لِسَهْوِ الْإِمَامِ سَوَاءٌ كَانَ سَهْوُهُ بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ بِهِ أَوْ قَبْلَهُ بِأَنْ كَانَ مَسْبُوقًا بِرَكْعَةٍ وَقَدْ سَهَا الْإِمَامُ فِيهَا وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ مَحَلَّ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وَأَنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ فِي السَّلَامِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ الْمُتَابَعَةُ فِي السَّهْوِ.
(وَلَنَا) أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يُؤَدَّى فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ فَكَانَتْ الصَّلَاةُ بَاقِيَةً، وَإِذَا بَقِيَتْ الصَّلَاةُ بَقِيَتْ التَّبَعِيَّةُ فَيُتَابِعُهُ فِيمَا يُؤَدِّي مِنْ الْأَفْعَالِ، بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ، وَالتَّلْبِيَةِ حَتَّى لَا يُلَبِّيَ الْمَسْبُوقُ، وَلَا يُكَبِّرَ مَعَ الْإِمَامِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ وَالتَّلْبِيَةَ لَا يُؤَدَّيَانِ فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ضَحِكَ قَهْقَهَةً فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ.
وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ لَا يَصِحُّ؟ بِخِلَافِ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَإِنَّهُمَا يُؤَدَّيَانِ فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ، وَصَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ.
(فَإِنْ) قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْجُدَ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَسْهُو فِيمَا يَقْضِي فَيَلْزَمُهُ السُّجُودُ أَيْضًا فَيُؤَدِّي إلَى التَّكْرَارِ، وَإِنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ تَابَعَهُ فِي السُّجُودِ يَقَعُ سُجُودُهُ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَذَا غَيْرُ صَوَابٍ - (فَالْجَوَابُ) أَنَّ التَّكْرَارَ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَهُمَا صَلَاتَانِ حُكْمًا وَإِنْ كَانَتْ التَّحْرِيمَةُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ فِيمَا يَقْضِي كَالْمُنْفَرِدِ، وَنَظِيرُهُ الْمُقِيمُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ فَسَهَا الْإِمَامُ يُتَابِعُهُ الْمُقِيمُ فِي السَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَدِي رُبَّمَا يَسْهُو فِي إتْمَامِ صَلَاتِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ السَّهْوِ يَسْجُدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ مُنْفَرِدًا فِي ذَلِكَ كَانَا صَلَاتَيْنِ حُكْمًا وَإِنْ كَانَتْ التَّحْرِيمَةُ وَاحِدَةً كَذَا هَهُنَا، ثُمَّ الْمَسْبُوقُ إنَّمَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي السَّهْوِ دُونَ السَّلَامِ، بَلْ يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ حَتَّى يُسَلِّمَ فَيَسْجُدَ فَيُتَابِعُهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ لَا فِي سَلَامِهِ.
وَإِنْ سَلَّمَ فَإِنْ كَانَ عَامِدًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا لَا تَفْسُدُ، وَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ، وَسَهْوُ الْمُقْتَدِي بَاطِلٌ، فَإِذَا سَجَدَ الْإِمَامُ لِلسَّهْوِ يُتَابِعُهُ فِي السُّجُودِ وَيُتَابِعُهُ فِي التَّشَهُّدِ، وَلَا يُسَلِّمُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ هَذَا السَّلَامَ لِلْخُرُوجِ عَنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ أَرْكَانُ الصَّلَاةِ فَإِذَا سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْقَضَاءِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ سَلَامُ عَمْدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لَهُ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ سَلَامُ سَهْوٍ فَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ الصَّلَاةِ.
وَهَلْ يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَجْلِ سَلَامِهِ؟ يَنْظُرُ إنْ سَلَّمَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ أَوْ سَلَّمَا مَعًا لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ سَهْوَهُ سَهْوُ الْمُقْتَدِي، وَسَهْوُ الْمُقْتَدِي مُتَعَطِّلٌ، وَإِنْ سَلَّمَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّ سَهْوَهُ سَهْوُ الْمُنْفَرِدِ فَيَقْضِي مَا فَاتَهُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ.
