للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَاءَتْ بِمَشِيئَةِ الْإِيثَارِ وَهَذَا مَعْنَى الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ عَنْ مَشِيئَةِ الْإِيثَارِ.

وَالزَّوْجُ يَمْلِكُ التَّطْلِيقَ بِنَفْسِهِ فَيَمْلِكُ تَمْلِيكَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَصَارَتْ مَالِكَةً لِلطَّلَاقِ بِتَمْلِيكِ الزَّوْجِ، وَجَوَابُ التَّمْلِيكِ مُقَيَّدٌ بِالْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ الْخِطَابَ، وَكُلُّ مَخْلُوقٍ خَاطَبَ غَيْرَهُ يَطْلُبُ جَوَابَ خِطَابِهِ فِي الْمَجْلِسِ فَيَتَقَيَّدُ جَوَابُ التَّمْلِيكِ بِالْمَجْلِسِ كَمَا فِي قَبُولِ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ قَصُرَ الْمَجْلِسُ أَوْ طَالَ؛ لِأَنَّ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ جُعِلَتْ كَسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمَجْلِسِ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّأَمُّلِ وَالتَّفَكُّرِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ وَلَا ضَابِطَ لَهُ إلَّا الْمَجْلِسَ فَقُدِّرَ بِالْمَجْلِسِ وَلِهَذَا جَعَلَهُ الصَّحَابَةُ لَلْمُخَيَّرَةِ فَيَبْقَى الْأَمْرُ فِي يَدِهَا مَا بَقِيَ الْمَجْلِسُ فَإِنْ قَامَتْ عَنْ مَجْلِسِهَا بَطَلَ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَطْلُبُ جَوَابَ التَّمْلِيكِ فِي الْمَجْلِسِ، وَالْقِيَامُ عَنْ الْمَجْلِسِ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ عَنْ جَوَابِ التَّمْلِيكِ فَكَانَ رَدًّا لِلتَّمْلِيكِ دَلَالَةً؛ وَلِأَنَّ الْمَالِكَ لَمَّا طَلَبَ الْجَوَابَ فِي الْمَجْلِسِ لَا يَمْلِكُ الْجَوَابَ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ مَا مَلَّكَهَا فِي غَيْرِهِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ بِالْقِيَامِ فَلَمْ يَكُنْ فِي بَقَاءِ الْأَمْرِ فَائِدَةٌ فَيَبْطُلُ، وَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ مِنْهَا قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضِهَا عَنْ الْجَوَابِ بِأَنْ دَعَتْ بِطَعَامٍ لِتَأْكُلَ أَوْ أَمَرَتْ وَكِيلَهَا بِشَيْءٍ أَوْ خَاطَبَتْ إنْسَانًا بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فَرَكِبَتْ أَوْ رَاكِبَةً فَانْتَقَلَتْ إلَى دَابَّةٍ أُخْرَى أَوْ وَاقِفَةً فَسَارَتْ أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ اغْتَسَلَتْ أَوْ مَكَّنَتْ زَوْجَهَا حَتَّى وَطِئَهَا أَوْ اشْتَغَلَتْ بِالنَّوْمِ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْجَوَابِ وَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً أَوْ كَانَا فِي مَحْمَلٍ وَاحِدٍ فَإِنْ أَجَابَتْ عَلَى الْفَوْرِ وَإِلَّا بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ بِتَسْيِيرِ الرَّاكِبِ، وَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً فَوَقَفَتْ الدَّابَّةُ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي سَفِينَةٍ فَسَارَتْ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْبَيْتِ؛ وَكُلُّ مَا يَبْطُلُ بِهِ الْخِيَارُ إذَا كَانَتْ فِي الْبَيْتِ يَبْطُلُ بِهِ إذَا كَانَتْ فِي السَّفِينَةِ وَمَا لَا فَلَا فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَقَعَدَتْ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ قَاعِدَةً فَقَامَتْ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ يَجْمَعُ الرَّأْيَ وَالْقِيَامَ يُفَرِّقُهُ فَكَانَ الْقُعُودُ دَلِيلَ إرَادَةِ التَّأَمُّلِ، وَالْقِيَامُ دَلِيلَ إرَادَة الْإِعْرَاضِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ مُتَّكِئَةً فَقَعَدَتْ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا لِمَا قُلْنَا فَإِنْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةً يَبْطُلُ خِيَارُهَا لِأَنَّ الْمُتَّكِئَ يَقْعُدُ لِيَجْتَمِعَ رَأْيُهُ فَأَمَّا الْقَاعِدُ فَلَا يَتَّكِئُ لِذَلِكَ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْمُتَأَمِّلَ يَنْتَقِلُ مِنْ الِاتِّكَاءِ إلَى الْقُعُودِ مِرَّةً وَمِنْ الْقُعُودِ إلَى الِاتِّكَاءِ أُخْرَى، وَقَدْ صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا بِيَقِينٍ فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ؛ فَلَوْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاضْطَجَعَتْ يَبْطُلُ خِيَارُهَا فِي قَوْلِ زُفَرَ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ عَنْهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ كَمَا قَالَ زُفَرُ وَإِنْ ابْتَدَأَتْ الصَّلَاةَ بَطَلَ خِيَارُهَا فَرْضًا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَوْ نَفْلًا أَوْ وَاجِبَةً؛ لِأَنَّ اشْتِغَالَهَا بِالصَّلَاةِ إعْرَاضٌ عَنْ الْجَوَابِ فَإِنْ خَيَّرَهَا وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ فَأَتَمَّتْهَا فَإِنْ كَانَتْ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ أَوْ الْوَاجِبِ كَالْوِتْرِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِي الْإِتْمَامِ لِكَوْنِهَا مَمْنُوعَةً مِنْ الْإِفْسَادِ فَلَا يَكُونُ الْإِتْمَامُ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ وَإِنْ كَانَتْ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فَإِنْ سَلَّمَتْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ زَادَتْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى الشَّفْعِ بِمَنْزِلَةِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ ابْتِدَاءً، وَلَوْ أُخْبِرَتْ وَهِيَ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ فَأَتَمَّتْ وَلَمْ تُسَلِّمْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَبْطُلُ خِيَارُهَا كَمَا فِي التَّطَوُّعِ الْمُطْلَقِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَبْطُلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْوَاجِبِ فَكَانَتْ مَنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا صَلَاةً وَاحِدَةً، وَلَوْ أَخَذَ الزَّوْجُ بِيَدِهَا فَأَقَامَهَا بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهَا إنْ قَدَرَتْ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَلَمْ تَمْتَنِعْ فَقَدْ قَامَتْ بِاخْتِيَارِهَا وَهُوَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ.

وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى أَنْ تَمْتَنِعَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَقُولَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ اخْتَرْتُ نَفْسِي فَلَمَّا لَمْ تَقُلْ فَقَدْ أَعْرَضَتْ عَنْ الْجَوَابِ فَإِنْ أَكَلَتْ طَعَامًا يَسِيرًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدْعُوَ بِطَعَامٍ أَوْ شَرِبَتْ شَرَابًا قَلِيلًا أَوْ نَامَتْ قَاعِدَةً أَوْ لَبِسَتْ ثَوْبًا وَهِيَ قَائِمَةٌ أَوْ لَبِسَتْ وَهِيَ قَاعِدَةٌ وَلَمْ تَقُمْ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى إحْضَارِ الشُّهُودِ فَتَحْتَاجُ إلَى اللُّبْسِ لِتَسْتَتِرَ بِهِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْخِيَارِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ، وَالْأَكْلُ الْيَسِيرُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَكَذَا النَّوْمُ قَاعِدَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ تَشْتَغِلَ بِهِ.

وَكَذَا إذَا سَبَّحَتْ أَوْ قَرَأَتْ شَيْئًا قَلِيلًا لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا لِأَنَّ التَّسْبِيحَ الْيَسِيرَ وَالْقِرَاءَةَ الْقَلِيلَةَ لَا يَدُلَّانِ عَلَى الْإِعْرَاضِ؛ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانِ لَا يَخْلُو عَنْ التَّسْبِيحِ الْقَلِيلِ وَالْقِرَاءَةِ الْقَلِيلَةِ، فَلَوْ جُعِلَ ذَلِكَ مُبْطِلًا لِلْخِيَارِ لَانْسَدَّ بَابُ التَّفْوِيضِ وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ بَطَلَ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الطَّوِيلَ مِنْهُ يَكُونُ دَلِيلَ الْإِعْرَاض وَلَا يَكْثُرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>