الْحَالَةِ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا وَيُؤَخِّرُ سُجُودَ السَّهْوِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ، سَوَاءٌ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ مَا سَجَدَ سَجْدَةً وَاحِدَةً أَوْ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ سِيَّمَا إذَا سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهُ، أَوْ سَاهٍ عَنْهُ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَسْجُدَ لَهُ أَوْ لَا يَسْجُدَ حَتَّى لَا يَسْقُطَ عَنْهُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَ السَّلَامِ إلَّا إذَا فَعَلَ فِعْلًا يَمْنَعُهُ مِنْ الْبِنَاءِ بِأَنْ تَكَلَّمَ أَوْ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ خَرَجَ عَنْ الْمَسْجِدِ أَوْ صَرَفَ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ مَحَلُّهُ وَهُوَ تَحْرِيمَةُ الصَّلَاةِ، فَيَسْقُطُ ضَرُورَةَ فَوَاتِ مَحَلِّهِ، وَكَذَا إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ بَعْدَ السَّلَامِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ أَوْ احْمَرَّتْ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ سَقَطَ عَنْهُ السَّهْوُ؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ جَبْرٌ لِلنَّقْصِ الْمُتَمَكَّنِ فَيَجْرِي مَجْرَى الْقَضَاءِ، وَقَدْ وَجَبَتْ كَامِلَةً فَلَا يُقْضَى النَّاقِصَ.
[فَصْلٌ بَيَانُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَسُجُودُ السَّهْوِ، يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى الْمُنْفَرِدِ مَقْصُودًا لِتَحَقُّقِ سَبَبِ الْوُجُوبِ مِنْهُمَا وَهُوَ السَّهْوُ، فَأَمَّا الْمُقْتَدِي إذَا سَهَا فِي صَلَاتِهِ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ السُّجُودُ؛ لِأَنَّهُ إنْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ كَانَ مُخَالِفًا لِلْإِمَامِ، وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى مَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ سَلَامُ عَمْدٍ مِمَّنْ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ، فَكَانَ سَهْوُهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى السُّجُودِ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ لِتَعَذُّرِ السُّجُودِ عَلَيْهِ، فَسَقَطَ السُّجُودُ عَنْهُ أَصْلًا، وَكَذَلِكَ اللَّاحِقُ وَهُوَ الْمُدْرِكُ لِأَوَّلِ صَلَاةِ الْإِمَامِ إذَا فَاتَهُ بَعْضُهَا بَعْدَ الشُّرُوعِ بِسَبَبِ النَّوْمِ أَوْ الْحَدَثِ السَّابِقِ، بِأَنْ نَامَ خَلْفَ الْإِمَامِ ثُمَّ انْتَبَهَ وَقَدْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ أَوْ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، أَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ وَقَدْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِشَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ فَرَغَ عَنْهَا - فَاشْتَغَلَ بِقَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ فَسَهَا فِيهِ - لَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي خَلْفَ الْإِمَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ إذَا سَهَا فِيمَا يَقْضِي وَجَبَ عَلَيْهِ السَّهْوُ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا يَقْضِي بِمَنْزِلَةِ الْمُنْفَرِدِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ؟ .
وَأَمَّا الْمُقِيمُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ ثُمَّ قَامَ إلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ وَسَهَا هَلْ يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ؟ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَقَالَ: إنَّهُ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَإِذَا سَهَا فِيمَا يُتِمُّ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ أَيْضًا، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ كَاللَّاحِقِ لَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَإِذَا سَهَا فِيمَا يُتِمُّ لَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ لِأَوَّلِ الصَّلَاةِ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْمُقْتَدِي فِيمَا يُؤَدِّيهِ بِتِلْكَ التَّحْرِيمَةِ كَاللَّاحِقِ، وَلِهَذَا لَا يَقْرَأُ كَاللَّاحِقِ، وَالصَّحِيحُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ مَا اقْتَدَى بِإِمَامِهِ إلَّا بِقَدْرِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَإِذَا انْقَضَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ صَارَ مُنْفَرِدًا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَا يَقْرَأُ فِيمَا يُتِمُّ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَقَدْ قَرَأَ الْإِمَامُ فِيهِمَا فَكَانَتْ قِرَاءَةً لَهُ، وَسَهْوُ الْإِمَامِ يُوجِبُ السُّجُودَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «تَابِعْ إمَامَكَ عَلَى أَيِّ حَالٍ وَجَدْتَهُ» وَلِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ تَابِعٌ لِلْإِمَامِ، وَالْحُكْمُ فِي التَّبَعِ ثَبَتَ بِوُجُودِ السَّبَبِ فِي الْأَصْلِ فَكَانَ سَهْوُ الْإِمَامِ سَبَبًا لِوُجُوبِ السَّهْوِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُقْتَدِي، وَلِهَذَا لَوْ سَقَطَ عَنْ الْإِمَامِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ بِأَنْ تَكَلَّمَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ يَسْقُطُ عَنْ الْمُقْتَدِي، وَكَذَلِكَ اللَّاحِقُ يَسْجُدُ لِسَهْوِ الْإِمَامِ إذَا سَهَا فِي حَالِ نَوْمِ اللَّاحِقِ، أَوْ ذَهَابِهِ إلَى الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي خَلْفَهُ، وَلَكِنْ لَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ إذَا انْتَبَهَ فِي حَالِ اشْتِغَالِ الْإِمَامِ بِسُجُودِ السَّهْوِ، أَوْ جَاءَ إلَيْهِ مِنْ الْوُضُوءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، بَلْ يَبْدَأُ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ ثُمَّ يَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ أَوْ الْمُقِيمِ خَلْفَ الْمُسَافِرِ حَيْثُ تَابِعَ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ يَشْتَغِلُ بِالْإِتْمَامِ.
(وَالْفَرْقُ) أَنَّ اللَّاحِقَ الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا اقْتَدَى بِهِ عَلَى نَحْوِ مَا فَصَّلَ الْإِمَامُ، وَأَنَّهُ اقْتَدَى بِهِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الصَّلَاةِ فَيُتَابِعُهُ فِي جَمِيعِهَا عَلَى نَحْوِ مَا يُؤَدِّي الْإِمَامُ، وَالْإِمَامُ أَدَّى الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فَكَذَا هُوَ، فَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَقَدْ الْتَزَمَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ مُتَابَعَتَهُ بِقَدْرِ مَا هُوَ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَقَدْ أَدْرَكَ هَذَا الْقَدْرَ فَيُتَابِعُهُ فِيهِ ثُمَّ يَنْفَرِدُ، وَكَذَا الْمُقِيمُ الْمُقْتَدِي بِالْمُسَافِرِ.
وَلَوْ سَجَدَ اللَّاحِقُ مَعَ الْإِمَامِ لِلسَّهْوِ تَابَعَهُ فِيهِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ سَجَدَ قَبْلَ أَوَانِهِ فِي حَقِّهِ فَلَمْ يَقَعْ مُعْتَدًّا بِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ إذَا فَرَغَ مِنْ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَا زَادَ إلَّا سَجْدَتَيْنِ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ إذَا تَابِعَ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ - حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ إذَا تَابَعَ الْإِمَامَ وَمَا زَادَ إلَّا سَجْدَتَيْنِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ: لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ عَلَى مَا نَذْكُرهُ، ثُمَّ الْفَرْقُ أَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ هُنَاكَ لَيْسَ لِزِيَادَةِ السَّجْدَتَيْنِ بَلْ لِلِاقْتِدَاءِ فِي مَوْضِعٍ كَانَ عَلَيْهِ الِانْفِرَادُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلَمْ يُوجَدْ هَهُنَا؛ لِأَنَّ اللَّاحِقَ مُقْتَدٍ فِي جَمِيعِ مَا يُؤَدِّي، فَلِهَذَا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، وَكَذَلِكَ الْمَسْبُوقُ يَسْجُدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute