للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَنَفَحَتْ أَوْ نَفَرَتْ فَصَدَمَتْ أَوْ وَطِئَتْ إنْسَانًا فَقَتَلَتْهُ فَالضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ أَوْ الضَّارِبِ لَا عَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ النَّاخِسُ وَالْقَائِدُ؛ لِأَنَّ النَّاخِسَ مَعَ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ كَالدَّافِعِ مَعَ الْحَافِرِ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّخْسِ أَوْ الضَّرْبِ كَأَنَّهُ دَفَعَ الدَّابَّةَ عَلَى غَيْرِهِ.

وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهَا سَائِقٌ وَقَائِدٌ، يَقُودُ أَحَدُهُمَا، وَيَسُوقُ الْآخَرُ، فَنَخَسَ أَوْ ضَرَبَ بِغَيْرِ إذْنِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا - فَالضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ وَالضَّارِبِ لَا عَلَيْهِمَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ النَّاخِسُ وَالْقَائِدُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّاخِسَ مُتَعَمِّدٌ كَالدَّافِعِ لِلدَّابَّةِ.

وَكَذَا الضَّارِبُ وَلَا تَعَمُّدَ مِنْ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَنَفَحَتْ، فَإِنْ كَانَ سَوْقُهُ أَوْ قَوْدُهُ فِيمَا أُذِنَ لَهُ بِالسَّوْقِ وَالْقَوْدِ فِيهِ - فَلَا ضَمَانَ عَلَى النَّاخِسِ وَالضَّارِبِ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَمْرِ السَّائِقِ أَوْ الْقَائِدِ، فَإِنْ كَانَ يَسُوقُ أَوْ يَقُودُ فِيمَا أُذِنَ لَهُ بِالسَّوْقِ وَالْقَوْدِ فِيهِ بِأَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ لَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ يُضَافُ إلَيْهِ كَالسَّائِقِ أَوْ الْقَائِدِ، وَإِنْ كَانَ يَسُوقُ أَوْ يَقُودُ فِيمَا أُذِنَ لَهُ بِذَلِكَ بِأَنْ كَانَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ - فَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرْنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: الضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ وَالضَّارِبِ، وَعَلَى السَّائِقِ أَوْ الْقَائِدِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا، وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: الضَّمَانُ عَلَى السَّائِقِ أَوْ الْقَائِدِ خَاصَّةً، وَإِنْ صَدَمَتْ فَقَتَلَتْ إنْسَانًا، فَإِنْ كَانَ السَّائِقُ يَسُوقُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ - فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَ النَّاخِسِ أَوْ الضَّارِبِ بِأَمْرِ السَّائِقِ أَوْ الْقَائِدِ مُضَافٌ إلَيْهِ، وَالصَّدْمَةُ فِي الْمِلْكِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ وَالرَّاكِبِ، وَإِنْ كَانَ يَسُوقُ أَوْ يَقُودُ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ - فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَإِنْ وَطِئَتْ إنْسَانًا فَقَتَلَتْهُ - فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ سَوْقُهُ أَوْ قَوْدُهُ فِيمَا أُذِنَ لَهُ بِالسَّوْقِ أَوْ الْقَوْدِ فِيهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْوَطْأَةَ مَضْمُونَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.

وَإِنْ وَطِئَتْ تَجِبُ الْقِيمَةُ بِلَا خِلَافٍ، لَكِنْ فِي قِيَاسِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى النَّاخِسِ وَالضَّارِبِ، وَعَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ نِصْفَانِ، وَعَلَى قِيَاسِ رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: عَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ خَاصَّةً، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ جِنَايَةُ الْحَائِطِ الْمَائِلِ إذَا سَقَطَ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ، أَوْ عَلَى مَتَاعٍ، فَأَفْسَدَهُ، أَوْ عَلَى دَارٍ فَهَدَمَهَا أَوْ عَلَى حَيَوَانٍ فَعَطِبَ بِهِ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ: أَنَّ الْحَائِطَ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ بُنِيَ مُسْتَوِيًا مُسْتَقِيمًا ثُمَّ مَالَ (وَإِمَّا) إنْ بُنِيَ مَائِلًا مِنْ الْأَصْلِ، فَإِنْ بُنِيَ مُسْتَقِيمًا ثُمَّ مَالَ فَمَيَلَانُهُ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ إلَى الطَّرِيقِ.

(وَإِمَّا) أَنْ يَكُونَ إلَى مِلْكِ إنْسَانٍ، فَإِنْ كَانَ إلَى الطَّرِيقِ لَا يَخْلُو: مِنْ أَنْ يَكُونَ نَافِذًا، وَهُوَ طَرِيقُ الْعَامَّةِ أَوْ غَيْرَ نَافِذٍ، وَهُوَ السِّكَّةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِنَافِذَةٍ، فَإِنْ كَانَ نَافِذًا فَسَقَطَ فَعَطِبَ بِهِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ إذَا وُجِدَ شَرَائِطُ وُجُوبِهِ، فَيَقَعُ الْكَلَامَ فِي سَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ، وَفِي بَيَانِ مَا هِيَةِ الضَّمَانِ الْوَاجِبِ وَكَيْفِيَّتِهِ (أَمَّا) الْأَوَّلُ: فَسَبَبُ وُجُوبِ الضَّمَانِ هُوَ التَّعَدِّي بِالتَّسْبِيبِ إلَى الْإِتْلَافِ بِتَرْكِ النَّقْضِ الْمُسْتَحَقِّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النَّقْضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَالَ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَقَدْ حَصَلَ الْهَوَاءُ فِي يَدِ صَاحِبِ الْحَائِطِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ، وَهُوَ الطَّرِيقُ حَقُّ الْعَامَّةِ كَنَفْسِ الطَّرِيقِ فَقَدْ حَصَلَ حَقُّ الْغَيْرِ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ، فَإِذَا طُولِبَ بِالنَّقْضِ فَقَدْ لَزَمَهُ إزَالَةُ يَدِهِ عَنْهُ بِهَدْمِ الْحَائِطِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ مَعَ الْإِمْكَانِ، فَقَدْ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِاسْتِبْقَاءِ يَدِهِ عَلَيْهِ كَثَوْبٍ هَبَّتْ بِهِ الرِّيحُ فَأَلْقَتْهُ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَطُولِبَ بِهِ فَامْتَنَعَ مِنْ الرَّدِّ مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ حَتَّى هَلَكَ - يَضْمَنُ لِمَا قُلْنَا، كَذَا هَذَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ مِثْلِ الشُّعَبِيِّ وَشُرَيْحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: إذَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ فِي الْحَائِطِ فَلَمْ يَهْدِمْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[فَصْلٌ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ إذَا وَقَعَ عَلَيْهِ حَائِطٌ وَسَبَبُ الْوُجُوبِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا شَرَائِطُ الْوُجُوبِ فَمِنْهَا الْمُطَالَبَةُ بِالنَّقْضِ حَتَّى لَوْ سَقَطَ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ فَعَطِبَ بِهِ شَيْءٌ لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِتَرْكِ النَّقْضِ الْمُسْتَحَقِّ؛ لِأَنَّ بِهِ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا فِي التَّسْبِيبِ إلَى الْإِتْلَافِ، وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ بِدُونِ الْمُطَالَبَةِ، وَصُورَةُ الْمُطَالَبَةِ: هِيَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ فَيَقُولُ لَهُ: إنَّ حَائِطَكَ هَذَا مَائِلٌ أَوْ مَخُوفٌ فَارْفَعْهُ، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ لَزِمَهُ رَفْعُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا حَقُّ الْعَامَّةِ، فَإِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ صَارَ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي تَقَدَّمَ إلَيْهِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا حُرًّا أَوْ عَبْدًا بَعْدَ إنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا بَعْدَ إنْ كَانَ عَاقِلًا، وَقَدْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ حَقُّ جَمِيعِ أَهْلِ الدَّارِ، فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِإِزَالَةِ سَبَبِ الضَّرَرِ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَقْلِ الطَّالِبِ وَكَوْنِهِ مَأْذُونًا بِالتَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمَجْنُونِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الشَّرْعِ، فَكَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>