مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ، وَيَنْبَغِيَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الطَّلَبِ وَتَفْسِيرُ الْإِشْهَادِ مَا ذَكَره مُحَمَّدٌ ﵀، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَقَدَّمْتُ إلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي هَدْمِ حَائِطِهِ، هَذَا وَالْإِشْهَادُ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْجُحُودِ وَالْإِنْكَارِ لِجَوَازِ أَنْ يُنْكِرَ صَاحِبُ الْحَائِطِ الْمُطَالَبَةَ بِالنَّقْضِ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى الْإِشْهَادِ لِإِثْبَاتِ الطَّلَبِ عِنْدَ الْقَاضِي لَا لِصِحَّةِ الطَّلَبِ فَإِنَّ الطَّلَبَ يَصِحُّ بِدُونِ الْإِشْهَادِ حَتَّى لَوْ اعْتَرَفَ صَاحِبُ الدَّارِ بِالطَّلَبِ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ.
وَكَذَا إذَا أَنْكَرَ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ﷾ وَنَظِيرُهُ مَا قُلْنَا فِي الشُّفْعَةِ: أَنَّ الشَّرْطَ فِيهَا الطَّلَبُ لَا الْإِشْهَاد، وَإِنَّمَا الْإِشْهَادُ لِلْحَاجَةِ إلَى إثْبَاتِ الطَّلَبِ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِنْكَارِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِيَ بِالطَّلَبِ يَثْبُتُ حَقُّ الشُّفْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى الطَّلَبِ وَكَذَا لَوْ جَحَدَ الطَّلَبَ يَثْبُتُ الْحَقُّ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ﵎ وَكَذَا الْإِشْهَادُ فِي بَابِ اللُّقْطَةِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ، وَلَوْ طُولِبَ صَاحِبُ الْحَائِطِ بِالنَّقْضِ فَلَمْ يَنْقُضْ حَتَّى سَقَطَ عَلَى الطَّرِيقِ فَعَثَرَ بِنَقْضِهِ إنْسَانٌ فَعَطِبَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ طُولِبَ بِدَفْعِ النَّقْضِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ إذَا طُولِبَ بِالرَّفْعِ لَزِمَهُ الرَّفْعُ فَإِذَا لَمْ يَرْفَعْ صَارَ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ مَنْ تَوَلَّدَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُطَالَبْ بِرَفْعِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يَضْمَنُ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَمَّا طُولِبَ بِالنَّقْضِ فَلَمْ يَنْقُضْ حَتَّى سَقَطَ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِتَرْكِ النَّقْضِ فَحَصَلَ التَّلَفُ بِسَبَبٍ هُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَيَضْمَنُ؛ وَلِهَذَا ضَمِنَ إذَا وَقَعَ عَلَى إنْسَانٍ كَذَا إذَا عَطِبَ بِنَقْضِهِ إنْسَانٌ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَائِطَ قَدْ زَالَ عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي طُولِبَ فِيهِ لِانْتِقَالِهِ عَنْ مَحِلِّ الْجِنَايَةِ، وَهُوَ الْهَوَاءُ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ بِغَيْرِ صُنْعِ صَاحِبِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُطَالَبَةٍ أُخْرَى كَمَنْ وَضَعَ حَجَرًا فِي الطَّرِيقِ فَدَحْرَجَتْهُ الرِّيحُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَاضِعِ كَذَا هَهُنَا بِخِلَافِ مَا إذَا سَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا زَالَ عَنْ مَحِلِّ الْمُطَالَبَةِ، وَهُوَ الْهَوَاءُ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُطَالَبَةٍ أُخْرَى، وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ غَيْرَ نَافِذٍ - فَالْخُصُومَةُ إلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ السِّكَّةِ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ حَقُّهُمْ، فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وِلَايَةُ التَّقَدُّمِ إلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ، وَإِنْ كَانَ مَيَلَانُ الْحَائِطِ إلَى مِلْكِ رَجُلٍ - فَالْمُطَالَبَةُ بِالنَّقْضِ وَالْإِشْهَادِ إلَى صَاحِبِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ هَوَاءٌ مَلَكَهُ حَقُّهُ، وَقَدْ شَغَلَ الْحَائِطَ حَقُّ صَاحِبِ الْمِلْكِ فَكَانَتْ الْمُطَالَبَةُ بِالتَّفْرِيغِ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ سَاكِنٌ كَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ فَالْمُطَالَبَةُ وَالْإِشْهَادُ إلَى السَّاكِنِ، فَيُشْتَرَطُ طَلَبُ السَّاكِنِ أَوْ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ السَّاكِنَ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِإِزَالَةِ مَا يَشْغَلُ الدَّارَ فَكَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِإِزَالَةِ مَا يُشْغِلُ الْهَوَاءَ أَيْضًا، وَلَوْ طُولِبَ صَاحِبُ الْحَائِطِ بِالنَّقْضِ فَاسْتَأْجَلَ الَّذِي طَالَبَهُ أَوْ اسْتَأْجَلَ الْقَاضِيَ فَأَجَّلَهُ، فَإِنْ كَانَ مَيَلَانُ الْحَائِطِ إلَى الطَّرِيقِ فَالتَّأْجِيلُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مَيَلَانُهُ إلَى دَارِ رَجُلٍ فَأَجَّلَهُ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ سَاكِنُ الدَّارِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ بِالْحَائِطِ، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَقَّ فِي الطَّرِيقِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا طَالَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِالنَّقْضِ فَقَدْ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِالْحَائِطِ لِحَقِّ الْجَمَاعَةِ، فَكَانَ التَّأْجِيلُ وَالْإِبْرَاءُ إسْقَاطًا لِحَقِّ الْجَمَاعَةِ فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَيَلَانُ إلَى دَارِ إنْسَانٍ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْحَقَّ لِصَاحِبِ الدَّارِ خَاصَّةً.
وَكَذَلِكَ السَّاكِنُ فَكَانَ التَّأْجِيلُ وَالْإِبْرَاءُ مِنْهُ إسْقَاطًا لِحَقِّ نَفْسِهِ فَيَمْلِكَهُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ وَضَعَ رَجُلٌ فِي دَارِ غَيْرِهِ حَجَرًا أَوْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا أَوْ بَنَى فِيهَا بِنَاءً وَأَبْرَأَهُ صَاحِبُ الدَّارِ مِنْهُ كَانَ بَرِيئًا، وَلَا يَلْزَمُهُ مَا عَطِبَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ سَوَاءٌ عَطِبَ بِهِ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ دَاخِلٌ دَخَلَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَيَمْلِكُ إسْقَاطَهُ كَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِإِذْنِهِ.
(وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ الْمُطَالَبُ بِالنَّقْضِ مِمَّنْ يَلِي النَّقْضَ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالنَّقْضِ مِمَّنْ لَا يَلِي النَّقْضَ سَفَهٌ، فَكَانَ وُجُودُهَا وَالْعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تَصِحُّ مُطَالَبَةُ الْمُسْتَوْدَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ النَّقْضِ فَتَصِحُّ مُطَالَبَةُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ النَّقْضِ لِقِيَامِ الْمِلْكِ فَيَنْقُضُ وَيَقْضِيَ الدِّينَ، فَيَصِيرُ مُتَعَدِّيًا بِتَرْكِ النَّقْضِ، وَتَصِحُّ مُطَالَبَةُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ فِي هَدْمِ حَائِطِ الصَّغِيرِ لِثُبُوتِ وِلَايَةِ النَّقْضِ لَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَنْقُضَا حَتَّى سَقَطَ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ بِتَرْكِ النَّقْضِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَى الْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ مُضَافٌ إلَى الصَّبِيِّ لِقِيَامِهِمَا مَقَامَ الصَّبِيِّ، وَالصَّبِيُّ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ، فَيَضْمَنُ وَتَتَحَمَّلُ عَنْهُ عَاقِلَتُهُ فِيمَا تَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ، وَيَكُونُ فِي مَالِهِ فِيمَا لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ كَالْبَالِغِ سَوَاءٌ، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا كَانَ الْحَائِطُ الْمَائِلُ لِجَمَاعَةٍ فَطُولِبَ بَعْضُهُمْ بِالنَّقْضِ فَلَمْ يَنْقُضْ حَتَّى سَقَطَ فَعَطِبَ بِهِ شَيْءٌ أَنَّ الْقِيَاسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute