للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ.

وَلَوْ حَمَلَتْ الْمُعْتَدَّةُ فِي عِدَّتِهَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ مَنْ حَمَلَتْ فِي عِدَّتِهَا فَالْعِدَّةُ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ وَقَدْ فَصَلَ مُحَمَّدٌ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَنْ مَاتَ عَنْ امْرَأَتِهِ وَهُوَ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ ثُمَّ حَمَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَعِدَّتُهَا الشُّهُورُ، فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَنْتَقِلُ بِوُجُودِ الْحَمْلِ مِنْ الْأَشْهُرِ إلَى وَضْعِ الْحَمْلِ، قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ فَحَبِلَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَعُلِمَ بِذَلِكَ فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا.

وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّ وَضْعَ الْحَمْلِ أَصْلُ الْعِدَدِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ وُضِعَتْ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ، وَلَا شَيْءَ أَدَلُّ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ وَضْعِ الْحَمْلِ فَيَجِبُ أَنْ يَسْقُطَ مَعَهُ مَا سِوَاهُ كَمَا تَسْقُطُ الشُّهُورُ مَعَ الْحَيْضِ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ أَنَّ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَتَغَيَّرُ بِوُجُودِ الْحَمْلِ بَعْدَ الْوَفَاةِ وَلَا تَنْتَقِلُ مِنْ الْأَشْهُرِ إلَى وَضْعِ الْحَمْلِ بِخِلَافِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ.

وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعِدَّتَيْنِ أَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ إنَّمَا وَجَبَتْ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَتَأَدَّى بِالْأَشْهُرِ مَعَ وُجُودِ الْحَيْضِ وَكَذَا تَجِبُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِإِظْهَارِ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ، وَكَانَ الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ هُوَ الْأَشْهُرُ إلَّا إذَا كَانَتْ حَامِلًا وَقْتَ الْوَفَاةِ فَيَتَعَلَّقُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَإِذَا كَانَتْ حَامِلًا بَقِيَتْ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِوُجُودِ الْحَمْلِ فَلَا تَنْتَقِلُ، بِخِلَافِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الِاسْتِبْرَاءُ، وَوَضْعُ الْحَمْلِ أَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ فَإِذَا قَدَرَتْ عَلَيْهِ سَقَطَ مَا سِوَاهُ، أَوْ يُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ عَلَى الْخُصُوصِ وَهِيَ الَّتِي حَبِلَتْ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ، وَذِكْرُ الْعَامِّ عَلَى إرَادَةِ الْخَاصِّ مُتَعَارَفٌ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ: إنَّهَا إذَا حَبِلَتْ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهَا حَبِلَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَقَدْ حَكَمْنَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَعْدَ الْوَضْعِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فِي عِدَّتِهَا فَيُحْكَمَ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

[فَصْلٌ فِي تَغْيِيرُ الْعِدَّةِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا تَغْيِيرُ الْعِدَّةِ فَنَحْوُ الْأَمَةِ إذَا طَلُقَتْ ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا تَتَغَيَّرُ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الزَّوْجِيَّةَ، فَهَذِهِ حُرَّةٌ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَهِيَ زَوْجَتُهُ فَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ كَمَا إذَا عَتَقَهَا الْمَوْلَى ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ، وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا لَا تَتَغَيَّرُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَتَغَيَّرُ فِيهِمَا جَمِيعًا.

وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِدَّةِ هُوَ الْكَمَالُ وَإِنَّمَا النُّقْصَانُ بِعَارِضِ الرِّقِّ فَإِذَا أُعْتِقَتْ فَقَدْ زَالَ الْعَارِضُ وَأَمْكَنَ تَكْمِيلُهَا فَتَكْمُلُ، وَلَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ أَوْجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةَ الْإِمَاءِ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَهَا وَهِيَ أَمَةٌ وَالْإِعْتَاقُ وُجِدَ وَهِيَ مُبَانَةٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ كَعِدَّةِ الْوَفَاةِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ فَوُجِدَ الْإِعْتَاقُ وَهِيَ زَوْجَتُهُ فَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَهِيَ حُرَّةٌ فَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ.

وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ بِأَنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَمْلُوكَةً وَقْتَ الْإِيلَاءِ ثُمَّ أُعْتِقَتْ أَنَّهُ تَنْقَلِبُ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ وَإِنْ كَانَ الْإِيلَاءُ طَلَاقًا بَائِنًا، وَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجْعِيِّ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ فِي الْإِيلَاءِ لَا تَثْبُتُ لِلْحَالِ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَكَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةً لِلْحَالِ فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ بِأَنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ رَجْعِيًّا ثُمَّ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى، وَهُنَاكَ تَنْقَلِبُ عِدَّتُهَا عِدَّةَ الْحَرَائِرِ فَكَذَا مُدَّتُهَا هَهُنَا، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ لِلْحَالِ وَقَدْ وَجَبَتْ عِدَّةُ الْإِمَاءِ بِالطَّلَاقِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ بِالْعِتْقِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ إذَا رَاجَعَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا: عَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: إنَّهَا تُكْمِلُ الْعِدَّةَ.

وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهَا تَعْتَدُّ عَنْ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ لَا عَنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الثَّانِي طَلَاقٌ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يُوجِبُ الْعِدَّةَ، وَلَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّانِي طَلَاقٌ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَيْسَتْ إنْشَاءَ النِّكَاحِ بَلْ هِيَ فَسْخُ الطَّلَاقِ وَمَنْعُهُ عَنْ الْعَمَلِ بِثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَكَانَتْ مُطْلَقَةً بِالطَّلَاقِ الثَّانِي بَعْدَ الدُّخُولِ فَتَدْخُلُ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] .

وَلَوْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى لِزَوَالِ الْفِرَاشِ فَإِذَا كَانَتْ تَحْتَ زَوْجٍ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا لَهُ لِقِيَامِ فِرَاشِ الزَّوْجِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَإِنْ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْحَرَائِرِ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمَوْلَى صَادَفَهَا وَهِيَ فِرَاشُ الزَّوْجِ فَلَا يُوجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ، وَطَلَاقُ الزَّوْجِ صَادَفَهَا وَهِيَ حُرَّةٌ فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْحَرَائِرِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَوَّلًا ثُمَّ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى فَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>