وَبَقَاءً وَعَرَضًا، وَالثَّانِي: أَنَّ حُرْمَةَ الْآدَمِيِّ فَوْقَ حُرْمَةِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَالِ لِغَيْرِهِ، وَحُرْمَةَ الْآدَمِيِّ لِعَيْنِهِ، فَكَانَ اعْتِبَارُ النَّفْسِيَّةِ، وَإِهْدَارُ الْمَالِيَّةِ أَوْلَى مِنْ الْقَلْبِ، إلَّا أَنَّهُ نَقَصَتْ دِيَتُهُ عَنْ دِيَةِ الْحُرِّ لِكَوْنِ الْكُفْرِ مُنْقِصًا فِي الْجُمْلَةِ، وَإِظْهَارًا لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ، وَتَقْدِيرُ النُّقْصَانِ بِالْعَشَرَةِ ثَبَتَ تَوْفِيقًا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ﵁: يُنْقَصُ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ سَمَاعًا مِنْهُ ﵊؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمَقَادِيرِ، أَوْ لِأَنَّ هَذَا أَدْنَى مَالٍ لَهُ فِي خَطَرِ الشَّرْعِ كَمَا فِي نِصَابِ السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ قَوْلُهُ: " الْمَالُ لَيْسَ بِمِثْلٍ لِلْآدَمِيِّ " قُلْنَا: نَعَمْ، لَكِنْ لِشَرَفِ الْآدَمِيِّ وَجْهُ الْمَالِ لَمْ يُجْعَلْ مِثْلًا لَهُ عِنْدَ إمْكَانِ إيجَابِ مَا هُوَ مِثْلٌ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ النَّفْسُ، فَأَمَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ اعْتِبَارِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَاعْتِبَارُ الْمِثْلِ مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى مِنْ الْإِهْدَارِ، وَقَوْلُهُ: " الْجَبْرُ فِي الْمَالِ أَبْلَغُ " قُلْنَا: بَلَى، لَكِنَّ فِيهِ إهْدَارَ الْآدَمِيِّ، وَمُقَابَلَةُ الْجَابِرِ بِالْآدَمِيِّ الْفَائِتِ أَوْلَى مِنْ الْمُقَابَلَةِ بِالْمَالِ الْهَالِكِ، وَإِنْ كَانَ الْجَبْرُ ثَمَّةَ أَكْثَرَ لَكِنْ فِيهِ اعْتِبَارَ جَانِبِ الْمَوْلَى فَيَكُونُ لِغَيْرِهِ، وَفِيمَا قُلْنَا الْجَبْرُ أَقَلُّ لَكِنَّ فِيهِ اعْتِبَارُ جَانِبِ نَفْسِ الْآدَمِيِّ، وَهُوَ الْعَبْدُ، وَحُرْمَةُ الْآدَمِيِّ لَعَيْنِهِ، فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ أَوْلَى.
وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ أَمَةً فَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةَ الْقِيمَةِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ آلَافٍ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةُ الْقِيمَةِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا خَمْسَةَ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرَ يَجِبُ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ ﵀ لَهُ، فَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ﵀: تَبْلُغُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ.
وَالْكَلَامُ فِي الْأَمَةِ كَالْكَلَامِ فِي الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا يَنْقُصُ مِنْهَا عَشَرَةٌ كَمَا نَقَصَتْ مِنْ دِيَةِ الْعَبْدِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ دِيَةُ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فِي الْأَمَةِ فَيَنْقُصُ فِي الْعَبْدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ تَزِيدُ نِصْفُ قِيمَتُهُ عَلَى خَمْسَةِ آلَافٍ أَنَّهُ تَجِبُ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ لَيْسَ بِدِيَةٍ كَامِلَةٍ، بَلْ هُوَ بَعْضُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْهُ نِصْفٌ، فَيَجِبُ نِصْفُ مَا يَجِبُ فِي الْكُلِّ، وَالْوَاجِبُ فِي الْأُنْثَى لَيْسَ بَعْضَ دِيَةِ الذَّكَرِ بَلْ هُوَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فِي نَفْسِهَا، لَكِنَّهَا دِيَةُ الْأُنْثَى.
(وَأَمَّا) بَيَانُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَمَنْ يَتَحَمَّلُهَا فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ مِنْهُ، وَهُوَ الْقَتْلُ، وَتَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ فِي قَوْلِهِمَا، وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ﵀ تَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا: أَنَّ عِنْدَهُمَا ضَمَانَ الْعَبْدِ بِمُقَابَلَةِ النَّفْسِ، وَضَمَانَ النَّفْسِ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ.
وَكَدِيَةِ الْحُرِّ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ، وَضَمَانَ الْمَالِ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ بَلْ يَكُونُ فِي مَالِ الْمُتْلِفِ كَضَمَانِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي كَثِيرِ الْقِيمَةِ أَنْ يُقَدَّرَ عَشَرَةَ آلَافٍ تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ يَجِبُ بِمُقَابَلَةِ النَّفْسِيَّةِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا لَا تَعْقِلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ.
(وَأَمَّا) كَيْفِيَّةُ وُجُوبِ الْقِيمَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا، وَقَدْرُ مَا يَتَحَمَّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَمَا ذَكَرْنَا فِي دِيَةِ الْحُرِّ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[أَحْكَام جِنَايَة الحر عَلَى الْعَبْد]
وَالثَّانِي: وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ ﵎ ﴿وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ [النساء: ٩٢] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ مُدَبَّرَ إنْسَانٍ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُكَاتَبَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقِنِّ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا، وَإِنْ كَانَ عَبْدَ الْقَاتِلِ فَجِنَايَةُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ هَدْرٌ.
وَكَذَا لَوْ كَانَ مُدَبَّرُهُ أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَوْ وَجَبَتْ لَوَجَبَتْ لَهُ عَلَيْهِ.
وَهَذَا مُمْتَنِعٌ، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبَهُ فَجِنَايَةُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ لَازِمَةٌ، وَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى كَسْبِهِ وَأَرْشِ جِنَايَتِهِ حُرٌّ فَكَانَ كَسْبُهُ، وَأَرْشُهُ لَهُ فَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْلَى وَالْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ، وَلَا تَعْقِلُهَا الْعَاقِلَةُ بَلْ تَكُونُ عَلَى مَالِهِ لِقَوْلِهِ ﵊ «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا» ، وَالْمُكَاتَبُ عِنْدَنَا عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ؛ وَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَلَى مِلْكِ مَوْلَاهُ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ جِنَايَتَهُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ.
وَالْعَقْدُ ثَابِتٌ بَيْنَهُمَا غَيْرُ ثَابِتٍ فِي حَقِّ الْعَاقِلَةِ، وَلِهَذَا لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ الِاعْتِرَافَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُقِرِّ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ.
وَكَذَلِكَ جِنَايَةُ الْمَوْلَى عَلَى رَقِيقِ الْمُكَاتَبِ، وَعَلَى مَالِهِ لَازِمَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ مِنْ الْمَوْلَى، وَالْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ فِيهِ.
وَكَذَا إذَا كَانَ مَأْذُونًا مَدْيُونًا فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِرَقَبَتِهِ، وَبِالْقَتْلِ أَبْطَلَ مَحَلَّ حَقِّهِمْ فَتَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَتَكُونُ فِي مَالِهِ بِالنَّصِّ، وَتَكُونُ حَالَّةً؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافِ الْمَالِ.
هَذَا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا وَالْمَقْتُولُ عَبْدًا، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ عَبْدًا وَالْمَقْتُولُ حُرًّا فَالْحُرُّ الْمَقْتُولُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ أَجْنَبِيًّا أَوْ يَكُونَ وَلِيَ الْعَبْدِ، فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا فَالْعَبْدُ الْقَاتِلُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ قِنًّا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبًا، فَإِنْ كَانَ قُلْنَا: يَدْفَعُ إذَا ظَهَرَتْ جِنَايَتُهُ إلَّا أَنْ