للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا التَّكْبِيرُ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَمَلَهُ قَائِدُهُ يَوْمَ الْفِطْرِ فَسَمِعَ النَّاسَ يُكَبِّرُونَ فَقَالَ لِقَائِدِهِ: أَكَبَّرَ الْإِمَامُ؟ قَالَ: لَا قَالَ: أَفَجُنَّ النَّاسُ؟ وَلَوْ كَانَ الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ سُنَّةً لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْإِنْكَارِ مَعْنًى؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَذْكَارِ هُوَ الْإِخْفَاءُ إلَّا فِيمَا وَرَدَ التَّخْصِيصُ فِيهِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي عِيدِ الْأَضْحَى فَبَقِيَ الْأَمْرُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ عَلَى الْأَصْلِ.

وَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ تَتَعَرَّضُ لِأَصْلِ التَّكْبِيرِ، وَكَلَامُنَا فِي وَصْفِ التَّكْبِيرِ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ، وَالْآيَةُ سَاكِتَةٌ عَنْ ذَلِكَ، (وَمِنْهَا) أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ أَيْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْعِيدِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ نَبْتٍ نَبَتَ، وَبِكُلِّ وَرَقَةٍ حَسَنَةً» .

وَأَمَّا قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ فَلَا يَتَطَوَّعُ فِي الْمُصَلَّى وَلَا فِي بَيْتِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا؛ لِمَا نَذْكُرُ فِي بَيَانِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُكْرَهُ فِيهَا التَّطَوُّعُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، (وَمِنْهَا) أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا خَرَجَ إلَى الْجَبَّانَةِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ أَنْ يَخْلُفَ رَجُلًا يُصَلِّي بِأَصْحَابِ الْعِلَلِ فِي الْمِصْرِ صَلَاةَ الْعِيدِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الْكُوفَةَ اسْتَخْلَفَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ لِيُصَلِّيَ بِالضَّعَفَةِ صَلَاةَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ، وَخَرَجَ إلَى الْجَبَّانَةِ مَعَ خَمْسِينَ شَيْخًا يَمْشِي وَيَمْشُونَ؛ وَلِأَنَّ فِي هَذَا إعَانَةً لِلضَّعَفَةِ عَلَى إحْرَازِ الثَّوَابِ فَكَانَ حَسَنًا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ سِوَى عَلِيٍّ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا صَلَاةَ عَلَى الضَّعَفَةِ، وَلَكِنْ لَوْ خَلَّفَ كَانَ أَفْضَلَ؛ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا يُخْرَجُ الْمِنْبَرُ فِي الْعِيدَيْنِ؛ لِمَا رَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ «كَانَ يَخْطُبُ فِي الْعِيدَيْنِ عَلَى نَاقَتِهِ» ، وَبِهِ جَرَى التَّوَارُثُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا؛ وَلِهَذَا اتَّخَذُوا فِي الْمُصَلَّى مِنْبَرًا عَلَى حِدَةٍ مِنْ اللَّبِنِ وَالطِّينِ، وَاتِّبَاعُ مَا اُشْتُهِرَ الْعَمَلُ بِهِ فِي النَّاسِ وَاجِبٌ.

[فَصْلٌ صَلَاةُ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا صَلَاةُ الْكُسُوفِ، وَالْخُسُوفِ، أَمَّا صَلَاةُ الْكُسُوفِ فَالْكَلَامُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ فِي مَوَاضِعَ: فِي بَيَانِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ أَمْ سُنَّةٌ، وَفِي بَيَانِ قَدْرِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا، وَفِي بَيَانِ مَوْضِعِهَا، وَفِي بَيَانِ وَقْتِهَا.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَصْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا تُصَلَّى نَافِلَةٌ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا قِيَامَ رَمَضَانَ وَصَلَاةَ الْكُسُوفِ، فَاسْتَثْنَى صَلَاةَ الْكُسُوفِ مِنْ الصَّلَوَاتِ النَّافِلَةِ، وَالْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ؛ فَيَدُلُّ عَلَى كَوْنِهَا نَافِلَةً، وَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ: إنْ شَاءُوا صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءُوا صَلَّوْا أَرْبَعًا، وَإِنْ شَاءُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَالتَّخْيِيرُ يَكُونُ فِي النَّوَافِلِ لَا فِي الْوَاجِبَاتِ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّهَا وَاجِبَةٌ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: «كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ يَوْمَ مَاتَ ابْنُهُ إبْرَاهِيمُ فَقَالَ النَّاسُ: إنَّمَا انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: أَلَا إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ هَذَا شَيْئًا فَاحْمَدُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوهُ وَسَبِّحُوهُ وَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَقُومُوا وَصَلُّوا» وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ «انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ فَقَامَ فَزِعًا فَخَشِيَ أَنْ تَكُونَ السَّاعَةَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ فَقَامَ فَصَلَّى فَأَطَالَ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ تُرْسَلُ لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرْسِلُهَا لِيُخَوِّفَ بِهَا عِبَادَهُ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَارْغَبُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتَغْفِرُوهُ» ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «فَافْزَعُوا إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ» وَتَسْمِيَةُ مُحَمَّدٍ إيَّاهَا نَافِلَةً لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الزِّيَادَةِ، وَكُلُّ وَاجِبٍ زِيَادَةٌ عَلَى الْفَرَائِضِ الْمُوَظَّفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَرَّبَهَا بِقِيَامِ رَمَضَانَ وَهُوَ التَّرَاوِيحُ، وَأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَهِيَ فِي مَعْنَى الْوَاجِبِ، وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ لَا تَنْفِي الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ قَدْ يَجْرِي بَيْنَ الْوَاجِبَاتِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [المائدة: ٨٩] .

[فَصْلٌ قَدْرِ وَكَيْفِيَّة صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي قَدْرِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، كُلُّ رَكْعَةٍ بِرُكُوعٍ وَسَجْدَتَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَهَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَكْعَتَانِ، كُلُّ رَكْعَةٍ بِرُكُوعَيْنِ وَقَوْمَتَيْنِ وَسَجْدَتَيْنِ يَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ أَنَّهُمَا قَالَا: «كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>