للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتِحْسَانٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَبِيعُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْأُمَّ لَا تَبِيعُ مَالَ وَلَدِهَا الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَكَذَا الْأَوْلَادُ لَا يَبِيعُونَ مَالَ الْأَبَوَيْنِ.

(وَجْهٌ) قَوْلِهِمَا - وَهُوَ الْقِيَاسُ - أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْأَبِ عَلَى الْوَلَدِ الْكَبِيرِ فَكَانَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَقَارِبِ سَوَاءً؛ وَلِهَذَا لَا يَبِيعُ الْعَقَارَ وَكَذَا الْعُرُوض وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي بَيْعِ الْعُرُوضِ نَظَرًا لِلْوَلَدِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْعُرُوضَ مِمَّا يُخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ فَكَانَ بَيْعُهَا مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَالْأَبُ يَمْلِكُ النَّظَرَ لِوَلَدِهِ بِحِفْظِ مَالِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْعَقَارِ فَإِنَّهُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى حِفْظِهِ بِالْبَيْعِ فَيَبْقَى بَيْعُهُ تَصَرُّفًا عَلَى الْوَلَدِ الْكَبِيرِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ أَضَافَ مَالَ الْوَلَدِ إلَى الْوَالِدِ وَسَمَّاهُ كَسْبًا لَهُ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ فِي حَقِيقَةِ الْمِلْكِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَظْهَرَ فِي وِلَايَةِ بَيْعِ عَرَضِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانُ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ مِنْ هَذِهِ النَّفَقَةِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ مِنْ هَذِهِ النَّفَقَةِ فَنَفَقَةُ الْأَقَارِبِ مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِلْحَاجَةِ فَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَكُلُّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ غَيْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ لَهُ الْمَأْكَلُ وَالْمَشْرَبُ وَالْمَلْبَسُ وَالسُّكْنَى وَالرَّضَاعُ إنْ كَانَ رَضِيعًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِلْكِفَايَةِ وَالْكِفَايَةُ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِنْ كَانَ لِلْمُنْفَقِ عَلَيْهِ خَادِمٌ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ تُفْرَضُ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْكِفَايَةِ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانُ كَيْفِيَّةِ وُجُوبِ نَفَقَة الْأَقَارِب]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ كَيْفِيَّةِ وُجُوبِهَا فَهَذِهِ النَّفَقَةُ تَجِبُ عَلَى وَجْهٍ لَا تَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ أَصْلًا سَوَاءٌ فَرَضَهَا الْقَاضِي أَوْ لَا بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بِفَرْضِ الْقَاضِي أَوْ بِالتَّرَاضِي حَتَّى لَوْ فَرَضَ الْقَاضِي لِلْقَرِيبِ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَمَضَى الشَّهْرُ وَلَمْ يَأْخُذْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهَا بَلْ تَسْقُطُ وَفِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ لِلْمَرْأَةِ وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِمَا مَضَى مِنْ النَّفَقَةِ فِي مُدَّةِ الْفَرْضِ.

وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ فَيَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّفَقَتَيْنِ فِي أَشْيَاءَ: مِنْهَا مَا وَصَفْنَاهُ آنِفًا أَنَّ نَفَقَةَ الْمَرْأَةِ تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالرِّضَا وَنَفَقَةُ الْأَقَارِبِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا أَصْلًا وَرَأْسًا، وَمِنْهَا أَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ أَوْ كِسْوَتَهُمْ لَا تَجِبُ لِغَيْرِ الْمُعْسِرِ وَنَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ أَوْ كِسْوَتُهُنَّ تَجِبُ لِلْمُعْسِرَةِ وَالْمُوسِرَةِ وَمِنْهَا أَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ أَوْ كِسْوَتَهُمْ إذَا هَلَكَتْ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْفَرْضِ تَجِبُ نَفَقَةٌ أُخْرَى وَكِسْوَةٌ أُخْرَى وَفِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ لَا تَجِبُ.

وَمِنْهَا أَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ أَوْ كِسْوَتَهُمْ إذَا تَعَيَّبَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَا تَجِبُ أُخْرَى وَفِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ تَجِبُ وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي فَصْلِ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا عَجَّلَ نَفَقَةَ مُدَّةٍ فِي الْأَقَارِبِ فَمَاتَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ لَا يَسْتَرِدُّ شَيْئًا مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ وَفِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ خِلَافٌ مُحَمَّدٌ وَيُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ كَمَا يُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ أَمَّا غَيْرُ الْأَبِ فَلَا شَكَّ فِيهِ.

وَأَمَّا الْأَبُ فَيُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الْوَلَدِ أَيْضًا وَلَا يُحْبَسُ فِي سَائِرِ دُيُونِهِ؛ لِأَنَّ إيذَاءَ الْأَبِ حَرَامٌ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْحَبْسِ إيذَاؤُهُ إلَّا أَنَّ فِي النَّفَقَةِ ضَرُورَةً وَهِيَ ضَرُورَةُ دَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْ الْوَلَدِ؛ إذْ لَوْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهِ لَهَلَكَ فَكَانَ هُوَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ كَالْقَاصِدِ إهْلَاكَهُ فَدُفِعَ قَصْدُهُ بِالْحَبْسِ وَيَحْمِلُ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْأَذَى لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ وَلِأَنَّ هَهُنَا ضَرُورَةً أُخْرَى وَهِيَ ضَرُورَةُ اسْتِدْرَاكِ هَذَا الْحَقِّ أَعْنِي: النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِدْرَاكِ بِالْحَبْسِ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ يَحْمِلُهُ عَلَى الْأَدَاءِ فَيَحْصُلُ الِاسْتِدْرَاكُ، وَلَوْ لَمْ يُحْبَسْ يَفُوتُ حَقُّهُ رَأْسًا فَشُرِعَ الْحَبْسُ فِي حَقِّهِ لِضَرُورَةِ اسْتِدْرَاكِ الْحَقِّ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْفَوَاتِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الِاسْتِدْرَاكِ بِالْحَبْسِ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ النَّفَقَةِ يُضَرُّ وَلَا يُحْبَسُ بِخِلَافِ الْمُمْتَنِعِ مِنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ هَذَا الْحَقِّ بِالْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَيُسْتَدْرَكُ بِالضَّرْبِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ وَكَذَلِكَ الْجَدُّ أَبَ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانُ الْمُسْقِطِ لِنَفَقَةِ الْأَقَارِبَ بَعْدَ الْوُجُوبِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ الْمُسْقِطِ لَهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ فَالْمُسْقِطُ لَهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ هُوَ مُضِيُّ الزَّمَانِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ وَلَا اسْتِدَانَةٍ حَتَّى لَوْ فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَةَ شَهْرٍ لِلْقَرِيبِ فَلَمْ يَقْبِضْ وَلَا اسْتَدَانَ عَلَيْهِ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ - سَقَطَتْ النَّفَقَةُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ تَجِبُ صِلَةً مَحْضَةً فَلَا يَتَأَكَّدُ وُجُوبُهَا إلَّا بِالْقَبْضِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي نَفَقَةُ الرَّقِيقِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا نَفَقَةُ الرَّقِيقِ فَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي مَوَاضِعَ: فِي بَيَانِ وُجُوبِ هَذِهِ النَّفَقَةِ، وَفِي بَيَانِ سَبَبِ وُجُوبِهَا، وَفِي بَيَانِ شَرْطِ الْوُجُوبِ، وَفِي بَيَانِ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ، وَفِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْوُجُوبِ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَوُجُوبُهَا ثَابِتٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>