للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَجُلٍ وَوَالَاهُ ثُمَّ أَسْلَمَ ابْنُهُ الْكَبِيرُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ آخَرَ وَوَالَاهُ كَانَ كُلُّ وَاحِدِ مِنْهُمَا مَوْلَى لِلَّذِي وَالَاهُ وَلَا يُجَرُّ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ، وَلَيْسَ هَذَا كَالْعَتَاقِ أَنَّهُ إذَا أُعْتِقَ أَبُوهُ جَرَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ إلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ هَهُنَا وَلَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَبَتَ بِالْعَقْدِ، وَعَقْدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجُوزُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِهِ، وَهُنَاكَ وَلَاءُ الْوَلَدِ ثَبَتَ بِالْعَقْدِ وَوَلَاءُ الْأَبِ ثَبَتَ بِالْعِتْقِ وَوَلَاءُ الْعِتْقِ أَقْوَى مِنْ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ فَيَسْتَتْبِعُ الْأَقْوَى الْأَضْعَفَ، وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ أَقْوَى مِنْ وَلَاءِ صَاحِبِهِ لِثُبُوتٍ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ، فَهُوَ الْفَرْقُ.

[فَصْلٌ فِي صِفَةُ حُكْمِ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا صِفَةُ الْحُكْمِ فَهُوَ أَنَّ الْوَلَاءَ الثَّابِتَ بِهَذَا الْعَقْدِ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ كَالنَّسَبِ وَوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ، وَلِقَوْلِهِ «الْوَلَاءُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» حَتَّى لَوْ بَاعَ رَجُلٌ وَلَاءَ مُوَالَاةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ بِعَبْدٍ وَقَبَضَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ كَانَ إعْتَاقُهُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ بَدَلٍ إذْ الْوَلَاءُ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَمْ يَمْلِكْهُ فَلَمْ يَصِحَّ إعْتَاقُهُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ بِحُرٍّ وَقَبَضَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ، وَلَوْ بَاعَ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ وَلَاءَهُ مِنْ آخَرَ، أَوْ وَهَبَهُ لَا يَكُونُ بَيْعًا أَيْضًا وَلَا هِبَةً لِمَا قُلْنَا لَكِنَّهُ يَكُونُ نَقْضًا لِوَلَاءِ الْأَوَّلِ وَمُوَالَاةً لِهَذَا الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُعْتَاضُ مِنْهُ فَبَطَل الْعِوَضُ وَبَقِيَ قَوْلُهُ: الْوَلَاءُ لَك فَيَكُونُ مُوَالَاةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي، كَمَا لَوْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ بِمَالٍ صَحَّ التَّسْلِيمُ لَكِنْ لَا يَجِبُ الْمَالُ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانُ مَا يَظْهَرُ بِهِ وَلَاء الموالاة]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَظْهَرُ بِهِ فَإِنَّهُ يَظْهَرُ بِمَا ظَهَرَ بِهِ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ الْمُفَسِّرَةُ، أَوْ الْإِقْرَارُ سَوَاءٌ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي إقْرَارِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْلُومٌ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ كَمَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْلُومٌ، وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ فَأَخَذَ رَجُلٌ مَالَهُ وَادَّعَى أَنَّهُ وَارِثُهُ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ إذَا لَمْ يُخَاصِمْهُ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَدْرِي، أَلِبَيْتِ الْمَالِ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ يَدَّعِي أَنَّهُ لَهُ وَلَا مَانِعَ عَنْهُ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ، فَإِنْ خَاصَمَهُ أَحَدٌ سَأَلَهُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ، وَكَانَ مُدَّعِيًا فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ.

[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

[جَوَازِ الْإِجَارَة]

(كِتَابُ الْإِجَارَةِ) :

الْكَلَامُ فِي هَذَا الْكِتَابِ يَقَعُ فِي سَبْعِ مَوَاضِعَ: فِي بَيَانِ جَوَازِ الْإِجَارَةِ، وَفِي بَيَانِ رُكْنِ الْإِجَارَةِ، وَمَعْنَاهَا، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ، وَفِي بَيَانِ صِفَةِ الْإِجَارَةِ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْإِجَارَةِ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ اخْتِلَافِ الْعَاقِدَيْنِ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَفِي بَيَانِ مَا يَنْتَهِي بِهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ: إنَّهَا لَا تَجُوزُ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَنَافِعُ لِلْحَالِ مَعْدُومَةٌ، وَالْمَعْدُومُ لَا يَحْتَمِلُ الْبَيْعَ فَلَا يَجُوزُ إضَافَةُ الْبَيْعِ إلَى مَا يُؤْخَذُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَإِضَافَةِ الْبَيْعِ إلَى أَعْيَانٍ تُؤْخَذُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِذًا لَا سَبِيلَ إلَى تَجْوِيزِهَا لَا بِاعْتِبَارِ الْحَالِ، وَلَا بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ فَلَا جَوَازَ لَهَا رَأْسًا لَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا الْجَوَازَ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ.

أَمَّا الْكِتَابُ الْعَزِيزُ فَقَوْلُهُ ﷿ خَبَرًا عَنْ أَبُ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ سَقَى لَهُمَا مُوسَى ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ﴾ [القصص: ٢٧] أَيْ عَلَى أَنْ تَكُونَ أَجِيرًا لِي أَوْ عَلَى أَنْ تَجْعَلَ عِوَضِي مِنْ إنْكَاحِي ابْنَتِي إيَّاكَ رَعْيَ غَنَمِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ، يُقَالُ: آجَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْ عَوَّضَهُ، وَأَثَابَهُ، وَقَوْلُهُ ﷿ خَبَرًا عَنْ تَيْنِكَ الْمَرْأَتَيْنِ ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦] وَمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ يَصِيرُ شَرِيعَةً لَنَا مُبْتَدَأَةً وَيَلْزَمُنَا عَلَى أَنَّهُ شَرِيعَتُنَا لَا عَلَى أَنَّهُ شَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا لِمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَقَوْلُهُ ﷿ ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ١٠] وَالْإِجَارَةُ ابْتِغَاءُ الْفَضْلِ، وَقَوْلُهُ ﷿ ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] وَقَدْ قِيلَ نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي حَجِّ الْمُكَارِي فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ: إنَّا قَوْمٌ نُكْرَى، وَنَزْعُمُ أَنْ لَيْسَ لَنَا حَجٌّ فَقَالَ: أَلَسْتُمْ تُحْرِمُونَ، وَتَقِفُونَ، وَتَرْمُونَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ : أَنْتُمْ حُجَّاجٌ، ثُمَّ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ عَمَّا سَأَلْتنِي فَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ ﷿ ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَنْتُمْ حُجَّاجٌ، وَقَوْلُهُ ﷿ فِي اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٣]

<<  <  ج: ص:  >  >>