للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَوْلَى فِي النَّفَقَةِ فَأَمَّا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَالنَّفَقَةُ مَا كَانَتْ وَاجِبَةً فِي الْعِدَّةِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْوُجُوبِ أَوْ شَرْطِ الْوُجُوبِ وَهُوَ التَّسْلِيمُ فَهُوَ بِالْبَيْنُونَةِ يُرِيدُ إلْزَامَ الزَّوْجِ النَّفَقَةَ ابْتِدَاءً فِي الْعِدَّةِ فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ كَانَتْ لَهَا النَّفَقَةُ يَوْمَ الطَّلَاقِ ثُمَّ صَارَتْ إلَى حَالٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِيهَا؛ فَلَهَا أَنْ تَعُودَ وَتَأْخُذَ النَّفَقَةَ، وَكُلُّ امْرَأَةٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا يَوْمَ الطَّلَاقِ فَلَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ أَبَدًا إلَّا النَّاشِزَةَ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ وَالْوَجْهُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا وَيَسْتَوِي فِي نَفَقَةِ الْمُعْتَدَّةِ عِدَّةُ الْأَقْرَاءِ وَعِدَّةُ الْأَشْهُرِ وَعِدَّةُ الْحَمْلِ؛ لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيُنْفِقُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ لِعُذْرِ الْحَبَلِ أَوْ لِعُذْرٍ آخَرَ وَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ يُعْرَفُ مِنْ قِبَلِهَا حَتَّى لَوْ ادَّعَتْ أَنَّهَا حَامِلٌ أَنْفَقَ عَلَيْهَا إلَى سَنَتَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَهَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَبْقَى فِي الْبَطْنِ إلَى سَنَتَيْنِ فَإِنْ مَضَتْ سَنَتَانِ وَلَمْ تَضَعْ فَقَالَتْ: كُنْتُ أَتَوَهَّمُ أَنِّي حَامِلٌ وَلَمْ أَحِضْ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ وَطَلَبَتْ النَّفَقَةَ لِعُذْرِ امْتِدَادِ الطُّهْرِ وَقَالَ الزَّوْجُ: إنَّك ادَّعَيْت الْحَمْلَ فَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَيَّ النَّفَقَةُ لِعِلَّةِ الْحَمْلِ، وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيَّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِهِ وَيُلْزِمُهُ النَّفَقَةَ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ وَتَدْخُلَ فِي عِدَّةِ الْإِيَاسِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعُذْرَيْنِ إنْ بَطَلَ وَهُوَ عُذْرُ الْحَمْلِ فَقَدْ بَقِيَ الْآخَرُ وَهُوَ عُذْرُ امْتِدَادِ الطُّهْرِ؛ إذْ الْمُمْتَدُّ طُهْرُهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَهِيَ مُصَدَّقَةٌ فِي ذَلِكَ.

فَإِنْ لَمْ تَحِضْ حَتَّى دَخَلَتْ فِي حَدِّ الْإِيَاسِ؛ أَنْفَقَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ حَاضَتْ فِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ وَاسْتَقْبَلَتْ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَطَلَّقَهَا بَعْدَ مَا دَخَلَ بِهَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ حَاضَتْ فِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ وَاسْتَقْبَلَتْ عِدَّةَ الْأَقْرَاءِ أَنْفَقَ عَلَيْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا لِمَا قُلْنَا وَإِنْ طَالَبَتْهُ امْرَأَةٌ بِالنَّفَقَةِ وَقَدَّمَتْهُ إلَى الْقَاضِي فَقَالَ الرَّجُلُ لِلْقَاضِي: قَدْ كُنْتُ طَلَّقْتهَا مُنْذُ سَنَةٍ وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَجَحَدَتْ الْمَرْأَةُ الطَّلَاقَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ قَوْلَ الزَّوْجِ إنَّهُ طَلَّقَهَا مُنْذُ سَنَةٍ، وَلَكِنْ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا مُنْذُ أَقَرَّ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ فَإِنْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ طَلَّقَهَا مُنْذُ سَنَةٍ وَالْقَاضِي لَا يَعْرِفُهُمَا أَمَرَهُ الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ وَفَرَضَ لَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مُنْذُ سَنَةٍ لَمْ تَظْهَرْ بَعْدُ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَادِلَةً أَوْ أَقَرَّتْ هِيَ أَنَّهَا قَدْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَتْ أَخَذَتْ مِنْهُ شَيْئًا تَرُدُّهُ عَلَيْهِ لِظُهُورِ ثُبُوتِ الْفُرْقَةِ مُنْذُ سَنَةٍ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِنْ قَالَتْ لَمْ أَحِضْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَهَا النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَوْلُهَا.

فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ: قَدْ أَخْبَرَتْنِي أَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي إبْطَالِ نَفَقَتِهَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ عَلَيْهَا فِي إبْطَالِ حَقِّهَا، وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا أَوْ بَائِنًا فَامْتَدَّتْ عِدَّتُهَا إلَى سَنَتَيْنِ ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَقَدْ كَانَ الزَّوْجُ أَعْطَاهَا النَّفَقَةَ إلَى وَقْتِ الْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَيَسْتَرِدُّ نَفَقَةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَسْتَرِدُّ شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي حَالِ الْمَرَضِ فَامْتَدَّ مَرَضُهُ إلَى سَنَتَيْنِ وَامْتَدَّتْ عِدَّتُهَا إلَى سَنَتَيْنِ ثُمَّ وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِشَهْرٍ وَقَدْ كَانَ أَعْطَاهَا النَّفَقَةَ إلَى وَقْتِ الْوَفَاةِ؛ فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ وَيَسْتَرِدُّ مِنْهَا نَفَقَةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَرِثُ وَلَا يَسْتَرِدُّ شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَتَانِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَلَا نَفَقَةَ فِي الْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَتْ لِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَنْعَدِمُ السَّبَبُ وَهُوَ الْحَبْسُ الثَّابِتُ بِالنِّكَاحِ وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا وَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً مَمْنُوعَةً عَنْ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَبْسَ لَمْ يَثْبُتْ بِسَبَبِ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِتَحْصِينِ الْمَاءِ فَأَشْبَهَتْ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلِأَنَّ نَفَقَتَهَا قَبْلَ الْعِتْقِ إنَّمَا وَجَبَتْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَا بِالِاحْتِبَاسِ وَقَدْ زَالَ بِالْإِعْتَاقِ وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ إنَّمَا وَجَبَتْ بِالِاحْتِبَاسِ وَإِنَّهُ قَائِمٌ.

[فَصْلٌ فِي شَرْطِ وُجُوبِ هَذِهِ النَّفَقَةِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا شَرْطُ وُجُوبِ هَذِهِ النَّفَقَةِ فَلِوُجُوبِهَا شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا يَعُمُّ النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا أَعْنِي: نَفَقَةَ النِّكَاحِ وَنَفَقَةَ الْعِدَّةِ.

وَالثَّانِي يَخُصُّ أَحَدَهُمَا وَهُوَ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَتَسْلِيمُ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا إلَى الزَّوْجِ وَقْتَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ وَنَعْنِي بِالتَّسْلِيمِ: التَّخْلِيَةَ وَهِيَ أَنْ تَخْلِي بَيْنَ نَفْسِهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بِرَفْعِ الْمَانِعِ مِنْ وَطْئِهَا أَوْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا حَقِيقَةً إذَا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ قِبَلِهَا أَوْ مِنْ قِبَلِ غَيْرِ الزَّوْجِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ التَّسْلِيمُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ وَقْتَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ؛ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَسَائِلُ: إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>