للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَوَابُ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ سِيَّمَا إذَا صَرَفَ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ عَلَى عِلْمٍ بِالْحَدَثِ أَوْ عَلَى ظَنٍّ بِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ صَرَفَ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ أَحْدَثَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَجَعَ وَبَنَى فَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا يَبْنِي.

وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَبْنِي فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ صَرَفَ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا إذَا عَلِمَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَكَمَا إذَا انْصَرَفَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ كَانَ مُتَيَمِّمًا فَرَأَى سَرَابًا فَظَنَّهُ مَاءً فَانْصَرَفَ فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ.

وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ حُكْمَ الْمَكَانِ لَمْ يَتَبَدَّلْ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَالِانْصِرَافُ لَمْ يَكُنْ عَلَى قَصْدِ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَعَزْمِ الرَّفْضِ بَلْ لِإِصْلَاحِ صَلَاتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَ تَوَضَّأَ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ فَسَقَطَ حُكْمُ هَذَا الِانْصِرَافِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْصَرِفْ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَلِمَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَكَانِ قَدْ تَبَدَّلَ وَبِخِلَافِ تِلْكَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الِانْصِرَافَ لَيْسَ لِإِصْلَاحِ صَلَاتِهِ بَلْ لِقَصْدِ الْخُرُوجِ عَنْ الصَّلَاةِ وَعَزْمِ الرَّفْضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَ لَا يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ فَأَشْبَهَ الْكَلَامَ وَالْحَدَثَ الْعَمْدَ وَالْقَهْقَهَةَ، وَعَلَى هَذَا إذَا سَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ سَاهِيًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَحُكْمُهُ وَحُكْمُ الَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ سَوَاءٌ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَذُكِرَ فِي الْعُيُونِ أَنَّهُ إذَا صَلَّى الْعِشَاءَ فَظَنَّ بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ أَنَّهَا تَرْوِيحَةٌ فَسَلَّمَ أَوْ صَلَّى الظُّهْرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَوْ يَظُنُّ أَنَّهُ مُسَافِرٌ فَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْعِشَاءَ وَالظُّهْرَ، وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ هَذَا إذَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَأَمَّا إذَا كَانَ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ فَإِنْ كَانَ يُصَلِّي بِجَمَاعَةٍ يُعْطَى لِمَا انْتَهَى إلَيْهِ الصُّفُوفُ حُكْمَ الْمَسْجِدِ إنْ مَشَى يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً أَوْ خَلْفًا، وَإِنْ مَشَى أَمَامَهُ وَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِنَاءٌ وَلَا سُتْرَةٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ وَالصَّحِيحُ هُوَ التَّقْدِيرُ بِمَوْضِعِ السُّجُودِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِنَاءٌ أَوْ سُتْرَةٌ فَإِنَّهُ يَبْنِي مَا لَمْ يُجَاوِزْهُ؛ لِأَنَّ السُّتْرَةَ تَجْعَلُ لِمَا دُونَهَا حُكْمَ الْمَسْجِدِ حَتَّى لَا يُبَاحُ الْمُرُورُ دَاخِلَ السُّتْرَةِ وَيُبَاحُ خَارِجُهَا، وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي وَحْدَهُ فَمَسْجِدُهُ قَدْرُ مَوْضِعِ سُجُودِهِ مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعِ إلَّا إذَا مَشَى أَمَامَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَيُعْطَى لِدَاخِلِ السُّتْرَةِ حُكْمَ الْمَسْجِدِ، لِمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَيَتَوَضَّأَ وَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِيَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ الْفَرْضِ بِيَقِينٍ.

[فَصْلٌ الْكَلَامُ فِي مَحَلِّ الْبِنَاءِ وَكَيْفِيَّتِهِ فِي الصَّلَاةِ]

(فَصْلٌ) :

الْكَلَامُ فِي مَحَلِّ الْبِنَاءِ وَكَيْفِيَّتِهِ.

فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، الْمُصَلِّي لَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ مُقْتَدِيًا أَوْ إمَامًا فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَانْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَتَمَّ صَلَاتَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ وَإِنْ شَاءَ عَادَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَتَمَّ الصَّلَاةَ حَيْثُ هُوَ فَقَدْ سَلِمَتْ صَلَاتُهُ عَنْ الْمَشْيِ لَكِنَّهُ صَلَّى صَلَاةً وَاحِدَةً فِي مَكَانَيْنِ، وَإِنْ عَادَ إلَى مُصَلَّاهُ فَقَدْ أَدَّى جَمِيعَ الصَّلَاةِ فِي مَكَان وَاحِدٍ لَكِنْ مَعَ زِيَادَةِ مَشْيٍ فَاسْتَوَى الْوَجْهَانِ فَيُخَيَّرُ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: يُصَلِّي فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَوَضَّأَ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ.

وَلَوْ أَتَى الْمَسْجِدَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَحَمَّلَ زِيَادَةَ مَشْيٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَعَامَّةُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ إلَى الْمَاءِ وَالْعَوْدَ إلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ أُلْحِقَ بِالْعَدَمِ شَرْعًا فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَدِيًا فَانْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ فَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ إمَامُهُ مِنْ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُقْتَدِي بَعْدُ.

وَلَوْ لَمْ يَعُدْ وَأَتَمَّ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ صَلَّى مُقْتَدِيًا بِإِمَامِهِ لَا يَصِحُّ؛ لِانْعِدَامِ شَرْطِ الِاقْتِدَاءِ وَهُوَ اتِّحَادُ الْبُقْعَةِ إلَّا إذَا كَانَ بَيْتُهُ قَرِيبًا مِنْ الْمَسْجِدِ بِحَيْثُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا فِي بَيْتِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الِانْفِرَادَ فِي حَالِ وُجُوبِ الِاقْتِدَاءِ يُفْسِدُ صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ تَغَيُّرًا وَقَدْ تَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ الصَّلَاةُ مُقْتَدِيًا وَمَا أَدَّى وَهُوَ الصَّلَاةُ مُنْفَرِدًا لَمْ يُوجَدْ لَهُ ابْتِدَاءُ تَحْرِيمَةٍ وَهُوَ بَعْضُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُنْتَقِلًا عَمَّا كَانَ هُوَ فِيهِ إلَى هَذَا فَيَبْطُلُ ذَلِكَ.

وَمَا حَصَلَ فِيهِ بَعْضُ الصَّلَاةِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ كُلِّ الصَّلَاةِ بِأَدَاءِ هَذَا الْقَدْرِ، ثُمَّ إذَا عَادَ يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلَ أَوَّلًا بِقَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ فِي حَالِ تَشَاغُلِهِ بِالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ لَاحِقٌ فَكَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ فَيَقُومُ مِقْدَارَ قِيَامِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ وَمِقْدَارَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَلَا يَضُرُّهُ إنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ.

وَلَوْ تَابَعَ إمَامَهُ أَوَّلًا ثُمَّ اشْتَغَلَ بِقَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ جَازَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ شَرْطٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَغَ إمَامُهُ مِنْ الصَّلَاةِ يُخَيَّرُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمُنْفَرِدِ تَوَضَّأَ وَقَدْ فَرَغَ

<<  <  ج: ص:  >  >>