للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَوَّلُ وَهُوَ نُقْصَانُ الْعَدَدِ فَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ وَكَذَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَرْطٍ ثُمَّ أَبَانَهَا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ الظِّهَارُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَ الْإِبَانَةَ بِشَرْطٍ فَنَجَّزَ الْإِبَانَةَ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ أَنَّهُ يَلْحَقُهَا الْبَائِنُ الْمُعَلَّقُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الظِّهَارَ تَحْرِيمٌ وَالْمُبَانَةُ مُحَرَّمَةٌ فَلَوْ لَحِقَهَا الظِّهَارُ بِيَمِينٍ كَانَتْ قَبْلَ الْإِبَانَةِ لَكَانَ تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ، وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ ثُمَّ هُوَ غَيْرُ مُفِيدٍ فَاسْتَوَى فِيهِ الظِّهَارُ الْمُبْتَدَأُ وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ بِخِلَافِ الْبَيْنُونَةِ الْمُعَلَّقَةِ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا بَعْدَ تَنْجِيزِ الْإِبَانَةِ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ وَهُوَ مُفِيدٌ أَيْضًا وَهُوَ نُقْصَانُ الْعَدَدِ وَاَللَّهُ ﷿ الْمُوَفِّقُ.

وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الظِّهَارُ مُضَافًا إلَى بَدَنِ الزَّوْجَةِ أَوْ إلَى عُضْوٍ مِنْهَا جَامِعٍ أَوْ شَائِعٍ وَهَذَا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَتَصِحُّ الْإِضَافَةُ إلَيْهَا أَوْ إلَى كُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا قَالَ لَهَا: رَأْسُكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ وَجْهُكِ أَوْ رَقَبَتُكِ أَوْ فَرْجُكِ أَنَّهُ يَصِيرُ مُظَاهِرًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَيْهَا إلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا ثُلُثُكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ رُبْعُكِ أَوْ نِصْفُكِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاءِ الشَّائِعَةِ.

وَلَوْ قَالَ: يَدُكِ أَوْ رِجْلُكِ أَوْ أُصْبُعُكِ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.

وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ قَدْ مَرَّتْ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ.

[فَصْلٌ فِي بَيَان الشَّرَائِط الَّتِي تُرْجَعُ إلَى الْمُظَاهَرِ بِهِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الَّذِي يُرْجَعُ إلَى الْمُظَاهَرِ بِهِ فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ النِّسَاءِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي أَوْ ابْنِي لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ عُرْفًا مُوجِبًا بِالشَّرْعِ، وَالشَّرْعُ إنَّمَا وَرَدَ بِهَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمُظَاهَرِ بِهِ امْرَأَةً.

وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ عُضْوًا لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْفَخِذِ وَالْفَرْجِ حَتَّى لَوْ شَبَّهَهَا بِرَأْسِ أُمِّهِ أَوْ بِوَجْهِهَا أَوْ يَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ مِنْ أُمِّهِ يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا.

وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ مِنْ امْرَأَةٍ يَحْرُمُ نِكَاحُهَا عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ سَوَاءٌ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِالرَّحِمِ كَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ وَبِنْتِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، أَوْ بِالرَّضَاعِ، أَوْ بِالصِّهْرِيَّةِ كَامْرَأَةِ أَبِيهِ وَحَلِيلَةِ ابْنِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُهُنَّ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَكَذَا أُمُّ امْرَأَتِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ امْرَأَتُهُ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَقْدِ عَلَى الْبِنْتِ مُحَرِّمٌ لِلْأُمِّ فَكَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ.

وَأَمَّا بِنْتُ امْرَأَتِهِ فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ مَدْخُولًا بِهَا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا دَخَلَ بِهَا فَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ ابْنَتُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا لِعَدَمِ الْحُرْمَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَلَوْ شَبَّهَهَا بِظَهْرِ امْرَأَةٍ زَنَى بِهَا أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ مُظَاهِرٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَيْسَ بِمُظَاهِرٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَاضِيًا لَوْ قَضَى بِجَوَازِ نِكَاحِ امْرَأَةٍ زَنَى بِهَا أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ حَتَّى لَوْ رُفِعَ قَضَاؤُهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَبْطَلَهُ فَكَانَتْ مُحَرَّمَةَ النِّكَاحِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يُبْطِلَهُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ فَلَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ.

(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ حُرْمَةَ نِكَاحِ مَوْطُوءَةِ الْأَبِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا قَالَ اللَّهَ تَعَالَى ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٢] ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي اللُّغَةِ الضَّمُّ وَحَقِيقَةُ الضَّمِّ فِي الْوَطْءِ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ إذْ الِاجْتِهَادُ الْمُخَالِفُ لِلنُّصُوصِ بَاطِلٌ فَالْقَضَاءُ بِالْجَوَازِ يَكُونُ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ فَكَانَ بَاطِلًا بِخِلَافِ مَا إذَا شَبَّهَهَا بِامْرَأَةٍ قَدْ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِاللِّعَانِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِجَوَازِ نِكَاحِهَا جَازَ لِأَنَّ حُرْمَةَ نِكَاحِهَا غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فَلَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْيِيدِ.

وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ جَوَازَ نِكَاحِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ ظَاهِرُ الِاجْتِهَادِ، وَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ ظَهَرَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ فِي السَّلَفِ فَكَانَ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ، وَظَاهِرُ النَّصِّ مُحْتَمِلُ التَّأْوِيلِ فَكَانَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا وَلِلرَّأْيِ مَجَالًا.

وَلَوْ شَبَّهَهَا بِظَهْرِ امْرَأَةٍ هِيَ أُمُّ الْمَزْنِيِّ بِهَا أَوْ بِنْتُ الْمَزْنِيِّ بِهَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا؛ لِأَنَّ هَذَا فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ ظَاهِرُ الِاجْتِهَادِ فِي السَّلَفِ فَلَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ الْمُظَاهَرُ بِهَا مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ وَلَوْ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ شَبَّهَ زَوْجَتَهُ بِابْنَتِهَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْوَطْءَ، الْوَطْءُ أَبْيَنُ وَأَظْهَرُ عَنَى بِذَلِكَ لَوْ شَبَّهَ زَوْجَتَهُ بِبِنْتِ مَوْطُوءَتِهِ فَلَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا فَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّقْبِيلَ وَاللَّمْسَ وَالنَّظَرَ إلَى الْفَرْجِ سَبَبٌ مُفْضٍ إلَى الْوَطْءِ فَكَانَ دُونَ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ فَلَمَّا لَمْ يَصِرْ مُظَاهِرًا بِذَلِكَ فَبِهَذَا أَوْلَى.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ مُظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِالنَّظَرِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا قَالَ النَّبِيُّ : «مَنْ كَشَفَ خِمَارَ امْرَأَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا» وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا شَبَّهَهَا بِامْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ فِي حَالٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>