للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ.

وَلَوْ تَبَايَعَا دَارًا بِدَارٍ فَلِشَفِيعِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الدَّارَيْنِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَلَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ بِمِثْلِهَا فَيَأْخُذَ بِقِيمَتِهَا كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا بِعَرَضٍ وَلَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى هَلَكَ الْعَرَضُ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيمَا بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَبَضَ الدَّارَ وَلَمْ يُسَلِّمْ الْعَرَضَ حَتَّى هَلَكَ؛ أَمَّا بُطْلَانُ الْبَيْعِ فِيمَا بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي؛ فَلِأَنَّ الْعَرَضَ مَبِيعٌ إذْ الْمَبِيعُ فِي الْأَصْلِ مَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْبَيْعِ، وَالْعَرَضُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْبَيْعِ فَكَانَ مَبِيعًا، وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْبَيْعِ لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ بَعْدَ الْهَلَاكِ فَلَمْ يَكُنْ فِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ فَائِدَةٌ فَيَبْطُلُ.

وَأَمَّا بَقَاءُ الشُّفْعَةِ لِلشَّفِيعِ؛ فَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَرَضِ لَا عَيْنُهُ، وَالْقِيمَةُ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ فِي حَقِّهِ فَكَانَ بَقَاءُ الْعَرَضِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَهَلَاكُهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ.

ثُمَّ الشَّفِيعُ إنَّمَا يَأْخُذُ بِمَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ لَا بِمَا أَعْطَى بَدَلًا مِنْ الْوَاجِبِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ يُمَلِّكُ بِمِثْلِ مَا تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَالْمُشْتَرِي تَمَلَّكَ الْمَبِيعَ بِالْمُسَمَّى - وَهُوَ الْوَاجِبُ بِالْعَقْدِ - فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِهِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الدَّارَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ثُمَّ دَفَعَ مَكَانَهَا عَرَضًا فَالشَّفِيعُ يَأْخُذُ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا بِالْعَرَضِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ هِيَ الْوَاجِبَةُ بِالْعَقْدِ وَأَمَّا الْعَرَضُ فَإِنَّمَا أَخَذَهُ الْبَائِعُ بِعَقْدٍ آخَرَ وَهُوَ الِاسْتِبْدَالُ فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِالْعَقْدِ فَصَارَ كَأَنَّ الْبَائِعَ اشْتَرَى بِالثَّمَنِ عَرَضًا ابْتِدَاءً ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ يَأْخُذُ بِالثَّمَنِ لَا بِالْعَرَضِ، كَذَا هَذَا، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

وَلَوْ زَادَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ فِي الثَّمَنِ فَالزِّيَادَةُ لَا تَلْزَمُ الشَّفِيعَ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا يَأْخُذُ بِمَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ، وَالزِّيَادَةُ مَا وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِانْعِدَامِهَا وَقْتَ الْعَقْدِ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهَا جُعِلَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِمَا فَلَا يَظْهَرُ الْوُجُودُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ فَلَمْ تَكُنْ الزِّيَادَةُ ثَمَنًا فِي حَقِّهِ بَلْ كَانَتْ هِبَةً مُبْتَدَأَةً فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الشُّفْعَةُ كَالْهِبَةِ الْمُبْتَدَأَةِ وَلَوْ حَطَّ الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي أَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْبَعْضِ فَالشَّفِيعُ يَأْخُذُ بِمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ حَطَّ بَعْضِ الثَّمَنِ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ كَأَنَّ الْعَقْدَ مَا وَرَدَ إلَّا عَلَى هَذَا الْقَدْرِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّ الْتِحَاقَهَا لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِمَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ فِي تَصْحِيحِ الزِّيَادَةِ ثَمَنًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ ضَرَرًا بِهِ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الْحَطِّ، وَلَوْ حَطَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ حَطَّ كُلِّ الثَّمَنِ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ الْتَحَقَ لَبَطَلَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ فَلَمْ يَصِحَّ الْحَطُّ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَالْتَحَقَ فِي حَقِّهِ بِالْعَدَمِ فَيَأْخُذُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ حَطَّ كُلِّ الثَّمَنِ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَصَحَّ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ إبْرَاءً لَهُ عَنْ الثَّمَنِ.

وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِثَمَنٍ حَالٍّ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ مُضِيَّ الْأَجَلِ فَأَخَذَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا لِلْحَالِّ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا يَأْخُذُ بِمَا وَجَبَ بِالْبَيْعِ، وَالْأَجَلُ لَمْ يَجِبْ بِالْبَيْعِ وَإِنَّمَا وَجَبَ بِالشَّرْطِ وَالشَّرْطُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَلِهَذَا لَمْ يَثْبُتْ خِيَارُ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ بِأَنْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالشَّرْطِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الشَّفِيعِ، وَكَذَا الْبَرَاءَةُ عَنْ الْعَيْبِ لَا تَثْبُتُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا بِالشَّرْطِ وَلَمْ يُوجَدْ مَعَ الشَّفِيعِ، كَذَا هَذَا.

وَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْأَخْذِ فِي الْحَالِّ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَلَوْ اخْتَارَ الشَّفِيعُ أَخْذَ الدَّارِ بِثَمَنٍ حَالٍّ كَانَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَى أَجَلٍ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْمُشْتَرِي تَمَلُّكٌ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ التَّمَلُّكِ الْمُبْتَدَإِ كَأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ فَلَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَبَقِيَ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ فَكَانَ الثَّمَنُ عَلَى حَالِهِ إلَى أَجَلِهِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي شِرَاءِ الدَّارِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الشَّفِيعِ أَنْ يَطْلُبَ عِنْدَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ فَإِنْ سَكَتَ إلَى حِينِ مَحِلِّ الْأَجَلِ فَذَلِكَ تَسْلِيمٌ مِنْهُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ إذَا طَلَبَ عِنْدَ حَلِّ الْأَجَلِ فَلَهُ الشُّفْعَةُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ عِنْدَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ وَقْتَ الطَّلَبِ هُوَ وَقْتُ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ لَا وَقْتَ حَلِّ الْأَجَلِ فَقَدْ أَخَّرَهُ عَنْ وَقْتِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَبَطَلَ الْحَقُّ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ الطَّلَبَ لَا يُرَادُ لِعَيْنِهِ بَلْ لِتَأْكِيدِ الْحَقِّ وَاسْتِقْرَارِهِ، وَالتَّأْكِيدُ لَا يُرَادُ لِنَفْسِهِ بَلْ لِإِمْكَانِ الْأَخْذِ، وَلَهُ أَنْ لَا يَأْخُذَ قَبْلَ حِلِّ الْأَجَلِ فَلَهُ أَنْ لَا يَطْلُبَ قَبْلَ حِلِّهِ أَيْضًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانُ مَا يُتَمَلَّكُ بِالشُّفْعَةِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُتَمَلَّكُ بِالشُّفْعَةِ فَاَلَّذِي يَتَمَلَّكُهُ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ هُوَ الَّذِي مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ سَوَاءٌ مَلَكَهُ أَصْلًا أَوْ تَبَعًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا وَقْتَ التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ، وَذَلِكَ نَحْوُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَالزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>