للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْتِهَا» ثُمَّ إذَا رُخِّصَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ هَلْ يُصَلِّينَ؟ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُصَلِّينَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْخُرُوجِ هُوَ الصَّلَاةُ قَالَ النَّبِيُّ «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَلِيَخْرُجْنَ إذَا خَرَجْنَ تَفِلَاتٍ أَيْ غَيْرَ مُتَطَيِّبَاتٍ» ، وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُصَلِّينَ الْعِيدَ مَعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُنَّ لِتَكْثِيرِ سَوَادِ الْمُسْلِمِينَ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ «كُنَّ النِّسَاءُ يَخْرُجْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى ذَوَاتُ الْخُدُورِ وَالْحُيَّضُ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَائِضَ لَا تُصَلِّي فَعُلِمَ أَنَّ خُرُوجَهُنَّ كَانَ لِتَكْثِيرِ سَوَادِ الْمُسْلِمِينَ فَكَذَلِكَ فِي زَمَانِنَا.

وَأَمَّا الْعَبْدُ إذَا حَضَرَ مَعَ مَوْلَاهُ الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةَ لِيَحْفَظَ دَابَّتَهُ هَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ رِضَاهُ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُخِلُّ بِحَقِّ مَوْلَاهُ فِي إمْسَاكِ دَابَّتِهِ.

وَأَمَّا الْخُطْبَةُ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى بَعْدَ الصَّلَاةِ وَشَرْطُ الشَّيْءِ يَكُونُ سَابِقًا عَلَيْهِ أَوْ مُقَارِنًا لَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا تُؤَدَّى بَعْدَ الصَّلَاةِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَكَانُوا يَبْدَءُونَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ» وَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَبَدَءُوا بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَلَمْ يُؤَذِّنُوا وَلَمْ يُقِيمُوا» وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِتَعْلِيمِ مَا يَجِبُ إقَامَتُهُ يَوْمَ الْعِيدِ وَالْوَعْظِ وَالتَّكْبِيرِ فَكَانَ التَّأْخِيرُ أَوْلَى لِيَكُونَ الِامْتِثَالُ أَقْرَبَ إلَى زَمَانِ التَّعْلِيمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ مَا رُوِيَ أَنَّ «مَرْوَانَ لَمَّا خَطَبَ الْعِيدَ قَبْلَ الصَّلَاةِ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ أَخْرَجْتَ الْمِنْبَرَ يَا مَرْوَانُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ رَسُولُ اللَّهِ وَخَطَبْتَ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَالَ مَرْوَانُ ذَاكَ شَيْءٌ قَدْ تُرِكَ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَمَا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» أَيْ أَقَلُّ شَرَائِعِ الْإِيمَانِ وَإِنَّمَا أَحْدَثَ بَنُو أُمَيَّةَ الْخُطْبَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي خُطْبَتِهِمْ بِمَا لَا يَحِلُّ وَكَانَ النَّاسُ لَا يَجْلِسُونَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِسَمَاعِهَا فَأَحْدَثُوهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ لِيَسْمَعَهَا النَّاسُ، فَإِنْ خَطَبَ أَوَّلًا ثُمَّ صَلَّى أَجْزَأَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ أَصْلًا أَجْزَأَهُمْ فَهَذَا أَوْلَى.

وَكَيْفِيَّةُ الْخُطْبَةِ فِي الْعِيدَيْنِ كَهِيَ فِي الْجُمُعَةِ فَيَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا جِلْسَةً خَفِيفَةً وَيَقْرَأُ فِيهَا سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ وَيَسْتَمِعُ لَهَا الْقَوْمُ وَيُنْصِتُوا لِأَنَّهُ يُعَلِّمُهُمْ الشَّرَائِعَ وَيَعِظُهُمْ وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ إذَا اسْتَمَعُوا، وَلَيْسَ فِي الْعِيدَيْنِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ؛ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «صَلَّيْتُ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ» وَهَكَذَا جَرَى التَّوَارُثُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَلِأَنَّهُمَا شَرْعًا عَلَمًا عَلَى الْمَكْتُوبَةِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِمَكْتُوبَةٍ.

[فَصْلٌ بَيَانُ وَقْتِ أَدَاء صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ وَقْتِ أَدَائِهَا فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَقْتَ صَلَاةِ الْعِيدِ: مِنْ حِينِ تَبْيَضُّ الشَّمْسُ إلَى أَنْ تَزُولَ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْعِيدَ وَالشَّمْسُ عَلَى قَدْرِ رُمْحٍ، أَوْ رُمْحَيْنِ وَرُوِيَ أَنَّ قَوْمًا شَهِدُوا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الْغَدِ.

وَلَوْ جَازَ الْأَدَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّأْخِيرِ مَعْنًى؛ وَلِأَنَّهُ الْمُتَوَارَثُ فِي الْأُمَّةِ فَيَجِبُ اتِّبَاعَهُمْ، فَإِنْ تَرَكَهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ بِغَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ سَقَطَتْ أَصْلًا سَوَاءٌ تَرَكَهَا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ.

وَأَمَّا فِي عِيدِ الْأَضْحَى فَإِنْ تَرَكَهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ صَلَّى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ غَيْرَ أَنَّ التَّأْخِيرَ إذَا كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ تَلْحَقُهُ الْإِسَاءَةُ وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ لَا تَلْحَقُهُ الْإِسَاءَةُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا تُؤَدَّى إلَّا فِي يَوْمِ عِيدٍ؛ لِأَنَّهَا عُرِفَتْ بِالْعِيدِ فَيُقَالُ صَلَاةٌ لِعِيدٍ، إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَا الْأَدَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي عِيدِ الْفِطْرِ بِالنَّصِّ الَّذِي رَوَيْنَا وَالنَّصِّ الَّذِي وَرَدَ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ فَبَقِيَ مَا رَوَاهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا الْأَدَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فِي عِيدِ الْأَضْحَى اسْتِدْلَالًا بِالْأُضْحِيَّةِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَكَذَا صَلَاةُ الْعِيدِ؛ لِأَنَّهَا مَعْرُوفَةٌ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةَ فَتَتَقَيَّدُ بِأَيَّامِهَا وَأَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ، وَيَمْضِي ذَلِكَ كُلُّهُ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَالْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ لِلنَّحْرِ خَاصَّةً، وَالْيَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ لِلتَّشْرِيقِ خَاصَّةً، وَالْيَوْمَانِ فِيمَا بَيْنَهُمَا لِلنَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ جَمِيعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>