للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي بَابِ الزَّكَاةِ وَالدِّيَاتِ فَتَفْضُلُ فِي الْأُضْحِيَّةَ أَيْضًا.

(وَلَنَا) أَنَّ الْأَخْبَارَ إذَا اخْتَلَفَتْ فِي الظَّاهِرِ يَجِبُ الْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ عَنْ سَبْعَةٍ ثَابِتٌ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي الزِّيَادَةِ اخْتِلَافٌ فَكَانَ الْأَخْذُ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَخْذًا بِالْمُتَيَقَّنِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرُوا مِنْ الْقِيَاسِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي هَذَا الْبَابِ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ، وَاسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ فِيمَا هُوَ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ لَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ، وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ عَنْ أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ بِأَنْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ سِتَّةٌ فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ السُّبْعُ فَالزِّيَادَةُ أَوْلَى، وَسَوَاءٌ اتَّفَقَتْ الْأَنْصِبَاءُ فِي الْقَدْرِ أَوْ اخْتَلَفَتْ؛ بِأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ وَلِآخَرَ السُّدُسُ بَعْدَ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ السُّبْعِ وَلَوْ اشْتَرَكَ سَبْعَةٌ فِي خَمْسِ بَقَرَاتٍ أَوْ فِي أَكْثَرَ فَذَبَحُوهَا أَجْزَأَهُمْ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي كُلِّ بَقَرَةٍ سُبُعَهَا، وَلَوْ ضَحَّوْا بِبَقَرَةٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُمْ فَالْأَكْثَرُ أَوْلَى وَلَوْ اشْتَرَكَ ثَمَانِيَةٌ فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ لَمْ يُجْزِهِمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَقَرَةٍ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْقَصُ مِنْ السُّبْعِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانُوا عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ فَهُوَ عَلَى هَذَا.

وَلَوْ اشْتَرَكَ ثَمَانِيَةٌ فِي ثَمَانِيَةٍ مِنْ الْبَقَرِ فَضَحَّوْا بِهَا لَمْ تُجْزِهِمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَقَرَةٍ تَكُونُ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَقَرُ أَكْثَرَ لَمْ تُجْزِهِمْ، وَلَا رِوَايَةَ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ وَإِنَّمَا قِيلَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْقِيَاسِ.

وَلَوْ اشْتَرَكَ سَبْعَةٌ فِي سَبْعِ شِيَاهٍ بَيْنَهُمْ فَضَحَّوْا بِهَا - الْقِيَاسُ أَنْ لَا تُجْزِئَهُمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَاةٍ تَكُونُ بَيْنَهُمْ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُجْزِيهِمْ.

وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ شَاتَيْنِ لِلتَّضْحِيَةِ فَضَحَّيَا بِهِمَا بِخِلَافِ عَبْدَيْنِ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَلَيْهِمَا كَفَّارَتَانِ فَأَعْتَقَاهُمَا عَنْ كَفَّارَتَيْهِمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَنْصِبَاءَ تَجْتَمِعُ فِي الشَّاتَيْنِ وَلَا تَجْتَمِعُ فِي الرَّقِيقِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ فِي الشَّاةِ وَلَا يُجْبَرُ فِي الرَّقِيقِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تُقْسَمُ قِسْمَةَ جَمْعٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؟ Object وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْأَوَّلِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ، وَالْمَذْكُورُ جَوَابُ الْقِيَاسِ وَأَمَّا صِفَتُهُ فَهِيَ أَنْ يَكُونَ سَلِيمًا عَنْ الْعُيُوبِ الْفَاحِشَةِ وَسَنَذْكُرُهَا فِي بَيَانِ شَرَائِطِ الْجَوَازِ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

[فَصْلٌ فِي شَرَائِطُ جَوَازِ إقَامَةِ الْوَاجِبِ فِي الْأُضْحِيَّةِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا شَرَائِطُ جَوَازِ إقَامَةِ الْوَاجِبِ؛ وَهِيَ التَّضْحِيَةُ فَهِيَ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَعُمُّ ذَبْحَ كُلِّ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ وَنَوْعٌ يَخُصُّ التَّضْحِيَةَ؛ أَمَّا الَّذِي يَعُمُّ ذَبْحَ كُلِّ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ، وَأَمَّا الَّذِي يَخُصُّ التَّضْحِيَةَ فَأَنْوَاعٌ: بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى مَنْ عَلَيْهِ التَّضْحِيَةُ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى وَقْتِ التَّضْحِيَةِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى مَحَلِّ التَّضْحِيَةِ.

أَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى مَنْ عَلَيْهِ التَّضْحِيَةُ فَمِنْهَا نِيَّةُ الْأُضْحِيَّةَ لَا تُجْزِي الْأُضْحِيَّةُ بِدُونِهَا؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ يَكُونُ لِلَّحْمِ وَقَدْ يَكُونُ لِلْقُرْبَةِ وَالْفِعْلُ لَا يَقَعُ قُرْبَةً بِدُونِ النِّيَّةِ؛ قَالَ النَّبِيُّ Object «لَا عَمَلَ لِمَنْ لَا نِيَّةَ لَهُ» وَالْمُرَادُ مِنْهُ عَمَلٌ هُوَ قُرْبَةٌ؛ وَلِلْقُرْبَةِ جِهَاتٌ مِنْ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَالْإِحْصَارِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَكَفَّارَةِ الْحَلْقِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ فَلَا تَتَعَيَّنُ الْأُضْحِيَّةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ وَقَالَ النَّبِيُّ Object «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ بِقَلْبِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ مَا نَوَى بِقَلْبِهِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ عَمَلُ الْقَلْبِ، وَالذِّكْرُ بِاللِّسَانِ دَلِيلٌ عَلَيْهَا.

وَمِنْهَا أَنْ لَا يُشَارِكَ الْمُضَحِّيَ - فِيمَا يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ - مَنْ لَا يُرِيدُ الْقُرْبَةَ رَأْسًا، فَإِنْ شَارَكَ لَمْ يَجُزْ عَنْ الْأُضْحِيَّةَ، وَكَذَا هَذَا فِي سَائِرِ الْقُرَبِ سِوَى الْأُضْحِيَّةَ إذَا شَارَكَ الْمُتَقَرِّبَ مَنْ لَا يُرِيدُ الْقُرْبَةَ لَمْ يَجُزْ عَنْ الْقُرْبَةِ كَمَا فِي دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَالْإِحْصَارِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ Object هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ اشْتَرَكَ سَبْعَةٌ فِي بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ كُلُّهُمْ يُرِيدُونَ الْقُرْبَةَ؛ الْأُضْحِيَّةَ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ وُجُوهِ الْقُرَبِ إلَّا وَاحِدٌ مِنْهُمْ يُرِيدُ اللَّحْمَ - لَا يُجْزِي وَاحِدًا مِنْهُمْ مِنْ الْأُضْحِيَّةَ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا مِنْ وُجُوهِ الْقُرَبِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ يُجْزِي.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْفِعْلَ إنَّمَا يَصِيرُ قُرْبَةً مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِنِيَّتِهِ لَا بِنِيَّةِ صَاحِبِهِ، فَعَدَمُ النِّيَّةِ مِنْ أَحَدِهِمْ لَا يَقْدَحُ فِي قُرْبَةِ الْبَاقِينَ.

(وَلَنَا) أَنَّ الْقُرْبَةَ فِي إرَاقَةِ الدَّمِ وَأَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ؛ لِأَنَّهَا ذَبْحٌ وَاحِدٌ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً مِنْ الْبَعْضِ لَا يَقَعُ قُرْبَةً مِنْ الْبَاقِينَ ضَرُورَةَ عَدَمِ التَّجَزُّؤِ وَلَوْ أَرَادُوا الْقُرْبَةَ؛ الْأُضْحِيَّةَ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْقُرَبِ أَجْزَأَهُمْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقُرْبَةُ وَاجِبَةً أَوْ تَطَوُّعًا أَوْ وَجَبَتْ عَلَى الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ، وَسَوَاءٌ اتَّفَقَتْ جِهَاتُ الْقُرْبَةِ أَوْ اخْتَلَفَتْ بِأَنْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ الْأُضْحِيَّةَ وَبَعْضُهُمْ جَزَاءَ الصَّيْدِ وَبَعْضُهُمْ هَدْيَ الْإِحْصَارِ وَبَعْضُهُمْ كَفَّارَةَ شَيْءٍ أَصَابَهُ فِي إحْرَامِهِ وَبَعْضُهُمْ هَدْيَ التَّطَوُّعِ وَبَعْضُهُمْ دَمَ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>