وُجُودُهُ، فَإِنْ قَالَتْ: اُدْعُ لِي شُهُودًا أُشْهِدُهُمْ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ صِيَانَةً لِاخْتِيَارِهَا عَنْ الْجُحُودِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْخِيَارِ فَلَمْ يَكُنْ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَتْ: اُدْعُ لِي أَبِي أَسْتَشِيرُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَحْتَاجُ إلَى الْمَشُورَةِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «لَمَّا أَرَادَ تَخْيِيرَ نِسَائِهِ قَالَ لِعَائِشَةَ ﵂: إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْك أَمْرًا فَلَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْك» ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَشُورَةُ مُبْطِلَةً لِلْخِيَارِ لَمَا نَدَبَهَا إلَى الْمَشُورَةِ، وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْتُك أَوْ قَالَتْ: لَا أَخْتَارُ الطَّلَاقَ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا؛ لِأَنَّهَا صَرَّحَتْ بِرَدِّ التَّمْلِيكِ وَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِدَلَالَةِ الرَّدِّ فَبِالصَّرِيحِ أَوْلَى، وَسَوَاءٌ كَانَ التَّمْلِيكُ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا أَوْ بِدُونِهَا بِأَنْ قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك كُلَّمَا شِئْت لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اخْتِيَارَهَا زَوْجَهَا رَدُّ التَّمْلِيكِ فَيَرْتَدُّ مَا جُعِلَ إلَيْهَا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ هَذَا إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ مُطْلَقًا عَنْ الْوَقْتِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مُوَقَّتًا فَإِنْ أَطْلَقَ الْوَقْتَ بِأَنْ قَالَ: أَمْرُكِ بِيَدِكِ إذَا شِئْتِ أَوْ إذَا مَا شِئْتِ أَوْ مَتَى مَا شِئْتِ أَوْ حَيْثُمَا شِئْتِ، فَلَهَا الْخِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِ الْمَجْلِسِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ رَدَّتْ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ رَدًّا.
وَلَوْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ أَوْ كَلَامٍ آخَرَ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّهُ مَا مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ مُطْلَقًا لِيَكُونَ طَالِبًا جَوَابَهَا فِي الْمَجْلِسِ، بَلْ مَلَّكَهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَتْ، فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَتْ إلَّا أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً لِمَا نَذْكُرُ فَإِنْ وَقَّتَهُ بِوَقْتٍ خَاصٍّ بِأَنْ قَالَ: أَمْرُكِ بِيَدِكِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً أَوْ قَالَ: الْيَوْمَ أَوْ الشَّهْرَ أَوْ السَّنَةَ أَوْ قَالَ: هَذَا الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ أَوْ هَذِهِ السَّنَةَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَلَهَا الْأَمْرُ فِي الْوَقْتِ كُلِّهِ تَخْتَارُ نَفْسَهَا فِيمَا شَاءَتْ مِنْهُ، وَلَوْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا أَوْ تَشَاغَلَتْ بِغَيْرِ الْجَوَابِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا مَا بَقِيَ الْوَقْتُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَيْهَا فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ فَيَبْقَى مَا بَقِيَ الْوَقْتُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَطَلَ الْأَمْرُ بِإِعْرَاضِهَا لَمْ يَكُنْ لِلتَّوْقِيتِ فَائِدَةٌ، وَكَانَ الْوَقْتُ وَغَيْرُ الْوَقْتِ سَوَاءً غَيْرَ أَنَّهُ إنْ ذَكَرَ الْيَوْمَ أَوْ الشَّهْرَ أَوْ السَّنَةَ مُنْكِرًا فَلَهَا الْأَمْرُ مِنْ السَّاعَةِ الَّتِي تَكَلَّمَ فِيهَا إلَى مِثْلِهَا مِنْ الْغَدِ وَالشَّهْرِ وَالسَّنَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى يَوْمٍ تَامٍّ وَشَهْرٍ تَامٍّ وَسَنَةٍ تَامَّةٍ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِمَا قُلْنَا.
