للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَشَارَكْنَا قُرَيْشًا فِي تُقَاهَا … وَفِي أَحْسَابِهَا شِرْكَ الْعِنَانِ.

(وَأَمَّا) .

الْمُفَاوَضَةُ: فَقَدْ قِيلَ: إنَّهَا الْمُسَاوَاةُ فِي اللُّغَةِ قَالَ الْقَائِلُ وَهُوَ الْعَبْدِيُّ:

تُهْدَى الْأُمُورُ بِأَهْلِ الرَّأْيِ مَا صَلُحَتْ … فَإِنْ تَوَلَّتْ فَبِالْأَشْرَارِ تَنْقَادُ

لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ … وَلَا سَرَاةٌ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا

سُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الشَّرِكَةِ مُفَاوَضَةً؛ لِاعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ وَالتَّصَرُّفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَا نَذْكُرُ.

وَقِيلَ هِيَ مِنْ التَّفْوِيضِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُفَوِّضُ التَّصَرُّفَ إلَى صَاحِبِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

(وَأَمَّا) الْكَلَامُ فِي شَرِكَةِ الْأَعْمَالِ وَالْوُجُوهِ (فَوَجْهُ) قَوْلِ الشَّافِعِيِّ ﵀ أَنَّ الشَّرِكَةَ تُنْبِئُ عَنْ الِاخْتِلَاطِ، وَلِهَذَا شَرَطَ الْخَلْطَ لِجَوَازِ الشَّرِكَةِ؛ وَلَا يَقَعُ الِاخْتِلَاطُ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ، وَكَذَا مَا وُضِعَ لَهُ الشَّرِكَةَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ؛ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ لِاسْتِنْمَاءِ الْمَالِ بِالتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ نَمَاءَ الْمَالِ بِالتِّجَارَةِ وَالنَّاسُ فِي الِاهْتِدَاءِ إلَى التِّجَارَةِ مُخْتَلِفُونَ، بَعْضُهُمْ أَهْدَى مِنْ الْبَعْضِ، فَشُرِعَتْ الشَّرِكَةُ؛ لِتَحْصِيلِ غَرَضِ الِاسْتِنْمَاءِ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَصْلٍ يُسْتَنْمَى، وَلَمْ يُوجَدْ فِي هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ فَلَا يَحْصُلُ مَا وُضِعَ لَهُ الشَّرِكَةُ فَلَا يَجُوزُ.

(وَلَنَا) : أَنَّ النَّاسَ يَتَعَامَلُونَ بِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ عَلَيْهِمْ مِنْ أَحَدٍ.

وَقَالَ ﵊: «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ» ؛ وَلِأَنَّهُمَا يَشْتَمِلَانِ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ، وَالْمُشْتَمِلُ عَلَى الْجَائِزِ جَائِزٌ وَقَوْلُهُ: إنَّ الشَّرِكَةَ شُرِعَتْ لِاسْتِنْمَاءِ الْمَالِ فَيَسْتَدْعِي أَصْلًا يُسْتَنْمَى فَنَقُولُ: الشَّرِكَةُ بِالْأَمْوَالِ شُرِعَتْ لِتَنْمِيَةِ الْمَالِ وَأَمَّا الشَّرِكَةُ بِالْأَعْمَالِ، أَوْ بِالْوُجُوهِ: فَمَا شُرِعَتْ لِتَنْمِيَةِ الْمَالِ، بَلْ لِتَحْصِيلِ أَصْلِ الْمَالِ، وَالْحَاجَةُ إلَى تَحْصِيلِ أَصْلِ الْمَالِ فَوْقَ الْحَاجَةِ إلَى تَنْمِيَتِهِ، فَلَمَّا شُرِعَتْ لِتَحْصِيلِ الْوَصْفِ فَلَأَنْ تُشْرَعَ لِتَحْصِيلِ الْأَصْلِ أَوْلَى.

