فَلَا نَفَقَةَ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُسْلِمِ ابْنَانِ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ ذِمِّيٌّ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ نَفَقَةَ الْوِلَادَةِ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ.
وَالثَّانِي اتِّحَادُ الدَّارِ فِي غَيْرِ قَرَابَةِ الْوِلَادَةِ مِنْ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَلَا تَجْرِي النَّفَقَةُ بَيْنَ الذِّمِّيِّ الَّذِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَبَيْنَ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ وَلَا بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ لِحَوَائِجَ يَقْضِيهَا ثُمَّ يَعُودُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ يُمَكِّنُهُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَلَا يُمَكِّنُهُ مِنْ إطَالَةِ الْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَاخْتَلَفَ الدَّارَانِ وَكَذَا لَا نَفَقَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ الْمُتَوَطِّنِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَبَيْنَ الْحَرْبِيِّ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ وَهَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ وُجُوبَ هَذِهِ النَّفَقَةِ فِي هَذِهِ الْقَرَابَةِ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ وَلَا تَجِبُ هَذِهِ الصِّلَةُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ وَتَجِبُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْوُجُوبَ هَهُنَا بِحَقِّ الْوِرَاثَةِ وَلَا وِرَاثَةَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ وَالْوُجُوبُ هُنَاكَ بِحَقِّ الْوِلَادَةِ وَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ.
وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِمَا فَقَضَاءُ الْقَاضِي فِي أَحَدِ نَوْعَيْ النَّفَقَةِ وَهِيَ نَفَقَةُ غَيْرِ الْوِلَادِ مِنْ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَلَا تَجِبُ هَذِهِ النَّفَقَةُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي نَفَقَةِ الْوِلَادِ حَتَّى تَجِبَ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ كَمَا تَجِبُ نَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ نَفَقَةَ الْوِلَادِ تَجِبُ بِطَرِيقِ الْإِحْيَاءِ لِمَا فِيهَا مِنْ دَفْعِ الْهَلَاكِ لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الْجُزْئِيَّةِ وَالْبَعْضِيَّةِ بَيْنَ الْمُنْفِقِ وَالْمُنْفَقِ عَلَيْهِ وَيَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ إحْيَاءُ نَفْسِهِ بِدَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَقِفُ وُجُوبُهُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي فَأَمَّا نَفَقَةُ سَائِرِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَلَيْسَ وُجُوبُهَا مِنْ طَرِيقِ الْإِحْيَاءِ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْجُزْئِيَّةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ صِلَةً مَحْضَةً فَجَازَ أَنْ يَقِفَ وُجُوبُهَا عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَبِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ؛ لِأَنَّ لَهَا شَبَهًا بِالْأَعْوَاضِ فَمِنْ حَيْثُ هِيَ صِلَةٌ لَمْ تَصِرْ دَيْنًا مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَرِضًا وَمِنْ حَيْثُ هِيَ عِوَضٌ تَجِبُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا كَانَ الرَّجُلُ غَائِبًا وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَأْمُرُ أَحَدًا بِالنَّفَقَةِ مِنْ مَالِهِ إلَّا الْأَبَوَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ وَأَوْلَادَهُ الْفُقَرَاءَ الصِّغَارَ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ وَالْكِبَارَ الذُّكُورَ الْفُقَرَاءَ الْعَجَزَةَ عَنْ الْكَسْبِ وَالْإِنَاثَ الْفَقِيرَاتِ وَالزَّوْجَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مَالِهِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَمُدَّ يَدَهُ إلَى مَالِهِ فَيَأْخُذَهُ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا مُحْتَاجًا وَلَهُمْ ذَلِكَ؛ فَكَانَ الْأَمْرُ مِنْ الْقَاضِي بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ لِغَيْرِهِمْ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ قَضَاءً بَلْ يَكُونُ إعَانَةً ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَالُ حَاضِرًا عِنْدَ هَؤُلَاءِ وَكَانَ النَّسَبُ مَعْرُوفًا أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ أَمَرَهُمْ بِالنَّفَقَةِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ وَاجِبَةٌ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَكَانَ الْأَمْرُ مِنْ الْقَاضِي بِالْإِنْفَاقِ إعَانَةً لَا قَضَاءً وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالنَّسَبِ فَطَلَبَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُثْبِتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ لَا تُسْمَعُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَالُهُ وَدِيعَةً عِنْدَ إنْسَانٍ وَهُوَ مُقِرٌّ بِهَا أَمَرَهُمْ الْقَاضِي بِالْإِنْفَاقِ مِنْهَا وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى إنْسَانٍ وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ دَفَعَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْ الْمَدْيُونُ إلَيْهِمْ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي يَضْمَنُ، وَإِذَا وَقَعَ بِإِذْنِهِ لَا يَضْمَنُ وَاسْتَوْثَقَ الْقَاضِي مِنْهُمْ كَفِيلًا إنْ شَاءَ وَكَذَا لَا يَأْمُرُ الْجَدَّ وَوَلَدَ الْوَلَدِ حَالَ وُجُودِ الْأَبِ وَالْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُمَا حَالَ وُجُودِهِمَا بِمَنْزِلَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَيَأْمُرُهُمَا حَالَ عَدَمِهِمَا؛ لِأَنَّ الْجَدَّ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ حَالَ عَدَمِهِ وَوَلَدَ الْوَلَدِ يَقُومُ مَقَامَ الْوَلَدِ حَالَ عَدَمِهِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْ الْمَدْيُونُ مُنْكِرًا فَأَرَادُوا أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ لَمْ يَلْتَفِتْ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ أَنْفَقَ الْأَبُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ ثُمَّ حَضَرَ الِابْنُ فَقَالَ لِلْأَبِ: كُنْت مُوسِرًا، وَقَالَ الْأَبُ: كُنْت مُعْسِرًا يُنْظَرُ إلَى حَالِ الْأَبِ وَقْتَ الْخُصُومَةِ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الِابْنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ حَالِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَالتَّغَيُّرُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَيُحَكَّمُ الْحَالُ وَصَارَ هَذَا كَالْآجِرِ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا اخْتَلَفَا فِي جَرَيَانِ الْمَاءِ وَانْقِطَاعِهِ أَنَّهُ يُحَكَّمُ الْحَالُ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا.
فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الِابْنِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ أَمْرًا زَائِدًا وَهُوَ الْغِنَى.
هَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا فَالْقَاضِي لَا يَبِيعُ عَلَى الْغَائِبِ الْعَقَارَ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ بِالْإِنْفَاقِ وَكَذَا الْأَبُ إلَّا إذَا كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا فَلْيَبِعْ الْعَقَارَ.
وَأَمَّا الْعُرُوض فَهَلْ يَبِيعُهَا الْقَاضِي؟ فَالْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ وَهَلْ يَبِيعُهَا الْأَبُ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَبِيعُ مِقْدَارَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَا الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute