للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَدْ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ وَأَرَادَ التَّخْفِيفَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَلَوْ أَخَذَ بِهِ ثَوْبًا أَوْ عَرَضًا فَقَبَضَ الْعَرْضَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ لِلْمَالِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِأَخْذِ الْعِوَضِ كَمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِأَخْذِ نَفْسِ الْحَقِّ وَلَوْ حَلَفَ الطَّالِبُ لَيَأْخُذَن مَالَهُ مِنْهُ أَوْ لَيَقْضِيَنه أَوْ لَيَسْتَوْفِيَنه وَلَمْ يُوَقِّتْ وَقْتًا فَأَبْرَأَهُ مِنْ الْمَالِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَيْسَ بِقَبْضٍ وَلَا اسْتِيفَاءٍ فَفَاتَ شَرْطُ الْبِرِّ فَحَنِثَ وَلَوْ كَانَ وَقَّتَ وَقْتًا فَقَالَ الْيَوْمَ أَوْ إلَى كَذَا وَكَذَا فَأَبْرَأَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إذَا جَاوَزَ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْنَثُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ الْمُوَقَّتَةَ يَتَعَلَّقُ انْعِقَادُهَا بِآخِرِ الْوَقْتِ عِنْدَهُمَا فَكَأَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ لَأَقْبِضَنَّ مِنْهُ دَيْنِي وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَلَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عِنْدَهُمَا وَتَنْعَقِدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيَحْنَثُ.

أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ إذَا حَلَفَ لَيَشْرَبَن الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَأُهْرِيقَ الْمَاءُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ قَبَضَ الدَّيْنَ فَوَجَدَهُ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً فَهُوَ قَبْضٌ وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَلِفُ عَلَى الْقَبْضِ أَوْ عَلَى الدَّفْعِ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُهُمَا فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ فَوَقَعَ بِهِمَا الِاقْتِضَاءُ وَإِنْ كَانَتْ سَتُّوقَةً فَلَيْسَ هَذَا بِقَبْضٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّجَوُّزُ بِهَا فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ وَكَذَلِكَ لَوْ رَدَّ الثَّوْبَ الَّذِي أَخَذَ عَنْ الدَّيْنِ بِعَيْبٍ أَوْ اُسْتُحِقَّ كَانَ قَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَكَانَ هَذَا قَبْضًا لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ وَكَذَا الْمُسْتَحَقُّ يَصِحُّ قَبْضُهُ ثُمَّ يَبْطُلُ لِعَدَمِ الْإِجَازَةِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِنْثُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ قَالُوا إذَا اشْتَرَى بِدَيْنِهِ بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبَضَهُ فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالْحَقِّ فَهُوَ قَابِضٌ لِدَيْنِهِ وَلَا يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ حَنِثَ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الْقِيمَةُ لَا الْمُسَمَّى وَلَوْ غَصَبَ الْحَالِفُ مَالًا مِثْلَ دَيْنِهِ بَرَّ لِأَنَّهُ وَقَعَ الِاقْتِضَاءُ بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَ لَهُ دَنَانِيرَ أَوْ عُرُوضًا لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ فَيَصِيرُ قِصَاصًا.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَتَّزِنْ مِنْ فُلَانٍ مَا لِي عَلَيْهِ أَوْ لَمْ أَقْبِضْ مَا لِي عَلَيْهِ فِي كِيسٍ أَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَقْبِضْ مَا لِي عَلَيْك دَرَاهِمَ أَوْ بِالْمِيزَانِ أَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَقْبِضْ دَرَاهِمَ قَضَاءً مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي لِي عَلَيْك فَأَخَذَ بِذَلِكَ عَرَضًا أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُوزَنُ مِنْ الزَّعْفَرَانِ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ حَانِثٌ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْوَزْنَ وَالْكِيسَ وَالدَّرَاهِمَ فَقَدْ وَقَعَتْ يَمِينُهُ عَلَى جِنْسِ حَقِّهِ فَإِذَا أَخَذَ عِوَضًا عَنْهُ حَنِثَ

