للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَرْضِ، فَنَبَتَتْ وَصَارَتْ بَقْلًا أَوْ بِالْبَيْضَةِ، فَصَارَتْ فَرْخًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِيمَا أَوْصَى بِهِ، فَيَثْبُتُ الرُّجُوعُ ضَرُورَةً هَذَا إذَا تَغَيَّرَ الْمُوصَى بِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ صَارَ شَيْئًا آخَرَ لِزَوَالِ مَعْنَاهُ، وَاسْمِهِ، فَتَعَذَّرَ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فِيمَا أَوْصَى بِهِ.

وَأَمَّا إذَا تَغَيَّرَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَحُكْمُهُ يُذْكَرُ فِي بَيَانِ مَا تَبْطُلُ بِهِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، وَلَوْ أَوْصَى بِرُطَبِ هَذَا النَّخْلِ، فَصَارَ بُسْرًا فَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ لِتَغَيُّرِ الْمُوصَى بِهِ، وَهُوَ الرُّطَبُ مِنْ الرُّطُوبَةِ إلَى الْيُبُوسَةِ.

وَزَوَالِ اسْمِهِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الذَّاتِ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ بَقِيَ مِنْ وَجْهٍ.

أَلَا يَرَى أَنَّ غَاصِبًا لَوْ غَصَبَ رُطَبَ إنْسَانٍ، فَصَارَ تَمْرًا فِي يَدِهِ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بَلْ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ تَمْرًا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ رُطَبًا مِثْلَ رُطَبِهِ.

[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ حُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَالْوَصِيَّةُ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ: وَصِيَّةٌ بِالْمَالِ، وَوَصِيَّةٌ بِفِعْلٍ مُتَعَلِّقٍ بِالْمَالِ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْمَالِ، أَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ فَحُكْمُهَا ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ لِلْمُوصَى لَهُ.

وَالْمَالُ قَدْ يَكُونُ عَيْنًا، وَقَدْ يَكُونُ مَنْفَعَةً، وَيَتَعَلَّقُ بِالْمِلْكِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحْكَامٌ أَمَّا مِلْكُ الْعَيْنِ فَحُكْمُ مُطْلَقِ مِلْكِهِ، وَحُكْمُ سَائِرِ الْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ بِالْأَسْبَابِ الْمَوْضُوعَةِ لَهَا سَوَاءٌ كَالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَنَحْوِهَا، فَيَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهَا بِالِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهَا، وَالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِهِ بَيْعًا، وَهِبَةً، وَوَصِيَّةً؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ بِسَبَبٍ مُطْلَقٍ، فَيَظْهَر فِي الْأَحْكَامِ كُلِّهَا، وَيَظْهَرُ فِي الزَّوَائِدِ الْمُتَّصِلَةِ أَوْ الْمُنْفَصِلَةِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي سَوَاءٌ حَدَثَتْ بَعْدَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ أَوْ قَبْلَ قَبُولِهِ بِأَنْ حَدَثَتْ ثَمَّ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ، أَمَّا بَعْدَ الْقَبُولِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَ مِلْكِ الْأَصْلِ، وَمِلْكُ الْأَصْلِ مُوجِبٌ مِلْكَ الزِّيَادَةِ.

(وَأَمَّا) قَبْلَ الْقَبُولِ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبُولِ ثَبَتَ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ صَارَ سَبَبًا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ وَقْتَ الْمَوْتِ لِكَوْنِهِ مُضَافًا إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ، فَصَارَ سَبَبًا عِنْدَ الْمَوْتِ، فَإِذَا قُبِلَ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِوُجُودِ السَّبَبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَالْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي إذَا وَلَدَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ثُمَّ أَجَازَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ إنَّهُ يَمْلِكُ الْوَلَدَ؛ لِمَا قُلْنَا، كَذَا هَذَا.

وَكَانَتْ الزَّوَائِدُ مُوصًى بِهَا حَتَّى يُعْتَبَرَ خُرُوجُهَا مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا بِوَاسِطَةِ مِلْكِ الْأَصْلِ مُضَافٌ إلَى كَلَامٍ سَابِقٍ كَأَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهَلْ يَكُونُ مُوصًى بِهَا بَعْدَ الْقَبُولِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؟ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْأَصْلِ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكُونُ حَتَّى لَا يُعْتَبَرَ فِيهَا الثُّلُثُ.