(وَأَمَّا) الْكَلَامُ فِي الشَّرِكَةِ بِالْأَمْوَالِ: فَأَمَّا الْعِنَانُ فَجَائِزٌ بِإِجْمَاعِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ؛ وَلِتَعَامُلِ النَّاسِ ذَلِكَ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ «أُسَامَةَ بْنَ شَرِيكٍ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: أَتَعْرِفُنِي؟ فَقَالَ ﵊: وَكَيْفَ لَا أَعْرِفُكَ وَكُنْتَ شَرِيكِي وَنِعْمَ الشَّرِيكُ، لَا تُدَارِي، وَلَا تُمَارِي» ، وَأَدْنَى مَا يُسْتَدَلُّ بِفِعْلِهِ ﵊ الْجَوَازُ، وَكَذَا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالنَّاسُ يَتَعَامَلُونَ بِهَذِهِ الشَّرِكَةِ، فَقَرَّرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، حَيْثُ لَمْ يَنْهَهُمْ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ، وَالتَّقْرِيرُ أَحَدُ وُجُوهِ السُّنَّةِ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ شُرِعَتْ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَحَاجَتُهُمْ إلَى اسْتِنْمَاءِ الْمَالِ مُتَحَقِّقَةٌ.

وَهَذَا النَّوْعُ طَرِيقٌ صَالِحٌ لِلِاسْتِنْمَاءِ فَكَانَ مَشْرُوعًا؛ وَلِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْوَكَالَةِ، وَالْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ إجْمَاعًا.

(وَأَمَّا) الْمُفَاوَضَةُ: (فَأَمَّا) قَوْلُ مَالِكٍ ﵀: لَا أَعْرِفُ الْمُفَاوَضَةَ فَإِنْ عَنَى بِهِ: لَا أَعْرِفُ مَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ فَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْمُسَاوَاةِ، وَإِنْ عَنَى بِهِ: لَا أَعْرِفُ جَوَازَهَا فَقَدْ عَرَّفَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْجَوَازَ بِقَوْلِهِ ﵊: تَفَاوَضُوا فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ، وَلِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَمْرَيْنِ جَائِزَيْنِ وَهُمَا: الْوَكَالَةُ وَالْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا جَائِزَةٌ حَالَ الِانْفِرَادِ، وَكَذَا حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ، كَالْعِنَانِ؛ وَلِأَنَّهَا طَرِيقُ اسْتِنْمَاءِ الْمَالِ أَوْ تَحْصِيلِهِ، وَالْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ مُتَحَقِّقَةٌ فَكَانَتْ جَائِزَةٌ كَالْعِنَانِ.

(وَأَمَّا) الْكَلَامُ مَعَ الشَّافِعِيِّ ﵀ فَوَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ عِنْدَكُمْ، وَالْكَفَالَةُ الَّتِي تَتَضَمَّنُهَا الْمُفَاوَضَةُ كَفَالَةٌ بِمَجْهُولٍ، وَأَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ حَالَةَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا الَّتِي تَتَضَمَّنُهَا الْمُفَاوَضَةُ وَدَلِيلُنَا عَلَى الْجَوَازِ: مَا ذَكَرْنَا مَعَ مَالِكٍ ﵀.

(وَأَمَّا) قَوْلُهُ: الْمَكْفُولُ لَهُ مَجْهُولٌ فَنَعَمْ، لَكِنْ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْجَهَالَةِ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ عَفْوٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَفْوًا حَالَةَ الِانْفِرَادِ كَمَا فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ، فَإِنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى الْوَكَالَةِ الْعَامَّةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّوْكِيلُ حَالَةَ الِانْفِرَادِ وَكَذَا الْمُضَارَبَةُ تَتَضَمَّنُ وَكَالَةً عَامَّةً وَأَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ الْعَامَّةُ لَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ حَالَةِ الِانْفِرَادِ، فَكَذَا هَذَا وَكَانَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ الْوَكَالَةِ لَا تَثْبُتُ فِي هَذَا الْعَقْدِ مَقْصُودًا، بَلْ ضِمْنًا لِلشَّرِكَةِ وَقَدْ يَثْبُتُ الشَّيْءُ ضِمْنًا وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ قَصْدًا، وَيُشْتَرَطُ لِلثَّابِتِ مَقْصُودًا مَا لَا يُشْتَرَطُ لِلثَّابِتِ ضِمْنًا وَتَبَعًا كَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ شَرَائِطِ جَوَازِ أَنْوَاعِ الشَّرِكَةِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ شَرَائِطِ جَوَازِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ فَلِجَوَازِهَا شَرَائِطُ: بَعْضُهَا يَعُمُّ الْأَنْوَاعَ كُلَّهَا: وَبَعْضُهَا يَخُصُّ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ.

(أَمَّا) الشَّرَائِطُ الْعَامَّةُ فَأَنْوَاعٌ: (مِنْهَا) أَهْلِيَّةُ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَازِمَةٌ فِي الْكُلِّ وَهِيَ أَنْ يَصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>