[فَصْلٌ فِي الْحَالِفِ عَلَى الْهَدْمِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الْحَالِفُ عَلَى الْهَدْمِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ وَسَمِعْت أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَهْدِمَن هَذِهِ الدَّارَ فَإِنْ هَدَمَ سُقُوفَهَا بَرَّ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُزِيلَ اسْمَ الدَّارِ بِالْهَدْمِ لِأَنَّهُ لَوْ هَدَمَ جَمِيعَ بِنَائِهَا لَكَانَتْ بِذَلِكَ تُسَمَّى دَارَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ فَحُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْكَسْرِ قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا حَلَفَ لَيَنْقُضَن هَذَا الْحَائِطَ أَوْ لَيَهْدِمَنهُ الْيَوْمَ فَنَقَضَ بَعْضَهُ أَوْ هَدَمَ بَعْضَهُ وَلَمْ يَهْدِمْ مَا بَقِيَ حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ يَحْنَثُ قَالَ وَالْهَدْمُ عِنْدَنَا أَنْ يَهْدِمَ حَتَّى يُبْقِيَ مِنْهُ مَا لَا يُسَمَّى حَائِطًا لِأَنَّ الْحَائِطَ يُمْكِنُ هَدْمُهُ حَتَّى يُزِيلَ الِاسْمَ عَنْهُ فَوَقَعَتْ الْيَمِينُ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الدَّارِ فَإِنْ نَوَى هَدْمَ بَعْضِهِ صُدِّقَ دِيَانَةً لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى هَدْمًا بِمَعْنَى الْكَسْرِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَيَكْسِرَن هَذَا الْحَائِطَ فَكَسَرَ بَعْضَهُ بَرَّ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ حَائِطٌ مَكْسُورٌ فَلَا يُعْتَبَرُ مَا يُزِيلُ بِهِ اسْمَ الْحَائِطِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَهُنَا أَلْفَاظًا ثَلَاثَةً الْهَدْمُ وَالنَّقْضُ وَالْكَسْرُ وَالْمَسَائِلُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ مَعْنَى كُلِّ لَفْظٍ فَالْهَدْمُ اسْمٌ لِإِزَالَةِ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْبِنَاءِ فَإِنْ فَعَلَ فِي الْحَائِطِ فِعْلًا يُنْظَرُ إنْ بَقِيَ بَعْدَهُ مَا يُسَمَّى مَبْنِيًّا حَنِثَ لِأَنَّهُ لَا وُجُودَ لِلشَّيْءِ مَعَ وُجُودِ مَا يُضَادُّهُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مَا يُسَمَّى مَبْنِيًّا بَرَّ لِتَحْقِيقِهِ فِي نَفْسِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ﴾ [الحج: ٤٠] وَالْمُرَادُ مِنْهُ اسْتِئْصَالُهَا لَا إحْدَاث صَدْعٍ أَوْ وَهَنٍ فِي أَبْنِيَتِهَا وَكَذَلِكَ النَّقْضُ يُقَالُ فُلَانٌ نَقَضَ بَيْتَهُ كَذَا أَيْ أَزَالَهَا وَلَوْ نَقَضَ بَعْضَ الْحَائِطِ أَوْ هَدَمَ بَعْضَهُ.

وَقَالَ عَنَيْت بِهِ بَعْضَهُ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى Object لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ الْعُمُومِ وَإِنَّهُ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الظَّاهِرِ وَالْكَسْرُ عِبَارَةٌ عَنْ إحْدَاثِ صَدْعٍ أَوْ شَقٍّ فِيمَا صَلُبَ مِنْ الْأَجْسَامِ بِمَنْزِلَةِ الْخَرْقِ فِيمَا اسْتَرْخَى مِنْهَا فَإِذَا ثَبَتَ فِيهِ هَذَا فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَإِنْ بَقِيَ التَّرْكِيبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[فَصْلٌ فِي الْحَلِفِ عَلَى الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ قَالَ الْمُعَلَّى سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَيَضْرِبَنهَا حَتَّى يَقْتُلَهَا أَوْ حَتَّى تُرْفَعَ مَيِّتَةً وَلَا نِيَّةَ لَهُ قَالَ إنْ ضَرَبَهَا ضَرْبًا شَدِيدًا كَأَشَدِّ الضَّرْبِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِمِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ فِي الْعَادَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>