للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ أَوْ بِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ أَمْرِهِ.

وَذَلِكَ نَوْعَانِ: تَوْكِيلٌ، وَتَفْوِيضٌ أَمَّا التَّفْوِيضُ فَنَحْوُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: أَمْرُكِ بِيَدِكِ وَقَوْلِهِ اخْتَارِي، وَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ وَقَوْلِهِ: طَلِّقِي نَفْسَكِ.

[فَصْلٌ فِي قَوْلِهِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ]

(فَصْلٌ) :

أَمَّا قَوْلُهُ: أَمْرُك بِيَدِك فَالْكَلَامُ فِيهِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ صِفَةِ هَذَا التَّفْوِيضِ، وَهُوَ جَعْلُ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِهِ، وَفِي بَيَانِ شَرْطِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ، وَفِي بَيَانِ شَرْطِ بَقَائِهِ وَمَا يَبْطُلُ بِهِ وَمَا لَا يَبْطُلُ، وَفِي بَيَانِ صِفَةِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ وَفِي بَيَانِ مَا يَصْلُحُ جَوَابَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَبَيَانُ حُكْمِهَا إذَا وُجِدَتْ أَمَّا بَيَانُ صِفَتِهِ فَهُوَ أَنَّهُ لَازِمٌ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَلَا نَهْيَ الْمَرْأَةِ عَمَّا جُعِلَ إلَيْهَا وَلَا فَسْخَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ وَمَنْ مَلَّكَ غَيْرَهُ شَيْئًا فَقَدْ زَالَتْ وِلَايَتُهُ مِنْ الْمِلْكِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِالرُّجُوعِ وَالنَّهْيِ وَالْفَسْخِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْإِيجَابَ مِنْ الْبَائِعِ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ، بَلْ هُوَ أَحَدُ رُكْنَيْ الْبَيْعِ فَاحْتُمِلَ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ وُجُودِهِ لَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ وَالْفَسْخَ فَكَذَا بَعْدَ إيجَابِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ تَمَامِهِ فَيَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَالرُّجُوعَ بَعْدَ إيجَابِهِ أَيْضًا؛ وَلِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ التَّمْلِيكِ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَلَا يُحْتَمَلُ الرُّجُوعُ عَنْهُ.

وَالْفَسْخُ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ الْمُطْلَقَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ رَأْسًا وَكَذَلِكَ لَوْ قَامَ هُوَ عَنْ الْمَجْلِسِ لَا يَبْطُلُ الْجَعْلُ؛ لِأَنَّ قِيَامَهُ دَلِيلُ الْإِبْطَالِ لِكَوْنِهِ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ بِصَرِيحِ إبْطَالِهِ كَيْفَ يَبْطُلُ بِدَلِيلِ الْإِبْطَالِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ إذَا أَوْجَبَ الْبَائِعُ ثُمَّ قَامَ قَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ يَبْطُلُ الْإِيجَابُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ فَجَازَ أَنْ يَبْطُلَ بِدَلِيلِ الْإِبْطَالِ.

وَأَمَّا مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْأَمْرَ بِيَدِهَا فَقَدْ خَيَّرَهَا بَيْنَ اخْتِيَارهَا نَفْسَهَا فِي التَّطْلِيقِ وَبَيْنَ اخْتِيَارهَا زَوْجَهَا، وَالتَّخْيِيرُ بِنَا فِي اللُّزُومَ.

(وَأَمَّا) حُكْمُهُ فَهُوَ صَيْرُورَةُ الْأَمْرِ بِيَدِهَا فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ بِيَدِهَا فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَعْلِ، وَالْمَحِلُّ قَابِلٌ لِلْجَعْلِ فَيَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا.

(وَأَمَّا) شَرْطُ صَيْرُورَةِ الْأَمْرِ بِيَدِهَا فَشَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا نِيَّةُ الزَّوْجِ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الطَّلَاقِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إيقَاعَهُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الطَّلَاقِ، فَكَيْفَ يَمْلِكُ تَفْوِيضَهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الطَّلَاقِ؟ حَتَّى لَوْ قَالَ الزَّوْجُ مَا أَرَدْتُ بِهِ الطَّلَاقَ يُصَدَّقُ وَلَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ إلَّا إذَا كَانَ الْحَالُ حَالَ الْغَضَبِ وَالْخُصُومَةِ أَوْ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ.

