ذَلِكَ إلَى الْمَوْلَى.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: إلَيْهَا (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ حَقُّهَا، وَالْعَزْلُ يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي ذَلِكَ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَرَاهَةَ الْعَزْلِ لِصِيَانَةِ الْوَلَدِ، وَالْوَلَدُ لَهُ لَا لَهَا، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ حُكْمَ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا النِّكَاحُ الْفَاسِدُ، فَلَا حُكْمَ لَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَأَمَّا بَعْدَ الدُّخُولِ، فَيَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ مِنْهَا ثُبُوتُ النَّسَبِ وَمِنْهَا وُجُوبُ الْعِدَّةِ، وَهُوَ حُكْمُ الدُّخُولِ فِي الْحَقِيقَةِ وَمِنْهَا وُجُوبُ الْمَهْرِ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِنِكَاحٍ حَقِيقَةً لِانْعِدَامِ مَحَلِّهِ أَعْنِي مَحَلَّ حُكْمِهِ، وَهُوَ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِي الْمَنَافِعِ، وَمَنَافِعُ الْبُضْعِ مُلْحَقَةٌ بِالْأَجْزَاءِ، وَالْحُرُّ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ خُلُوصٌ، وَالْمِلْكُ يُنَافِي الْخُلُوصَ؛ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْآدَمِيِّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالرِّقِّ، وَالْحُرِّيَّةُ تُنَافِي الرِّقَّ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ الْمُنَافِي فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ، وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الدُّخُولِ لِحَاجَةِ النَّاكِحِ إلَى دَرْءِ الْحَدِّ وَصِيَانَةِ مَائِهِ عَنْ الضَّيَاعِ بِثَبَاتِ النَّسَبِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ وَصِيَانَةِ الْبُضْعِ الْمُحْتَرَمِ عَنْ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ غَيْرِ غَرَامَةٍ، وَلَا عُقُوبَةٍ تُوجِبُ الْمَهْرَ، فَجُعِلَ مُنْعَقِدًا فِي حَقِّ الْمَنَافِعِ الْمُسْتَوْفَاةِ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ، وَهُوَ مَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَا يُجْعَلُ مُنْعَقِدًا قَبْلَهُ، ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ بَعْدَ الدُّخُولِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا، فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا» جَعَلَ ﷺ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ فِيمَا لَهُ حُكْمُ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَعَلَّقَهُ بِالدُّخُولِ، فَدَلَّ أَنَّ وُجُوبَهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِ هَذَا الْمَهْرِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْعُقْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ: لَا يَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَمِنْ الْمُسَمَّى.
وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ.
وَكَذَا هَذَا الْخِلَافُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْمَنَافِعَ تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ جَمِيعًا كَالْأَعْيَانِ، فَيَلْزَمُ إظْهَارُ أَثَرِ التَّقَوُّمِ، وَذَلِكَ بِإِيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ؛ لِأَنَّهُ قِيمَةُ مَنَافِعِ الْبُضْعِ، وَإِنَّمَا الْعُدُولُ إلَى الْمُسَمَّى عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ، وَلَمْ تَصِحَّ؛ لِهَذَا الْمَعْنَى أَوْجَبْنَا كَمَالَ الْقِيمَةِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ كَذَا هَهُنَا.
(وَلَنَا) أَنَّ الْعَاقِدَيْنِ مَا قَوَّمَا الْمَنَافِعَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى، فَلَا تَتَقَوَّمُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى، فَحَصَلَتْ الزِّيَادَةُ مُسْتَوْفَاةً مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ، فَلَمْ تَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ إلَّا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى لَا يَبْلُغُ بِهِ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ الْقَدْرِ لِرِضَاهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي وَقْتِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ أَنَّهَا مِنْ أَيِّ وَقْتٍ تُعْتَبَرُ قَالَ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ: إنَّهَا تَجِبُ مِنْ حِينِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ زُفَرُ: مِنْ آخِرِ وَطْءٍ وَطِئَهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ قَدْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ بَعْدَ آخِرِ وَطْءٍ وَطِئَهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ، فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا عِنْدَهُ (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ، وَذَلِكَ حُكْمُ الْوَطْءِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ قَبْلَ الْوَطْءِ، وَإِذَا كَانَ وُجُوبُهَا بِالْوَطْءِ تَجِبُ عَقِيبَ الْوَطْءِ بِلَا فَصْلٍ كَأَحْكَامِ سَائِرِ الْعِلَلِ.
(وَلَنَا) أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ بَعْدَ الْوَطْءِ مُنْعَقِدٌ فِي حَقِّ الْفِرَاشِ لِمَا بَيَّنَّا، وَالْفِرَاشُ لَا يَزُولُ قَبْلَ التَّفْرِيقِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِتَكْرَارِ الْوَطْءِ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ.
وَلَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ التَّفْرِيقِ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ، وَلَوْ دَخَلَتْهُ شُبْهَةٌ حَتَّى امْتَنَعَ وُجُوبُ الْحَدِّ يَلْزَمُهُ مَهْرٌ آخَرُ، فَكَانَ التَّفْرِيقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْهُ كَمَا تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالْخَلْوَةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ أُلْحِقَ بِالنِّكَاحِ فِي حَقِّ الْمَنَافِعِ الْمُسْتَوْفَاةِ حَقِيقَةً مَعَ قِيَامِ الْمَنَافِع لِحَاجَةِ النَّاكِحِ إلَى ذَلِكَ، فَيَبْقَى فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُسْتَوْفَى عَلَى أَصْلِ الْعَدَمِ، وَلَمْ يُوجَدْ اسْتِيفَاءُ الْمَنَافِعِ حَقِيقَةً بِالْخَلْوَةِ؛ وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْعِدَّةِ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْوَطْءُ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِتُعْرَفَ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ، وَلَمْ يُوجَدْ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّا أَقَمْنَا التَّمْكِينَ مِنْ الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ مَقَامَهُ فِي حَقِّ حُكْمٍ يُحْتَاطُ فِيهِ لِوُجُودِ دَلِيلِ التَّمَكُّنِ، وَهُوَ الْمِلْكُ الْمُطْلَقُ، وَلَمْ يُوجَدْ هَهُنَا بِخِلَافِ الْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَنَّهَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ إذَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْوَطْءِ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا عَنْهُ شَرْعًا بِسَبَبِ الْحَيْضِ أَوْ الْإِحْرَامِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ دَلِيلُ الْإِطْلَاقِ شَرْعًا مَوْجُودٌ وَهُوَ الْمِلْكُ الْمُطْلَقُ إلَّا أَنَّهُ مُنِعَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ، فَكَانَ التَّمَكُّنُ ثَابِتًا، وَدَلِيلُهُ مَوْجُودٌ، فَيُقَامُ مَقَامَ الْمَدْلُولِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ، وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ، وَلَا يُوجِبُ الْمَهْرَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ بِهَا الْعِدَّةُ، فَالْمَهْرُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ يُحْتَاطُ فِي وُجُوبِهَا، وَلَا يُحْتَاطُ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ.