لَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَوَارِضَ يَنْدُرُ وُقُوعُهَا فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى مَوْرِدِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ.
وَكَذَا الْمُتَيَمِّمُ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ، وَصَاحِبُ الْجُرْحِ السَّائِلِ إذَا جُرِحَ وَقْتَ صَلَاتِهِ، وَالْمَاسِحُ عَلَى الْخُفِّ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يَظْهَرُ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْحَدَثِ السَّابِقِ فِي كَثْرَةِ الْوُقُوعِ فَتَعَذَّرَ الْإِلْحَاقُ، وَكَذَا لَوْ اعْتَرَضَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ وَيُمْنَعُ الْبِنَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ، وَمِنْهَا الْحَدَثُ الصَّغِيرُ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْبِنَاءُ فِي الْحَدَثِ الْكَبِيرِ وَهُوَ الْجَنَابَةُ بِأَنْ نَامَ فِي الصَّلَاةِ فَاحْتَلَمَ أَوْ نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ أَوْ تَفَكُّرٍ فَأَنْزَلَ؛ لِمَا قُلْنَا؛ وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ عَمَلٌ يَسِيرٌ وَالِاغْتِسَالُ عَمَلٌ كَثِيرٌ فَتَعَذَّرَ الْإِلْحَاقُ فِي مَوْضِعِ الْعَفْوِ؛ وَلِأَنَّ الِاغْتِسَالَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِكَشْفِ الْعَوْرَةِ وَذَلِكَ مِنْ قَوَاطِعِ الصَّلَاةِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ يَجُوزُ يُرِيدُ بِهِ الْقِيَاسَ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ الْأَوَّلِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَفْعَلَ بَعْدَ الْحَدَثِ فِعْلًا مُنَافِيًا لِلصَّلَاةِ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَحْدَثَ إلَّا مَا لَا بُدَّ لِلْبِنَاءِ مِنْهُ أَوْ كَانَ مِنْ ضَرُورَاتِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَوْ مِنْ تَوَابِعِهِ وَتَتِمَّاتِهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ ثُمَّ تَكَلَّمَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ ضَحِكَ مُتَعَمِّدًا أَوْ قَهْقَهَ أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ مُنَافِيَةٌ لِلصَّلَاةِ فِي الْأَصْلِ لِمَا نَذْكُرُ فَلَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْمُنَافِي إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ مِنْهَا بَدَا، وَكَذَا إذَا جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ أَجْنَبَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ فَكَانَ لِلْبِنَاءِ مِنْهُ بُدٌّ، وَكَذَا لَوْ أَدَّى رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ أَوْ مَكَثَ بِقَدْرِ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ أَدَاءِ رُكْنٍ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَلَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَلَهُ مِنْهُ بُدٌّ.
وَكَذَا لَوْ اسْتَقَى مِنْ الْبِئْرِ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَوْ مَشَى إلَى الْوُضُوءِ فَاغْتَرَفَ الْمَاءَ مِنْ الْإِنَاءِ أَوْ اسْتَقَى مِنْ الْبِئْرِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فَتَوَضَّأَ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ أَمْرٌ لَا بُدَّ لِلْبِنَاءِ مِنْهُ وَالْمَشْيُ وَالِاغْتِرَافُ وَالِاسْتِقَاءُ عِنْدَ الْحَاجَةِ مِنْ ضَرُورَاتِ الْوُضُوءِ وَلَوْ اسْتَنْجَى فَإِنْ كَانَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ بَطَلَ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ وَلِلْبِنَاءِ مِنْهُ بُدٌّ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنْ اسْتَنْجَى تَحْتَ ثِيَابِهِ بِحَيْثُ لَا تَنْكَشِفُ عَوْرَتُهُ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ فَكَانَ مِنْ تَتِمَّاتِهِ.
وَلَوْ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ بِالْغَسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ إدْخَالَ عَمَلٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ فَيُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ بَابِ إكْمَالِ الْوُضُوءِ وَبِهِ حَاجَةٌ إلَى إقَامَةِ الصَّلَاةِ عَلَى وَصْفِ الْكَمَالِ وَذَلِكَ بِتَحْصِيلِ الْوُضُوءِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فَتُتَحَمَّلُ الزِّيَادَةُ كَمَا يُتَحَمَّلُ الْأَصْلُ وَهَذَا جَوَابُ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ فَإِنَّ عِنْدَهُ الْمَرَّةَ الْأَوْلَى هِيَ الْفَرْضُ وَالثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ نَفْلٌ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ فَالثَّلَاثَةُ كُلُّهَا فَرْضٌ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ لَمَّا الْتَحَقَتَا بِالْأُولَى صَارَ الْكُلُّ وُضُوءًا وَاحِدًا فَيَصِيرُ الْكُلُّ فَرْضًا كَالْقِيَامِ إذَا طَالَ وَالْقِرَاءَةِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ، وَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَوْعَبَ الْمَسْحَ وَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَأَتَى بِسَائِرِ سُنَنِ الْوُضُوءِ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ إكْمَالِ الْوُضُوءِ فَكَانَ مِنْ تَوَابِعِهِ فَيُتَحَمَّلُ كَمَا يُتَحَمَّلُ الْأَصْلُ، وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً تَيَمَّمَ وَبَنَى؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ جَائِزٌ فَالْبِنَاءُ أَوْلَى فَإِنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ مَا عَادَ إلَى مَقَامِهِ اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ، وَقِيلَ الْقِيَاسُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي.
وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ مُتَيَمِّمٌ وَجَدَ الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا إذَا عَادَ إلَى مَكَانِهِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ قَدْرَ مَا مَشَى مُتَيَمِّمًا حَصَّلَ فِعْلًا غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَلَا يُعْفَى.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِعْلًا فِي الصَّلَاةِ هُوَ مُضَادٌّ لَهَا فَلَا يُفْسِدُهَا، وَمَا مَشَى كُلَّ ذَلِكَ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِتَحْصِيلِ التَّطْهِيرِ فَلَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ إلَى مَكَانِهِ ثُمَّ وَجَدَ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَادَ إلَى مَكَانِهِ وُجِدَ أَدَاءُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ وَإِنْ قَلَّ مَعَ التَّيَمُّمِ فَظَهَرَ بِوُجُودِ الْمَاءِ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ السَّابِقِ، وَإِنَّ التَّيَمُّمَ مَا كَانَ طَهَارَتُهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَدَّى شَيْئًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ، ثُمَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ جَوَازِ الْبِنَاءِ لَا يَخْتَلِفُ سِيَّمَا إذَا كَانَ الْحَدَثُ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي آخِرِهَا حَتَّى لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ بِلَفْظَةِ السَّلَامِ الَّتِي هِيَ وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ عِنْدَنَا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الطَّهَارَةِ، وَكَذَا لَا يَخْتَلِفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute