنَّ أَجَلَهُنَّ مُدَّةُ حَمْلِهِنَّ، وَهَذِهِ الْعِدَّةُ إنَّمَا تَجِبُ لِئَلَّا يَصِيرَ الزَّوْجُ بِهَا سَاقِيًا مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، وَشَرْطُ وُجُوبِهَا أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ مِنْ النِّكَاحِ صَحِيحًا كَانَ أَوْ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ يُوجِبُ الْعِدَّةَ، وَلَا تَجِبُ عَلَى الْحَامِلِ بِالزِّنَا؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يُوجِبُ الْعِدَّةَ إلَّا أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ الزِّنَا جَازَ النِّكَاحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا مَا لَمْ تَضَعْ لِئَلَّا يَصِيرَ سَاقِيًا مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَقَادِيرِ الْعِدَّةِ وَمَا تَنْقَضِي بِهِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَقَادِيرِ الْعِدَّةِ، وَمَا تَنْقَضِي بِهِ، فَأَمَّا عِدَّةُ الْأَقْرَاءِ فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] ، وَسَوَاءٌ وَجَبَتْ بِالْفُرْقَةِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَوْ بِالْفُرْقَةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَوْ بِالْوَطْءِ عَنْ شُبْهَةِ النِّكَاحِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ بَعْدَ الدُّخُولِ يُجْعَلُ مُنْعَقِدًا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعِدَّةِ، وَيَلْحَقُ بِهِ فِيهِ، وَشُبْهَةُ النِّكَاحِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِيمَا يُحْتَاطُ فِيهِ، وَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْمُطَلَّقَةِ يَكُونُ وَارِدًا فِيهَا دَلَالَةً، وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى أَوْ بِمَوْتِهِ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ لَمْ تَجِبْ بِزَوَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ لِعَدَمِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ بِزَوَالِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَكَانَ وُجُوبُهَا بِطَرِيقِ الِاسْتِبْرَاءِ فَيُكْتَفَى بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي اسْتِبْرَاءِ سَائِرِ الْمَمْلُوكَاتِ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ ﵃ أَنَّهُمْ قَالُوا: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَهَذَا نَصٌّ فِيهِ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ عِدَّةٌ وَلَيْسَ بِاسْتِبْرَاءٍ إلَّا أَنَّهُمْ سَمَّوْهُ عِدَّةً، وَالْعِدَّةُ لَا تُقَدَّرُ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ عِدَّةٌ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْحُرَّةِ، وَالْحُرَّةُ لَا يَلْزَمُهَا الِاسْتِبْرَاءُ.
وَإِذَا كَانَ عِدَّةً لَا يَجُوزُ تَقْدِيرُهَا بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ كَسَائِرِ الْعِدَدِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ تَجِبُ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ؛ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَهَا فِرَاشٌ إلَّا أَنَّ فِرَاشَهَا قَبْلَ الْعِتْقِ غَيْرُ مُسْتَحْكَمٍ بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ لِاحْتِمَالِهِ النَّقْلَ إلَى غَيْرِهِ فَإِذَا أُعْتِقَتْ فَقَدْ اسْتَحْكَمَ فَالْتَحَقَ بِالْفِرَاشِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ، وَالْعِدَّةِ الَّتِي تَجِبُ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ، وَهُوَ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ مُقَدَّرَةً بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، وَلِهَذَا اسْتَوَى فِي الْوَاجِبِ عَلَيْهَا الْمَوْتُ، وَالْعِتْقُ كَمَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَعِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ لِعُمُومِ النَّصِّ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَقُرْءَانِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ نُفَاةُ الْقِيَاسِ: ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ احْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصِ الْحُرَّةِ.
(وَلَنَا) الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَقَالَ عُمَرُ ﵁ عِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ وَلَوْ اسْتَطَعْت لَجَعَلْتهَا حَيْضَةً، وَنِصْفًا، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمَاءَ مَخْصُوصَاتٌ مِنْ عُمُومِ الْكِتَابِ الْكَرِيمِ، وَتَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ مُقَدَّرٌ فَيُؤَثِّرُ الرِّقُّ فِي تَنْصِيفِهِ كَالْقَسَمِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَنَصَّفَ فَتَعْتَدُّ حَيْضَةً، وَنِصْفًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ عُمَرُ ﵁ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَتَكَامَلَتْ ضَرُورَةً، وَسَوَاءٌ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تُعْتَبَرُ بِالنِّسَاءِ بِالْإِجْمَاعِ، وَيَسْتَوِي فِي مِقْدَارِ هَذِهِ الْعِدَّةِ الْمُسْلِمَةُ، وَالْكِتَابِيَّةُ، الْحُرَّةُ كَالْحُرَّةِ، وَالْأَمَةُ كَالْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الدَّلَائِلَ لَا تُوجِبُ الْفَصْلَ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا تَنْقَضِي بِهِ هَذِهِ الْعِدَّةُ أَنَّهُ الْحَيْضُ أَمْ الْأَطْهَارُ؟ قَالَ أَصْحَابُنَا: الْحَيْضُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأَطْهَارُ، وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الطُّهْرِ لَا يُحْتَسَبُ بِذَلِكَ الطُّهْرِ مِنْ الْعِدَّةِ عِنْدَنَا حَتَّى لَا تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مَا لَمْ تَحِضْ ثَلَاثَ حِيَضٍ بَعْدَهُ، وَعِنْدَهُ يُحْتَسَبُ بِذَلِكَ الطُّهْرِ مِنْ الْعِدَّةِ فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِانْقِضَاءِ ذَلِكَ الطُّهْرِ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ، وَبِطُهْرٍ آخَرَ بَعْدَهُ، وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ﵃.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا: الزَّوْجُ أَحَقُّ بِمُرَاجَعَتِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا.
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ ﵃ مِثْلُ قَوْلِهِ، وَحَاصِلُ الِاخْتِلَافِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ الْقُرْءَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ ﴿ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] مَا هُوَ الْحَيْضُ أَمْ الطُّهْرِ فَعِنْدَنَا الْحَيْضُ، وَعِنْدَهُ الطُّهْرُ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي أَنَّ الْقُرْءَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ يُذْكَرُ، وَيُرَادُ بِهِ الْحَيْضُ، وَيُذْكَرُ، وَيُرَادُ بِهِ الطُّهْرُ عَلَى طَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي سَائِرِ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ مِنْ اسْمِ الْعَيْنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، أَمَّا اسْتِعْمَالُهُ فِي الْحَيْضِ فَلِقَوْلِ