للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَبْطُلُ بِهِ عَقْدُ الشَّرِكَةِ]

فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَبْطُلُ بِهِ عَقْدُ الشَّرِكَةِ.

فَمَا يَبْطُلُ بِهِ نَوْعَانِ: (أَحَدُهُمَا) : يَعُمُّ الشَّرِكَاتِ كُلَّهَا (وَالثَّانِي) : يَخُصُّ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ، أَمَّا الَّذِي يَعُمُّ الْكُلَّ فَأَنْوَاعٌ: (مِنْهَا) الْفَسْخُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ، فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلْفَسْخِ، فَإِذَا فَسَخَهُ أَحَدُهُمَا عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِ الْفَسْخِ يَنْفَسِخُ، (وَمِنْهَا) مَوْتُ أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا مَاتَ انْفَسَخَتْ الشَّرِكَةُ لِبُطْلَانِ الْمِلْكِ وَأَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ بِالْمَوْتِ، سَوَاءٌ عَلِمَ بِمَوْتِ صَاحِبِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلُ صَاحِبِهِ، وَمَوْتُ الْمُوَكِّلِ يَكُونُ عَزْلًا لِلْوَكِيلِ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ، فَلَا يَقِفُ عَلَى الْعِلْمِ (وَمِنْهَا) رِدَّةُ أَحَدِهِمَا مَعَ اللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ، (وَمِنْهَا) جُنُونُهُ جُنُونًا مُطْبَقًا؛ لِأَنَّ بِهِ يَخْرُجُ الْوَكِيلُ عَنْ الْوَكَالَةِ، وَجَمِيعُ مَا يَخْرُجُ بِهِ الْوَكِيلُ عَنْ الْوَكَالَةِ يَبْطُلُ بِهِ عَقْدُ الشَّرِكَة؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ عَلَى نَحْوِ مَا فَصَّلْنَا فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ.

(وَأَمَّا) الَّذِي يَخُصُّ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ فَأَنْوَاعٌ (مِنْهَا) : هَلَاكُ الْمَالَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فِي الشَّرِكَةِ بِالْأَمْوَالِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَالَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ، أَوْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ قَبْلَ الْخَلْطِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ يَتَعَيَّنَانِ فِي الشَّرِكَاتِ، فَإِذَا هَلَكَتْ فَقَدْ هَلَكَ مَا تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِعَيْنِهِ قَبْلَ انْبِرَامِ الْعَقْدِ وَحُصُولِ الْمَعْقُودِ بِهِ، فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِدَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ، ثُمَّ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، وَيَتَعَيَّنَانِ فِي الشَّرِكَاتِ، ثُمَّ إنَّمَا لَمْ تَتَعَيَّنْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، وَتَتَعَيَّنُ فِي الشَّرِكَاتِ؛ لِأَنَّهُمَا جُعِلَا ثَمَنَيْنِ شَرْعًا، فَلَوْ تَعَيَّنَا فِي الْمُعَاوَضَاتِ لَانْقَلَبَا مُثْمَنَيْنِ، إذْ الْمُثْمَنُ اسْمٌ لِعَيْنٍ يُقَابِلُهَا عِوَضٌ، فَلَوْ تَعَيَّنَتْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ لَكَانَ عَيْنًا يُقَابِلُهَا عِوَضٌ، فَكَانَ مُثْمَنًا، فَلَا يَكُونُ ثَمَنًا، وَفِيهِ تَغْيِيرُ حُكْمِ الشَّرْعِ، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَيْسَ فِي تَعْيِينِهَا فِي بَابِ الشَّرِكَةِ تَغْيِيرُ حُكْمِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهَا لَا يُقَابِلُهَا عِنْدَ انْعِقَادِ الشَّرِكَةِ عَلَيْهِمَا عِوَضٌ، وَلِهَذَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْهِبَاتِ وَالْوَصَايَا بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ عَنْ الشَّرِكَةِ، أَنَّهُمَا لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي هَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّعْيِينُ فِيهِمَا تَغْيِيرًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ، وَهُوَ جَعْلُهُمَا مُثْمَنَيْنِ لِمَا لَا عِوَضَ لِلْحَالِ يُقَابِلهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ وُضِعَ وَسِيلَةً إلَى الشَّرِكَةِ، وَالْوَسِيلَةُ إلَى الشَّيْءِ حُكْمُهُ حُكْمُ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَجُعِلَ حُكْمُهُمَا فِي حَقِّ الْمَنْعِ مِنْ تَعَيُّنِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ حُكْمَ الشِّرَاءِ، فَلَمْ يَتَعَيَّنَا بِالْعَقْدِ وَالْإِشَارَةِ، بَلْ يَتَعَيَّنَانِ بِالْقَبْضِ كَمَا فِي الشِّرَاءِ، بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ، فَإِنَّهَا وَإِنْ وَقَعَتْ وَسِيلَةً إلَى الشِّرَاءِ لَكِنْ لَا بُدَّ مَعَ هَذَا مِنْ سَبَبٍ يُوجِبُ تَعَيُّنَ رَأْسِ الْمَالِ لِمَا مَرَّ، وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْقَبْضِ مُعَيِّنًا لِرَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْقَبْضِ فِيهِمَا لِيَتَعَيَّنَ رَأْسُ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِمَا مَشْرُوطٌ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ، وَكَوْنُ الْعَمَلِ مَشْرُوطًا مِنْ رَبِّ الْمَالِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ فِي يَدِهِ لِيُمْكِنَهُ الْعَمَلَ، وَكَوْنُ عَمَلِ الْآخَرِ مَشْرُوطًا يُوجِبُ التَّسْلِيمَ إلَيْهِ، لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْعَمَلِ، فَلَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لِلتَّعَارُضِ، وَلَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ يُوجِبُ تَعَيُّنَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْعَقْدُ، وَلَيْسَ وَرَاءَ الْقَبْضِ إلَّا الْعَقْدُ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ إيجَابُ الْقَبْضِ جُعِلَ الْعَقْدُ مُوجِبًا تَعَيُّنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ وَسِيلَةً إلَى الشِّرَاءِ، لَكِنْ هَذِهِ الضَّرُورَةُ أَوْجَبَتْ اسْتِدْرَاكَهُ بِحُكْمٍ غَيْرِ حُكْمِ مَا جُعِلَ هُوَ وَسِيلَةً لَهُ.

(فَأَمَّا) فِي الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ وَالْمُضَارَبَةِ فَعَمَلُ رَبِّ الْمَالِ لَيْسَ بِمَشْرُوطٍ، بَلْ لَوْ شُرِطَ ذَلِكَ فِي الْمُضَارَبَةِ؛ لَأَوْجَبَ فَسَادَهَا فَأَمْكَنَ جَعْلُ الْقَبْضِ سَبَبًا لِلتَّعْيِينِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ الْعَقْدِ سَبَبًا، فَلَمْ يُوجِبْ الْعَقْدُ التَّعْيِينَ إلْحَاقًا لَهُ بِالشِّرَاءِ، ثُمَّ إذَا هَلَكَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ قَبْلَ الشِّرَاءِ هَلَكَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْهَالِكَ مَالٌ مَلَكَهُ أَحَدُهُمَا بِيَقِينٍ، وَأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ صَاحِبِهِ، فَيَهْلَكُ عَلَى صَاحِبِهِ خَاصَّةً، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَخُلِطَا، ثُمَّ هَلَكَ أَنَّهُ يَهْلَكُ مُشْتَرَكًا؛ لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ أَنَّ الْهَالِكَ مَالُ أَحَدِهِمَا وَاَللَّهُ ﷿ الْمُوَفِّقُ.

(وَمِنْهَا) فَوَاتُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ رَأْسَيْ الْمَالِ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ بِالْمَالِ بَعْدَ وُجُودِهَا فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لِأَنَّ وُجُودَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمَالَيْنِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ كَمَا هُوَ شَرْطُ انْعِقَادِ هَذَا الْعَقْدِ عَلَى الصِّحَّةِ، فَبَقَاؤُهَا شَرْطُ بَقَائِهَا مُنْعَقِدَةً؛ لِأَنَّهَا مُفَاوَضَةٌ فِي الْحَالَيْنِ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْنَاهَا فِي الْحَالَيْنِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا تَفَاوَضَا، وَالْمَالُ مُسْتَوٍ، ثُمَّ وَرِثَ أَحَدُهُمَا مَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ مِنْ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ، وَصَارَ ذَلِكَ فِي يَدِهِ، أَنَّهُ تَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ؛ لِبُطْلَانِ الْمُسَاوَاةِ الَّتِي هِيَ مَعْنَى الْعَقْدِ، وَإِنْ وَرِثَ عُرُوضًا لَا تَبْطُلُ، وَكَذَا لَوْ وَرِثَ دُيُونًا لَا تَبْطُلُ، مَا لَمْ يَقْبِضْ الدُّيُونَ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْقَبْضِ، لَا تَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَكَذَا لَوْ ازْدَادَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ عَلَى الْآخَرِ قَبْلَ الشِّرَاءِ، بِأَنْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>