للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحْشِيَّةٌ فِي الْأَصْلِ وَالْجَوْهَرِ فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُ الْأَصْلِ بِعَارِضٍ نَادِرٍ وَاَللَّهُ عَزَّ شَأْنُهُ الْمُوَفِّقُ.

وَأَمَّا سِنُّهُ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ مِنْ الْأُضْحِيَّةَ إلَّا الثَّنِيَّ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ إلَّا الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ خَاصَّةً إذَا كَانَ عَظِيمًا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «ضَحُّوا بِالثَّنَايَا إلَّا أَنْ يَعِزَّ عَلَى أَحَدِكُمْ فَيَذْبَحَ الْجَذَعَ فِي الضَّأْنِ» وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «يُجْزِي الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ عَمَّا يُجْزِي فِيهِ الثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ» .

وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى فَشَمَّ قُتَارًا فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: أُضْحِيَّةُ أَبِي بُرْدَةَ فَقَالَ تِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ، فَجَاءَ أَبُو بُرْدَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي عَنَاقٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ، فَقَالَ تُجْزِي عَنْك وَلَا تُجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» .

وَرُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ قَالَ: «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ عِيدٍ فَقَالَ: إنَّ أَوَّلَ نُسُكِكُمْ هَذِهِ الصَّلَاةُ ثُمَّ الذَّبْحُ، فَقَامَ إلَيْهِ خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَوْمُنَا نَشْتَهِي فِيهِ اللَّحْمَ فَعَجَّلْنَا فَذَبَحْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَأَبْدِلْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي مَاعِزٌ جَذَعٌ فَقَالَ: هِيَ لَكَ وَلَيْسَتْ لِأَحَدٍ بَعْدَكَ» وَرُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِغَنَمٍ جِذَاعٍ فَلَمْ تَنْفُقْ مَعَهُ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: نِعْمَتْ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ» وَرُوِيَ: الْجَذَعُ السَّمِينُ مِنْ الضَّأْنِ؛ فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ هَذَا الْحَدِيثَ انْتَهَبُوهَا أَيْ تَبَادَرُوا إلَى شِرَائِهَا وَتَخْصِيصُ هَذِهِ الْقُرْبَةِ بِسِنٍّ دُونَ سِنٍّ أَمْرٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّوْقِيفِ فَيُتَّبَعُ ذَلِكَ.

(وَأَمَّا) مَعَانِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ فَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ قَالُوا: الْجَذَعُ مِنْ الْغَنَمِ ابْنُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالثَّنِيُّ مِنْهُ ابْنُ سَنَةٍ، وَالْجَذَعُ مِنْ الْبَقَرِ ابْنُ سَنَةٍ وَالثَّنِيُّ ابْنُ سَنَتَيْنِ، وَالْجَذَعُ مِنْ الْإِبِلِ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ وَالثَّنِيُّ مِنْهَا ابْنُ خَمْسٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ فِي الثَّنِيِّ مِنْ الْإِبِلِ مَا تَمَّ لَهُ أَرْبَعُ سِنِينَ وَطَعَنَ فِي الْخَامِسَةِ وَذَكَرَ الزَّعْفَرَانِيُّ فِي الْأَضَاحِيّ: الْجَذَعُ ابْنُ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ أَوْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَالثَّنِيُّ مِنْ الشَّاةِ وَالْمَعْزِ مَا تَمَّ لَهُ حَوْلٌ وَطَعَنَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَمِنْ الْبَقَرِ مَا تَمَّ لَهُ حَوْلَانِ وَطَعَنَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، وَمِنْ الْإِبِلِ مَا تَمَّ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ وَطَعَنَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ، وَتَقْدِيرُ هَذِهِ الْأَسْنَانِ بِمَا قُلْنَا لِمَنْعِ النُّقْصَانِ لَا لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ؛ حَتَّى لَوْ ضَحَّى بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ سِنًّا لَا يَجُوزُ وَلَوْ ضَحَّى بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ سِنًّا يَجُوزُ وَيَكُونُ أَفْضَلَ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةَ حَمَلٌ وَلَا جَدْيٌ وَلَا عِجْلٌ وَلَا فَصِيلٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا وَرَدَ بِالْأَسْنَانِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَهَذِهِ لَا تُسَمَّى بِهَا.

وَأَمَّا قَدْرُهُ فَلَا يَجُوزُ الشَّاةُ وَالْمَعْزُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَتْ عَظِيمَةً سَمِينَةً تُسَاوِي شَاتَيْنِ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُضَحَّى بِهِمَا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَنْ لَا يَجُوزَ فِيهِمَا الِاشْتِرَاكُ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِي هَذَا الْبَابِ إرَاقَةُ الدَّمِ وَأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ التَّجْزِئَةَ؛ لِأَنَّهَا ذَبْحٌ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا عَرَفْنَا جَوَازَ ذَلِكَ بِالْخَبَرِ فَبَقِيَ الْأَمْرُ فِي الْغَنَمِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ.

فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَمَّنْ لَا يَذْبَحُ مِنْ أُمَّتِهِ فَكَيْفَ ضَحَّى بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ عَنْ أُمَّتِهِ؟ .

(فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الثَّوَابِ؛ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ ثَوَابَ تَضْحِيَتِهِ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ لِأُمَّتِهِ لَا لِلْإِجْزَاءِ وَسُقُوطِ التَّعَبُّدِ عَنْهُمْ وَلَا يَجُوزُ بَعِيرٌ وَاحِدٌ وَلَا بَقَرَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ وَيَجُوزُ ذَلِكَ عَنْ سَبْعَةٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ مَالِكٌ : يُجْزِي ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ - وَإِنْ زَادُوا عَلَى سَبْعَةٍ - وَلَا يُجْزِي عَنْ أَهْلِ بَيْتَيْنِ - وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ - وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ «الْبَدَنَةُ تُجْزِي عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةُ تُجْزِي عَنْ سَبْعَةٍ» وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَهْلِ بَيْتٍ وَبَيْتَيْنِ» وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَهَا عَنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقُرْبَةَ فِي الذَّبْحِ وَأَنَّهُ فِعْلُ وَاحِدٌ لَا يَتَجَزَّأُ؛ لَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالْخَبَرِ الْمُقْتَضِي لِلْجَوَازِ عَنْ سَبْعَةٍ مُطْلَقًا فَيُعْمَلُ بِالْقِيَاسِ فِيمَا وَرَاءَهُ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَةَ بِمَنْزِلَةِ سَبْعِ شِيَاهٍ ثُمَّ جَازَتْ التَّضْحِيَةُ بِسَبْعِ شِيَاهٍ عَنْ سَبْعَةٍ سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ أَوْ بَيْتَيْنِ فَكَذَا الْبَقَرَةُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ الْبَعِيرِ وَالْبَقَرَةِ فَقَالَ الْبَقَرَةُ لَا تَجُوزُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ فَأَمَّا الْبَعِيرُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَنْ عَشَرَةٍ، وَرَوَوْا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «الْبَدَنَةُ تُجْزِي عَنْ عَشَرَةٍ» وَنَوْعٌ مِنْ الْقِيَاسِ يُؤَيِّدُهُ؛ وَهُوَ أَنَّ الْإِبِلَ أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْ الْبَقَرِ؛ وَلِهَذَا فُضِّلَتْ الْإِبِلُ عَلَى الْبَقَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>