للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّهُ فَاسِدٌ.

وَذُكِرَ فِي بَابِ السَّهْوِ: مِنْ الْأَصْلِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا كَانَ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ فَاقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَقَرَأَ الْإِمَامُ فِيهِمَا، ثُمَّ قَامَ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا فَاتَهُ فَعَلَيْهِ الْقِرَاءَةِ - وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ.

وَلَوْ كَانَ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ رَكْعَتَيْنِ غَيْرَ عَيْنٍ لَكَانَ الْإِمَامُ مُؤَدِّيًا فَرْضَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَقَدْ أَدْرَكَهُمَا الْمَسْبُوقُ فَحَصَلَ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ عَيْنًا بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، وَمَعَ هَذَا وَجَبَ فَعُلِمَ أَنَّ الْأُولَيَيْنِ مَحَلُّ أَدَاءِ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ عَيْنًا، وَالْقِرَاءَةُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَضَاءٌ عَنْ الْأُولَيَيْنِ، فَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَقَدْ قَضَى مَا فَاتَهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَالْفَائِتُ إذَا قُضِيَ يَلْتَحِقُ بِمَحَلِّهِ فَحَلَّتْ الْأُخْرَيَانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ الْمَفْرُوضَةِ، فَقَدْ فَاتَ عَلَى الْمَسْبُوقِ الْقِرَاءَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْصِيلِهَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِلَا قِرَاءَةٍ غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَ قَرَأَ الْإِمَامُ فِي الْأُولَيَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِنْ وُجِدَتْ لَمْ تَكُنْ فَرْضًا لِافْتِرَاضِهَا فِي رَكْعَتَيْنِ فَحَسْبُ، فَقَدْ فَاتَ الْفَرْضُ عَلَى الْمَسْبُوقِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُهَا فِيمَا يَقْضِي.

وَلَوْ تَرَكَهَا فِي الْأُولَيَيْنِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ أَوْ الْمَغْرِبِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ هَهُنَا.

وَلَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَبَدَأَ بِغَيْرِهَا، فَلَمَّا قَرَأَ بَعْضَ السُّورَةِ تَذَكَّرَ - يَعُودُ فَيَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ السُّورَةِ؛ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ سُمِّيَتْ فَاتِحَةً لِافْتِتَاحِ الْقِرَاءَةِ بِهَا فِي الصَّلَاةِ، فَإِذَا تَذَكَّرَ فِي مَحَلِّهَا كَانَ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ، كَمَا لَوْ سَهَا عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ حَتَّى اشْتَغَلَ بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ - يَعُودُ إلَى التَّكْبِيرَاتِ وَيَقْرَأُ بَعْدَهَا كَذَا، هَذَا.

وَلَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَقَرَأَ السُّورَةَ لَمْ يَقْضِهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ يَقْضِي الْفَاتِحَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ أَوْجَبُ مِنْ السُّورَةِ، ثُمَّ السُّورَةُ تُقْضَى فَلَأَنْ تُقْضَى الْفَاتِحَةُ أَوْلَى.

(وَلَنَا) أَنَّ الْأُخْرَيَيْنِ مَحَلُّ الْفَاتِحَةِ أَدَاءً فَلَا تَكُونَا مَحَلًّا لَهَا قَضَاءً بِخِلَافِ السُّورَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ يُؤَدِّي إلَى تَكْرَارِ الْفَاتِحَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ.

وَلَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَلَمْ يَقْرَأْ السُّورَةَ قَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَقْضِيهَا كَمَا لَا يَقْضِي الْفَاتِحَةَ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ فَاتَتْ عَنْ مَوْضِعِهَا، وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقَضَاهَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ وَجَهَرَ.

وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ تَرَكَ السُّورَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ فَقَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَجَهَرَ؛ لِأَنَّ الْأُخْرَيَيْنِ لَيْسَتَا مَحَلًّا لِلسُّورَةِ أَدَاءً فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لَهَا قَضَاءً، ثُمَّ قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَجَهَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ جَهَرَ بِهِمَا أَوْ بِالسُّورَةِ خَاصَّةً، وَفَسَّرَهُ الْبَلْخِيّ فَقَالَ: أَتَى بِالسُّورَةِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ، وَيَجْهَرُ بِالسُّورَةِ أَدَاءً فَكَذَا قَضَاءً، فَأَمَّا الْفَاتِحَةُ فَهِيَ فِي مَحَلِّهَا، وَمِنْ سُنَنِهَا الْإِخْفَاءُ فَيُخْفِي بِهَا.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُخَافِتُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِالْفَاتِحَةِ، وَالسُّورَةُ تُبْنَى عَلَيْهَا، ثُمَّ السُّنَّةُ فِي الْفَاتِحَةِ: الْمُخَافَتَةُ، فَكَذَا فِيمَا يُبْنَى عَلَيْهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهِمَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَهْرُ بِالسُّورَةِ فَيَجْهَرُ بِالْفَاتِحَةِ أَيْضًا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ مَا قَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ، فَإِنْ تَذَكَّرَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْهُ يَعُودُ إلَى الْقِرَاءَةِ، وَيُنْتَقَضُ رُكُوعُهُ، بِخِلَافِ الْقُنُوتِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا نَذْكُرُهُ فِي صَلَاةِ الْوِتْرِ.

وَلَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ فَتَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ قَضَاهَا فِي الرُّكُوعِ، بِخِلَافِ الْقُنُوتِ إذَا تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ حَيْثُ يَسْقُطُ، وَنَذْكُرُ الْفَرْقَ هُنَاكَ أَيْضًا.

وَلَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَقَامَ ثُمَّ تَذَكَّرَ - يَعُودُ وَيَتَشَهَّدُ إذَا لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَرَأَ التَّشَهُّدَ ثُمَّ تَذَكَّرَ يَعُودُ لِيَكُونَ خُرُوجُهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ فَهَهُنَا أَوْلَى.

وَكَذَا إذَا لَمْ يَقُمْ وَتَذَكَّرَهَا قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَ مَا سَلَّمَ سَاهِيًا، وَلَوْ سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهَا سَقَطَتْ عَنْهُ وَسَقَطَ سَجْدَتَا السَّهْوِ لِمَا مَرَّ.

وَلَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَقَامَ إلَى الثَّالِثَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَإِنْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا لَا يَعُودُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ فَرْضٌ وَلَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ تَرْكُ الْفَرْضِ لِتَحْصِيلِ الْوَاجِبِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا فَإِنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ لَا يَعُودُ وَتَسْقُطُ، وَإِنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ يَعُودُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ بَيَانُ مَحَلِّ السُّجُودِ لِلسَّهْوِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ مَحَلِّ السُّجُودِ لِلسَّهْوِ فَمَحَلُّهُ الْمَسْنُونُ بَعْدَ السَّلَامِ عِنْدَنَا، سَوَاءٌ كَانَ السَّهْوُ بِإِدْخَالِ زِيَادَةٍ فِي الصَّلَاةِ أَوْ نُقْصَانٍ فِيهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَبْلَ السَّلَامِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلنُّقْصَانِ فَقَبْلَ السَّلَامِ، وَإِنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلزِّيَادَةِ فَبَعْدَ السَّلَامِ.

(احْتَجَّ) الشَّافِعِيُّ بِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ بُحَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>