كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا تَتَغَيَّرُ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ، وَإِنْ كَانَ بَائِنًا لَا تَتَغَيَّرُ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَعَلَيْهَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى ثَلَاثُ حِيَضٍ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الزَّوْجِ فَقَدْ عَادَ فِرَاشُ الْمَوْلَى ثُمَّ زَالَ بِالْمَوْتِ فَتَجِبُ الْعِدَّةُ لِزَوَالِ الْفِرَاشِ، كَمَا إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُزَوِّجَهَا، فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ فَالْأَمْرُ لَا يَخْلُو: إمَّا إنْ عُلِمَ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا وَإِمَّا أَنْ لَا يُعْلَمَ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو: إمَّا إنْ عُلِمَ كَمْ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا وَإِمَّا إنْ لَمْ يُعْلَمْ: فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الزَّوْجَ مَاتَ أَوَّلًا وَعُلِمَ أَنَّ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ مُدَّةُ عِدَّةِ الْأَمَةِ فِي وَفَاةِ الزَّوْجِ، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى فَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ الْوَفَاةِ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْ الْمَوْلَى وَذَلِكَ ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَكَذَلِكَ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ مُدَّةُ عِدَّةِ وَفَاةِ الزَّوْجِ فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى لَا شَيْءَ عَلَيْهَا بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ وَهِيَ فِي عِدَّةِ الزَّوْجِ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْمَوْلَى مَاتَ أَوَّلًا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَحْتَ زَوْجٍ فَلَمْ تَكُنْ فِرَاشًا لِلْمَوْلَى فَإِذَا مَاتَ الزَّوْجُ فَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ عِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا أُعْتِقَتْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى، وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ فِي الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا: فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ بَيْنَ مَوْتِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٌ وَعَشْرٌ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَرَ ثَلَاثَ حِيَضٍ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ تَسْتَكْمِلُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ الزَّوْجُ أَوَّلًا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّهَا أَمَةٌ وَعِدَّةُ الْأَمَةِ مِنْ زَوْجِهَا الْمُتَوَفَّى هَذَا الْقَدْرُ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَوَجَبَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ عِدَّةُ الْمَوْلَى.
وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوَّلًا فَقَدْ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِرَاشًا لَهُ، وَعِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ مَوْلَاهَا تَجِبُ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ فَلَمَّا مَاتَ الزَّوْجُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى فَقَدْ مَاتَ الزَّوْجُ وَهِيَ حُرَّةٌ فَوَجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْحَرَائِرِ فِي الْوَفَاةِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فَإِذًا فِي حَالٍ يَجِبُ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ وَثَلَاثُ حِيَضٍ، وَفِي حَالٍ يَجِبُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَالشَّهْرَانِ يَدْخُلَانِ فِي الشُّهُورِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَا احْتِيَاطًا، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَا حَالَ هَهُنَا لِوُجُوبِ الْحَيْضِ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوَّلًا لَمْ يَجِبْ بِمَوْتِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهَا تَحْتَ زَوْجٍ، فَإِذَا مَاتَ وَجَبَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى، وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ فِي الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ أَوَّلًا وَجَبَ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهَا أَمَةٌ فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ وَهِيَ فِي عِدَّةِ الزَّوْجِ فَلَمْ تَكُنْ فِرَاشًا لَهُ، فَإِذًا فِي حَالٍ يَجِبُ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فَقَطْ، وَفِي حَالٍ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ فَقَطْ فَأَوْجَبْنَا الِاعْتِدَادَ بِأَكْثَرِ الْمُدَّتَيْنِ احْتِيَاطًا فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا وَلَمْ يُعْلَمْ أَيْضًا كَمْ بَيْنَ مَوْتِهِمَا فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ لَا حَيْضَ فِيهَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الزَّوْجَ مَاتَ أَوَّلًا وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى مَاتَ أَوَّلًا فَعَتَقَتْ بِمَوْتِهِ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فَيَجِبُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فَيُرَاعَى فِيهِ الِاحْتِيَاطُ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ وَالْحَيْضِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: ٢٣٤] وَهَذَا تَقْدِيرٌ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ أَمْرَيْنِ حَادِثَيْنِ لَمْ يُعْلَمْ تَارِيخُ مَا بَيْنَهُمَا أَنْ يُحْكَمَ بِوُقُوعِهِمَا مَعًا كَالْغَرْقَى وَالْحَرْقَى وَالْهَدْمَى، وَإِذَا حُكِمَ بِمَوْتِ الزَّوْجِ مَعَ مَوْتِ الْمَوْلَى فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَهِيَ حُرَّةٌ فَكَانَتْ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ فَلَمْ يَكُنْ لِإِيجَابِ الْحَيْضِ حَالٌ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا تَزَوَّجَ أُمَّ الْوَلَدِ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى وَلَا يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا وَلَا كَمْ بَيْنَ مَوْتَيْهَا فَعَلَيْهَا حَيْضَتَانِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِمَا مَعًا، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ عَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي اعْتِبَارِ الِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَوْلَى مَاتَ أَوَّلًا فَنَفَذَ النِّكَاحُ لِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ فَجَازَ نِكَاحُهَا بِعِتْقِهَا ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَهِيَ حُرَّةٌ فَوَجَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute