للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ السَّلَامَةَ عَنْ الْعَيْبِ مَطْلُوبَةٌ عَادَةً فَفَوَاتُهَا يُوجِبُ الْخِيَارَ كَمَا فِي سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ إلَّا أَنَّ بَدَلَ الصَّرْفِ إذَا كَانَ عَيْنًا فَرَدُّهُ بِالْعَيْبِ يَفْسَخُ الْعَقْدَ، سَوَاءٌ رَدَّهُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا نَقَدَ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا بِأَنْ وَجَدَ الدَّرَاهِمَ الْمَقْبُوضَةَ زُيُوفًا أَوْ كَاسِدَةً أَوْ وَجَدَهَا رَائِجَةً فِي بَعْضِ التِّجَارَاتِ دُونَ الْبَعْضِ، وَذَلِكَ عَيْبٌ عِنْدَ التُّجَّارِ فَرَدُّهَا فِي الْمَجْلِسِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِالرَّدِّ حَتَّى لَوْ اسْتَبْدَلَ مَكَانَهُ مَضَى الصَّرْفُ.

وَإِنْ رَدَّهَا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ بَطَلَ الصَّرْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ لِحُصُولِ الِافْتِرَاقِ لَا عَنْ قَبْضٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَبْطُلُ إذَا اسْتَبْدَلَ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي السَّلَمِ، وَخِيَارُ الْمُسْتَحِقِّ لَا يُبْطِلُ الصَّرْفَ أَيْضًا؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِجَازَةِ، وَاحْتِمَالُ الْإِجَازَةِ قَائِمٌ فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ الْمُنْعَقِدُ ظَاهِرًا بِالشَّكِّ، ثُمَّ إذَا اسْتَحَقَّ أَحَدَ بَدَلَيْ الصَّرْفِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ، فَإِنْ كَانَ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ وَالْبَدَلُ قَائِمٌ، أَوْ ضَمِنَ النَّاقِدُ وَهُوَ هَالِكٌ جَازَ الصَّرْفُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَائِمًا كَانَ بِمَحَلِّ الْإِجَازَةِ، وَالْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ، وَإِذَا كَانَ هَالِكًا ضَمِنَ النَّاقِدُ الْمَضْمُونَ بِالضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ سَلَّمَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَإِنْ اسْتَرَدَّهُ وَهُوَ قَائِمٌ أَوْ ضَمِنَ الْقَابِضُ قِيمَتَهُ وَهُوَ هَالِكٌ بَطَلَ الصَّرْفُ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَ قَبْضَهُ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ لَهُ الْقَبْضَ فَجَازَ الصَّرْفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ مَعْلُومًا فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِشْرَاكِ وَالْوَضِيعَةِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ عُمُومَاتُ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنِ بَيْعٍ وَبَيْعٍ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ شَأْنُهُ: ﴿وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ١٠] ، وَقَالَ ﷿: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] وَالْمُرَابَحَةُ ابْتِغَاءٌ لِلْفَضْلِ مِنْ الْبَيْعِ نَصًّا وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ «لَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَةَ اشْتَرَى سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ بَعِيرَيْنِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: وَلِيَ أَحَدُهُمَا؟ فَقَالَ سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ : هُوَ لَك بِغَيْرِ شَيْءٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَمَّا بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَلَا» فَدَلَّ طَلَبُ التَّوْلِيَةِ عَلَى جَوَازِهَا.

وَرُوِيَ «أَنَّ سَيِّدَنَا أَبَا بَكْرٍ اشْتَرَى بِلَالًا فَأَعْتَقَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : الشَّرِكَةُ يَا أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَعْتَقْتُهُ» لَوْ لَمْ تَكُنْ الشَّرِكَةُ مَشْرُوعَةً لَمْ يَكُنْ لِيَطْلُبَهَا رَسُولُ اللَّهِ ، وَكَذَا النَّاسُ تَوَارَثُوا هَذِهِ الْبِيَاعَاتِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَذَلِكَ إجْمَاعٌ عَلَى جَوَازِهَا.

[الْمُرَابَحَة وتفسيرها وَشَرَائِطهَا]

ثُمَّ الْكَلَامُ فِي الْمُرَابَحَةِ فِي مَوَاضِعَ، فِي تَفْسِيرِ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِهِ، وَفِي بَيَانِ رَأْسِ الْمَالِ أَنَّهُ مَا هُوَ، وَفِي بَيَانِ مَا يَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَمَا لَا يَلْحَقُ بِهِ، وَفِي بَيَانِ مَا يَجِبُ بَيَانُهُ عِنْدَ الْمُرَابَحَةِ مِمَّا تُرِكَ بَيَانُهُ يَكُونُ خِيَانَةً، وَمَا لَا يَجِبُ بَيَانُهُ وَتُرِكَ بَيَانُهُ لَا يَكُونُ خِيَانَةً، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْخِيَانَةِ إذَا ظَهَرَتْ أَمَّا تَفْسِيرُهُ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَهُوَ أَنَّهُ بَيْعٌ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ.

وَأَمَّا شَرَائِطُهُ (فَمِنْهَا) مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ مَعْلُومًا لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ، وَالْعِلْمُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ شَرْطُ صِحَّةِ الْبِيَاعَاتِ كُلِّهَا لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَهُ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ إلَى أَنْ يَعْلَمَ فِي الْمَجْلِسِ فَيَخْتَارَ إنْ شَاءَ فَيَجُوزَ أَوْ يَتْرُكَ فَيَبْطُلَ أَمَّا الْفَسَادُ لِلْحَالِ فَلِجَهَالَةِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لِلْحَالِ مَجْهُولٌ.

وَأَمَّا الْخِيَارُ فَلِلْخَلَلِ فِي الرِّضَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَرْضَى بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِثَمَنٍ يَسِيرٍ وَلَا يَرْضَى بِشِرَائِهِ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ فَلَا يَتَكَامَلُ الرِّضَا إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الثَّمَنِ، فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ اخْتَلَّ رِضَاهُ، وَاخْتِلَالُ الرِّضَا يُوجِبُ الْخِيَارَ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى افْتَرَقَا عَنْ الْمَجْلِسِ بَطَلَ الْعَقْدُ لِتَقَرُّرِ الْفَسَادِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ عِبَارَاتِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا عَنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ كَبَيْعِ الشَّيْءِ بِرَقْمِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ فَاسِدٌ وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ وَالِاخْتِيَارِ إذَا عُلِمَ، وَكَذَلِكَ التَّوْلِيَةُ، وَالْإِشْرَاكُ، وَالْوَضِيعَةُ فِي اعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ، وَالْمُرَابَحَةُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ بَيْعٌ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ مَعْلُومًا وَالْإِشْرَاكُ تَوْلِيَةٌ لَكِنَّهُ تَوْلِيَةُ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِبَعْضِ الثَّمَنِ وَالْعِلْمُ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ شَرْطُ صِحَّةِ الْبَيْعِ، وَالْوَضِيعَةُ بَيْعٌ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ نُقْصَانِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ مَعْلُومًا لِيُعْلَمَ قَدْرُ النُّقْصَانِ مِنْهُ.

وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا اشْتَرَى رَجُلَانِ جُمْلَةً مِمَّا لَهُ مِثْلٌ فَاقْتَسَمَاهَا ثُمَّ أَرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ مُرَابَحَةً أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَخْلُو عَنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ حَقِيقَةً لَكِنَّ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي قِسْمَةِ الْمُتَمَاثِلَاتِ سَاقِطٌ شَرْعًا بَلْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فِيهَا تَمْيِيزًا لِلنَّصِيبِ وَإِفْرَازًا مَحْضًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا يَصِلُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَأَنَّهُ عَيْنُ مَا كَانَ لَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَكَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ لَهُ نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَذَا بَعْدَهَا، وَإِنْ اشْتَرَيَا

<<  <  ج: ص:  >  >>