عِنْدَهُ فَكَذَا إذَا قَتَلَتْ نَفْسَهَا.
(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ الْبَدَلَ حَقُّ الْمَوْلَى وَمِلْكُهُ فَتَفْوِيتُ الْمُبْدَلِ مِنْهَا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ حَقِّ الْمَوْلَى بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْمَوْلَى، وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْجِنَايَتَيْنِ أَنَّ جِنَايَتَهَا عَلَى نَفْسِهَا هَدَرٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَالْتَحَقَتْ بِالْعَدَمِ وَصَارَتْ كَأَنَّهَا مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْمَوْلَى عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْكَفَّارَةِ، وَهِيَ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَكَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَيْهَا مُعْتَبَرَةً فَلَا تُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ وَاَللَّهُ ﷿ الْمُوَفِّقُ.
وَإِذَا تَأَكَّدَ الْمَهْرُ بِأَحَدِ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا لَا يَسْقُطُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ بَعْدَ تَأَكُّدِهِ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ إلَّا بِالْإِبْرَاءِ كَالثَّمَنِ إذَا تَأَكَّدَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ.
وَأَمَّا إذَا مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَتَأَكَّدُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵄ وَعَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّ لَهَا الْمُتْعَةَ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: مُتْعَتُهَا مَا اسْتَحَقَّتْ مِنْ الْمِيرَاثِ لَا غَيْرَ، احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْمُتْعَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٦] وَقَوْلِهِ ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [الأحزاب: ٤٩] إلَى قَوْلِهِ ﷿: ﴿فَمَتِّعُوهُنَّ﴾ [الأحزاب: ٤٩] أَمَرَ ﷾ بِالْمُتْعَةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ حَالِ الْمَوْتِ وَغَيْرِهَا، وَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِي الطَّلَاقِ لَكِنَّهُ يَكُونُ وَارِدًا فِي الْمَوْتِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ ثُمَّ ثَبَتَ حُكْمُهُ فِي الْكِتَابَاتِ مِنْ الْإِبَانَةِ وَالتَّسْرِيحِ وَالتَّحْرِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَذَا هَهُنَا.
(وَلَنَا) مَا رَوَيْنَا عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ - وَقَدْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا - بِمَهْرِ الْمِثْلِ» ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ وَجَبَ كُلُّ الْمُسَمَّى بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ مَوْجُودٌ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا إيجَابَ الْمُتْعَةِ فِي الطَّلَاقِ لَا فِي الْمَوْتِ فَمَنْ ادَّعَى إلْحَاقَ الْمَوْتِ بِالطَّلَاقِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ.
[فَصْلٌ بَيَانُ مَا يَسْقُطُ بِهِ كُلُّ الْمَهْرِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَسْقُطُ بِهِ كُلُّ الْمَهْرِ، فَالْمَهْرُ كُلُّهُ يَسْقُطُ بِأَسْبَابٍ أَرْبَعَةٍ:.
مِنْهَا: الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ بِالْمَرْأَةِ وَقَبْلَ الْخَلْوَةِ بِهَا، فَكُلُّ فُرْقَةٍ قَدْ حَصَلَتْ بِغَيْرِ طَلَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ الْخَلْوَةِ تُسْقِطُ جَمِيعَ الْمَهْرِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ تَكُونُ فَسْخًا لِلْعَقْدِ، وَفَسْخُ الْعَقْدِ قَبْلَ الدُّخُولِ يُوجِبُ سُقُوطَ كُلِّ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ رَفَعَهُ مِنْ الْأَصْلِ وَجَعَلَهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَسَنُبَيِّنُ الْفُرْقَةَ الَّتِي تَكُونُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَاَلَّتِي تَكُونُ بِطَلَاقٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهَا، وَمِنْهَا: الْإِبْرَاءُ عَنْ كُلِّ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ إذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ، وَالْإِسْقَاطُ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْقَاطِ فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لِلسُّقُوطِ يُوجِبُ السُّقُوطَ، وَمِنْهَا: الْخُلْعُ عَلَى الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَهْرُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ سَقَطَ عَنْ الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا رَدَّتْهُ عَلَى الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ سِوَى الْمَهْرِ يَلْزَمُهَا ذَلِكَ الْمَالُ وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ عَنْ كُلِّ حَقٍّ وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ وَإِنْ كَانَ طَلَاقًا بِعِوَضٍ عِنْدَنَا لَكِنْ فِيهِ مَعْنَى الْبَرَاءَةِ لِمَا نَذْكُرُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسْأَلَةِ الْمُخَالَعَةِ وَالْمُبَارَأَةِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْخُلْعِ وَعَمَلِهِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَمِنْهَا: هِبَةُ كُلِّ الْمَهْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا وَبَعْدَهُ إذَا كَانَ عَيْنًا.
وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي هِبَةِ الْمَهْرِ أَنَّ الْمَهْرَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا مُشَارًا إلَيْهِ مِمَّا يَصِحُّ تَعْيِينُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ دَيْنًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مُعَيَّنَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ فِي الذِّمَّةِ وَالْحَيَوَانِ فِي الذِّمَّةِ كَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ وَالْعَرْضِ فِي الذِّمَّةِ كَالثَّوْبِ الْهَرَوِيُّ، وَالْحَالُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَهَبَتْ كُلَّ الْمَهْرِ أَوْ بَعْضَهُ، فَإِنْ وَهَبَتْهُ كُلَّ الْمَهْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ كَانَ الْمَهْرُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ: يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ إنْ كَانَ دَيْنًا وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ.
(وَجْهُ) قَوْلِ زُفَرَ: أَنَّهَا بِالْهِبَةِ تَصَرَّفَتْ فِي الْمَهْرِ بِالْإِسْقَاطِ وَإِسْقَاطُ الدَّيْنِ اسْتِهْلَاكُهُ، وَالِاسْتِهْلَاكُ يَتَضَمَّنُ الْقَبْضَ فَصَارَ كَأَنَّهَا قَبَضَتْ ثُمَّ وَهَبَتْ، وَلَنَا أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَادَ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهَا بِسَبَبٍ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ نِصْفَ الْمَهْرِ فَقَدْ عَادَ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