للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحْدَهُ وَلَا الْعَظْمُ وَحْدَهُ يُسَمَّى آدَمِيًّا، ثُمَّ الصَّوْمُ يَتَرَكَّبُ مِنْ أَجْزَاءٍ مُتَّفِقَةٍ فَيَكُونُ لِكُلِّ جُزْءٍ اسْمُ الصَّوْمِ، وَالصَّلَاةُ تَتَرَكَّبُ مِنْ أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَهِيَ: الْقِيَامُ، وَالْقِرَاءَةُ، وَالرُّكُوعُ، وَالسُّجُودُ فَلَا يَكُونُ لِلْبَعْضِ اسْمُ الْكُلِّ.

وَمِنْ هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ، ثُمَّ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ فَكَمَا شَرَعَ يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَمَا لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ لَا يَحْنَثُ، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا الْأَصْلُ فَنَقُولُ: إنَّهُ نَهْيٌ عَنْ الصَّوْمِ فَكَمَا شَرَعَ بَاشَرَ الْفِعْلَ الْمَنْهِيَّ، وَنَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فَمَا لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ لَمْ يُبَاشِرْ مِنْهَا فِيمَا انْعَقَدَ انْعَقَدَ قُرْبَةً خَالِصَةً غَيْرَ مَنْهِيٍّ عَنْهَا، فَبَعْدَ هَذَا يَقُولُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّ الشُّرُوعَ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَهُوَ فِي الصَّوْمِ مَنْهِيٌّ فَفَسَدَ فِي نَفْسِهِ فَلَمْ يَصِرْ سَبَبَ الْوُجُوبِ، وَفِي الصَّلَاةِ لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ فَصَارَ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ وَإِذَا تَحَقَّقَ هَذَا فَنَقُولُ: وُجُوبُ الْمُضِيِّ فِي التَّطَوُّعِ لِصِيَانَةِ مَا انْعَقَدَ قُرْبَةً، وَفِي بَابِ الصَّوْمِ مَا انْعَقَدَ انْعَقَدَ مَعْصِيَةً مِنْ وَجْهٍ وَالْمُضِيُّ أَيْضًا مَعْصِيَةٌ وَالْمُضِيُّ لَوْ وَجَبَ وَجَبَ لِصِيَانَةِ مَا انْعَقَدَ وَمَا انْعَقَدَ عِبَادَةٌ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَتَقْرِيرُ الْعِبَادَةِ وَصِيَانَتُهَا وَاجِبٌ، وَتَقْرِيرُ الْمَعْصِيَةِ وَصِيَانَتُهَا مَعْصِيَةٌ، فَالصِّيَانَةُ وَاجِبَةٌ مِنْ وَجْهٍ، مَحْظُورَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ تَجِبْ الصِّيَانَةُ عِنْدَ الشَّكِّ، وَتَرَجَّحَتْ جِهَةُ الْحَظْرِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ، وَالصِّيَانَةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِمَا هُوَ عِبَادَةٌ وَبِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ وَإِيجَابُ الْعِبَادَةِ مُمْكِنٌ، وَإِيجَابُ الْمَعْصِيَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَمْ يَجِبْ الْمُضِيُّ عِنْدَ التَّعَارُضِ، بَلْ يُرَجَّحُ جَانِبُ الْحَظْرِ فَأَمَّا فِي بَابِ الصَّلَاةِ فَمَا انْعَقَدَ انْعَقَدَ عِبَادَةً خَالِصَةً لَا حَظْرَ فِيهَا فَوَجَبَ تَقْرِيرُهَا وَصِيَانَتُهَا، ثُمَّ صِيَانَتُهَا وَإِنْ كَانَتْ بِالْمُضِيِّ وَبِالْمُضِيِّ يَقَعُ فِي الْمَحْظُورِ وَلَكِنْ لَوْ مَضَى تَقَرَّرَتْ الْعِبَادَةُ، وَتَقْرِيرُهَا وَاجِبٌ، وَمَا يَأْتِي بِهِ عِبَادَةٌ وَمَحْظُورٌ أَيْضًا فَكَانَ مُحَصِّلًا لِلْعِبَادَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ وَمُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ مِنْ وَجْهٍ فَتَرَجَّحَتْ جِهَةُ الْعِبَادَةِ.

وَلَوْ امْتَنَعَ عَنْ الْمُضِيِّ امْتَنَعَ عَنْ تَحْصِيلِ مَا هُوَ مَنْهِيٌّ، وَلَكِنْ امْتَنَعَ أَيْضًا عَنْ تَحْصِيلِ مَا هُوَ عِبَادَةٌ وَأَبْطَلَ الْعِبَادَةَ الْمُتَقَرِّرَةَ، وَإِبْطَالُهَا مَحْظُورٌ مَحْضٌ فَكَانَ الْمُضِيُّ لِلصِّيَانَةِ أَوْلَى مِنْ الِامْتِنَاعِ فَيَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ فَإِذَا أَفْسَدَهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: إنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ، وَهُوَ خَبَرُ الْوَاحِدِ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّتِهِ وَوُرُودِهِ فَكَانَ فِي ثُبُوتِهِ شَكٌّ وَشُبْهَةٌ، وَمَا كَانَ هَذَا سَبِيلُهُ كَانَ قَبُولُهُ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي حَقِّ إيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ بِالشُّرُوعِ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ مَا وَرَدَ بِخِلَافِ النَّهْيِ عَنْ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَتَلَقَّتْهُ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى بِالْقَبُولِ، فَكَانَ النَّهْيُ ثَابِتًا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَلَمْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ فَلَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ، وَالْفَقِيهُ الْجَلِيلُ أَبُو أَحْمَدَ الْعِيَاضِيُّ السَّمَرْقَنْدِيُّ ذَكَرَ هَذِهِ الْفُرُوقَ، وَأَشَارَ إلَى فَرْقٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الصَّوْمَ وُجُوبُهُ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَهُوَ فِعْلٌ مِنْ الصَّوْمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَأَمَّا الصَّلَاةُ فَوُجُوبُهَا بِالتَّحْرِيمَةِ وَهِيَ قَوْلٌ، وَلَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ النَّذْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ أَفْسَدَهَا مَعَ هَذَا وَقَضَى فِي وَقْتٍ آخَرَ كَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ الْإِفْسَادَ لِيُؤَدِّيَ أَكْمَلُ لَا يُعَدُّ إفْسَادًا وَهَهُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى خَالِيًا عَنْ اقْتِرَانِ النَّهْيِ بِهِ، وَلَكِنْ لَوْ صَلَّى مَعَ هَذَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَا لَزِمَهُ إلَّا هَذِهِ الصَّلَاةُ، وَقَدْ أَسَاءَ حَيْثُ أَدَّى مَقْرُونًا بِالنَّهْيِ.

وَلَوْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ قَضَاهَا وَقْتَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ نَاقِصَةً وَأَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ أَتَمَّهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، ثُمَّ الشُّرُوعُ إنَّمَا يَكُونُ سَبَبَ الْوُجُوبِ إذَا صَحَّ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَصِحَّ فَلَا، حَتَّى لَوْ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، أَوْ فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَكَذَا الْقَارِئُ إذَا شَرَعَ فِي صَلَاةِ الْأُمِّيِّ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ، أَوْ فِي صَلَاةِ امْرَأَةٍ، أَوْ جُنُبٍ، أَوْ مُحْدِثٍ ثُمَّ أَفْسَدَهَا عَلَى نَفْسِهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ شُرُوعَهُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَصِحَّ حَيْثُ اقْتَدَى بِمِنْ لَا يَصْلُحُ إمَامًا لَهُ، وَكَذَا الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ الْمَظْنُونَةِ غَيْرُ مُوجِبٍ حَتَّى لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ.

وَلَوْ أَفْسَدَ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَفِي بَابِ الْحَجِّ يَلْزَمُهُ التَّطَوُّعُ بِالشُّرُوعِ مَعْلُومًا كَانَ، أَوْ مَظْنُونًا وَالْفَرْقُ يُذْكَرُ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ إنْ شَاءَ لَلَّهُ تَعَالَى.

[فَصْلٌ فِي بَيَانُ مِقْدَارِ مَا يَلْزَمُ مِنْهُ بِالشُّرُوعِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ مِقْدَارِ مَا يَلْزَمُ مِنْهُ بِالشُّرُوعِ فَنَقُولُ لَا يَلْزَمُهُ بِالِافْتِتَاحِ أَكْثَرُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَصْحَابِنَا إلَّا بِعَارِضِ الِاقْتِدَاءِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ رَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ يَنْوِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَفْسَدَهَا: قَضَى أَرْبَعًا ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ وَرَوَى بِشْرُ بْنُ أَبِي الْأَزْهَرِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ افْتَتَحَ النَّافِلَةَ يَنْوِي عَدَدًا: يَلْزَمُهُ بِالِافْتِتَاحِ ذَلِكَ الْعَدَدُ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ رَكْعَةٍ وَرَوَى غَسَّانُ

<<  <  ج: ص:  >  >>