وَيَكُونُ فِي جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا لَوْ حَدَثَتْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَ مِلْكِ الْأَصْلِ.

وَقَالَ عَامَّتُهُمْ: يَكُونُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْأَصْلِ، وَإِنْ ثَبَتَ لَكِنَّهُ لَمْ يَتَأَكَّدْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ ثُلُثُ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ بِحَيْثُ لَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ كَانَتْ لَهُ الْجَارِيَةُ بِقَدْرِ ثُلُثِ الْبَاقِي، وَيَسْتَوِي فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ فِي مَعْنَى الْمُتَوَلِّدَةِ كَالْوَلَدِ، وَالْأَرْشِ، وَالْعُقْرِ وَمَا لَمْ يَكُنْ مُتَوَلِّدًا مِنْ الْأَصْلِ رَأْسًا كَالْكَسْبِ.

وَالْغَلَّةِ فَرْقًا بَيْنَ الْوَصِيَّةِ، وَبَيْنَ الْبَيْعِ حَيْثُ أَلْحَقَ الْكَسْبَ، وَالْغَلَّةَ بِالْمُتَوَلَّدِ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَمْ يُلْحِقْهُمَا فِي الْبَيْعِ، وَالْفَرْقُ: أَنَّ الْكَسْبَ، وَالْغَلَّةَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمَنْفَعَةُ تُمَلَّكُ بِالْوَصِيَّةِ مَقْصُودًا كَذَا بَدَلُهَا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ ثُمَّ إذَا صَارَتْ الزَّوَائِدُ مُوصًى بِهَا حَتَّى يُعْتَبَرَ خُرُوجُهَا مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ مَعَ الزِّيَادَةِ يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ يُعْطَيَانِ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْرُجَانِ جَمِيعًا مِنْ الثُّلُثِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ Object يُعْطَى لِلْمُوصَى لَهُ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ يُعْطَى مِنْ الزِّيَادَةِ بِقَدْرِ مَا فَضَلَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - يُعْطَى الثُّلُثَ مِنْهُمَا جَمِيعًا بِقَدْرِ الْحِصَصِ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا: أَنَّ الزِّيَادَةَ إنْ صَارَتْ مُوصًى بِهَا صَارَتْ كَالْمَوْجُودَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ، فَيُعْطَى الثُّلُثَ مِنْهُمَا جَمِيعًا.

أَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ: أَنَّ فِيهِ تَغْيِيرَ حُكْمِ الْعَقْدِ فِي الْأَصْلِ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ لَكِنَّ هَذَا جَائِزٌ، كَمَا فِي الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَنَّ الْقَوْلَ بِانْقِسَامِ الثُّلُثِ عَلَى الْأَصْلِ، وَالزِّيَادَةِ إضْرَارٌ بِالْمُوصَى لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، بَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ فِي الْأَصْلِ قَبْلَ حُدُوثِ الزِّيَادَةِ كَانَ سَلَامَةَ كُلِّ الْجَارِيَةِ لِلْمُوصَى لَهُ، وَبَعْدَ الِانْقِسَامِ لَا تَسْلَمُ الْجَارِيَةُ لَهُ بَلْ تَصِيرُ مُشْتَرَكَةً، وَالشَّرِكَةُ فِي الْأَعْيَانِ عَيْبٌ خُصُوصًا فِي الْجَوَارِي، فَيَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُوصَى لَهُ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى إلْحَاقِ هَذَا الضَّرَرِ لِإِمْكَانِ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ فِي الْأَصْلِ بِدُونِ الزِّيَادَةِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ، فَإِنَّ هُنَاكَ ضَرُورَةً لِتَعَذُّرِ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ فِي الْأَصْلِ بِدُونِ الزِّيَادَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّمْيِيزِ، فَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَى التَّنْفِيذِ فِيهِمَا مِنْ الثُّلُثِ.

وَأَمَّا الزَّوَائِدُ الْحَادِثَةُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَا يَمْلِكُهَا الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ قَبْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>