وَلَوْ سَهَا الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَتَابَعَهُ فِيهِمَا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ.
وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَإِنَّمَا يَسْجُدُونَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْإِتْمَامِ؛ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْبُوقِينَ، إذْ لَمْ يُدْرِكُوا مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلَ الصَّلَاةِ، وَالطَّائِفَةُ الْأُولَى بِمَنْزِلَةِ اللَّاحِقِينَ لِإِدْرَاكِهِمْ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ.
وَلَوْ قَامَ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ وَلَمْ يُتَابِعْ الْإِمَامَ فِي السَّهْوِ - سَجَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَسْقُطَ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يُقْضَى، وَصَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ غَيْرُ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي فَصَارَ كَمَنْ لَزِمَتْهُ السَّجْدَةُ فِي صَلَاةٍ فَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا وَدَخَلَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى، لَا يَسْجُدُ فِي الثَّانِيَةِ بَلْ يَسْقُطُ كَذَا هَذَا.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ: أَنَّ التَّحْرِيمَةَ مُتَّحِدَةٌ، فَإِنَّ الْمَسْبُوقَ يَبْنِي مَا يُقْضَى عَلَى تِلْكَ التَّحْرِيمَةِ، فَجَعَلَ الْكُلَّ كَأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ لِاتِّحَادِ التَّحْرِيمَةِ، وَإِذَا كَانَ الْكُلُّ صَلَاةً وَاحِدَةً وَقَدْ تَمَكَّنَ فِيهَا النُّقْصَانُ بِسَهْوِ الْإِمَامِ، وَلَمْ يُجْبَرْ ذَلِكَ بِالسَّجْدَتَيْنِ فَوَجَبَ جَبْرُهُ، وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ وَجْهِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: نَعَمْ فِي الْأَفْعَالِ، أَمَّا هُوَ مُقْتَدٍ فِي التَّحْرِيمَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ غَيْرِهِ؟ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي حَقِّ التَّحْرِيمَةِ.
وَلَوْ سَهَا فِيمَا يَقْضِي وَلَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِ الْإِمَامِ كَفَاهُ سَجْدَتَانِ لِسَهْوِهِ وَلِمَا عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ السَّهْوِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلَوْ سَجَدَ لِسَهْوِ الْإِمَامِ ثُمَّ سَهَا فِيمَا يَقْضِي فَعَلَيْهِ السَّهْوُ لِمَا مَرَّ أَنَّ ذَلِكَ إذًا سَهْوَانِ فِي صَلَاتَيْنِ حُكْمًا، فَلَمْ يَكُنْ تَكْرَارًا.
وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ مَا سَلَّمَ لِلسَّهْوِ فَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَمَّا إنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ السُّجُودِ، أَوْ فِي حَالِ السُّجُودِ، أَوْ بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ السُّجُودِ فَإِنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ السُّجُودِ أَوْ فِي حَالِ السُّجُودِ يُتَابِعُهُ فِي السُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا أَدْرَكَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَسُجُودُ السَّهْوِ مِنْ أَفْعَالِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيُتَابِعُهُ فِيهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ السَّجْدَةِ الْأُولَى إذَا أَدْرَكَهُ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ السَّهْوُ.
وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ لِسَهْوِ الْإِمَامِ لِتَمَكُّنِ النَّقْصِ فِي تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ، وَحِينَ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ كَانَ النُّقْصَانُ بِقَدْرِ مَا يَرْتَفِعُ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ قَدْ أَتَى بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَانْجَبَرَ النَّقْصُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ، بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَدَى بِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ شَيْئًا، ثُمَّ لَمْ يُتَابِعْ إمَامَهُ وَقَامَ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ حَيْثُ يَسْجُدُ السَّجْدَتَيْنِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