لِأَنَّ الْحَالَ تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ ظَاهِرًا فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْعُدُولِ عَنْ الظَّاهِرِ، فَإِنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ ادَّعَتْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَالِ الْغَضَبِ أَوْ فِي حَالِ ذِكْرِ الطَّلَاقِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي عَلَيْهِ الطَّلَاقَ وَهُوَ يُنْكِرُ فَإِنْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَالِ الْغَضَبِ أَوْ ذِكْرِ الطَّلَاقِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهَا؛ لِأَنَّ حَالَ الْغَضَبِ وَذِكْرَ الطَّلَاقِ يَقِفُ الشُّهُودَ عَلَيْهَا وَيَتَعَلَّقُ عِلْمُهُمْ بِهَا فَكَانَتْ شَهَادَتُهُمْ عَنْ عِلْمٍ بِالْمَشْهُودِ بِهِ فَتُقْبَلُ، وَلَوْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ نَوَى الطَّلَاقَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا وُقُوفَ لِلشُّهُودِ عَلَى النِّيَّةِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ فِي الْقَلْبِ فَكَانَتْ هَذِهِ شَهَادَةً لَا عَنْ عِلْمٍ بِالْمَشْهُودِ بِهِ فَلَمْ تُقْبَلْ.

وَالثَّانِي عِلْمُ الْمَرْأَةِ بِجَعْلِ الْأَمْرِ بِيَدِهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ أَوْ حَاضِرَةٌ لَمْ تَسْمَعْ لَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا مَا لَمْ تَسْمَعْ أَوْ يَبْلُغْهَا الْخَبَرُ لِأَنَّ مَعْنَى صَيْرُورَةِ الْأَمْرِ بِيَدِهَا فِي الطَّلَاقِ هُوَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهَا وَهُوَ اخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا بِالطَّلَاقِ أَوْ زَوْجَهَا بِتَرْكِ الطَّلَاقِ اخْتِيَارَ الْإِيثَارِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالتَّخْيِيرِ فَإِذَا عَلِمَتْ بِالتَّخْيِيرِ صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ عَلِمَتْ إنْ كَانَ التَّفْوِيضُ مُطْلَقًا عَنْ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ وَعَلِمَتْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْوَقْتِ صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا.

فَأَمَّا إذَا عَلِمَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ كُلِّهِ لَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا بِهَذَا التَّفْوِيضِ أَبَدًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِلْمٌ لَا يَنْفَعُ؛ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ الْمُؤَقَّتَ بِوَقْتٍ يَنْتَهِي عِنْدَ انْتِهَاءِ الْوَقْتِ فَلَوْ صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَصَارَ مِنْ غَيْرِ تَفْوِيضِهِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ.

(وَأَمَّا) بَيَانُ شَرْطِ بَقَاءِ هَذَا الْحُكْمِ وَمَا يَبْطُلُ بِهِ وَمَا لَا يَبْطُلُ فَلَنْ يُمْكِنَ مَعْرِفَتُهُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَقْسَامِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ جَعْلُ الْأَمْرِ بِالْيَدِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُنَجَّزًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى وَقْتٍ وَالْمُنَجَّزُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُؤَقَّتًا، فَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا بِأَنْ قَالَ: أَمْرُكِ بِيَدِك فَشَرْطُ بَقَاءِ حُكْمِهِ بَقَاءُ الْمَجْلِسِ وَهُوَ مَجْلِسُ عِلْمِهَا بِالتَّفْوِيضِ فَمَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا فَالْأَمْرُ بِيَدِهَا؛ لِأَنَّ جَعْلَ الْأَمْرِ بِيَدِهَا تَمْلِيكُ الطَّلَاقِ مِنْهَا لِأَنَّهُ جَعَلَ أَمَرَهَا فِي الطَّلَاقِ بِيَدِهَا تَتَصَرَّفُ فِيهِ بِرَأْيِهَا وَتَدْبِيرِهَا كَيْفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>