وَيَكُونُ الشَّهْرُ هَهُنَا بِالْأَيَّامِ؛ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ إذَا وُجِدَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْأَهِلَّةِ فَيُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ وَإِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ مُعَرَّفًا فَلَهَا الْخِيَارُ فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ وَفِي بَقِيَّةِ الشَّهْرِ وَفِي بَقِيَّةِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ مِنْهُ يَقَعُ عَلَى الْبَاقِي وَيُعْتَبَرُ الشَّهْرُ هَهُنَا بِالْهِلَالِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّهْرِ هُوَ الْهِلَالُ، وَالْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ هَهُنَا، وَلَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي الْوَقْتِ مَرَّةً لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ مَرَّةً أُخْرَى؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي الْوَقْتَ وَلَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت زَوْجِي أَوْ قَالَتْ: لَا أَخْتَارُ الطَّلَاقَ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ حَتَّى لَا تَمْلِكَ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ بَقِيَ الْوَقْتُ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفُ يَبْطُلُ خِيَارُهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَلَا يَبْطُلُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، وَذُكِرَ فِي بَعْضِهَا الِاخْتِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ.
وَجْهُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا أَنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ بِيَدِهَا فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ، فَإِعْرَاضُهَا فِي بَعْضِ الْوَقْتِ لَا يُبْطِلُ خِيَارَهَا فِي الْجَمِيعِ كَمَا إذَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا أَوْ اشْتَغَلَتْ بِأَمْرٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ.
وَجْهُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا أَنَّ قَوْلَهَا: اخْتَرْتُ زَوْجِي رَدٌّ لِلتَّمْلِيكِ.
وَالتَّمْلِيكُ تَمْلِيكٌ وَاحِدٌ فَيَبْطُلُ بِرَدٍّ وَاحِدٍ كَتَمْلِيكِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَدٍّ حَقِيقَةً، بَلْ هُوَ امْتِنَاعٌ مِنْ الْجَوَابِ إلَّا أَنَّهُ جُعِلَ رَدًّا فِي التَّفْوِيضِ الْمُطْلَقِ مِنْ الْوَقْتِ ضَرُورَةَ أَنَّ الزَّوْجَ طَلَبَ الْجَوَابَ فِي الْمَجْلِسِ، وَالْمَجْلِسُ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ فَلَوْ بَقِيَ الْأَمْرُ بَقِيَ خَالِيًا عَنْ الْفَائِدَةِ فَبَطَلَ ضَرُورَةُ عَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الْبَقَاءِ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ مُنْعَدِمَةٌ هَهُنَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ طَلَبَ مِنْهَا الْجَوَابَ فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ لَا فِي الْمَجْلِسِ فَكَانَ فِي بَقَاءِ الْأَمْرِ بَعْدَ الْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ فَائِدَةٌ فَيَبْقَى؛ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ خَيَّرَهَا بَيْنَ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا وَبَيْنَ أَنْ تَخْتَارَ زَوْجَهَا وَلَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ فَكَذَا إذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَمْرُكِ بِيَدِك هَذَا الْيَوْمَ كَانَ عَلَى مَجْلِسِهَا؛ لِأَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ جَعَلَ الْيَوْمَ كُلَّهُ ظَرْفًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ كَمَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ عُمْرِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَوْمُ جَمِيعِ عُمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ عُمْرَهُ ظَرْفًا لِلصَّوْمِ، فَإِذَا صَارَ الْيَوْمُ كُلُّهُ ظَرْفًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي جُعِلَ جُزْءًا مِنْ الْيَوْمِ ظَرْفًا كَمَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ فِي عُمْرِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا صَوْمُ يَوْمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ جُزْءًا مِنْ عُمْرِهِ ظَرْفًا لِلصَّوْمِ، وَإِذَا صَارَ جُزْءًا مِنْ الْيَوْمِ ظَرْفًا لِلْأَمْرِ وَلَيْسَ جُزْءٌ أَوْلَى مِنْ جُزْءٍ فَيَخْتَصُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute