للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَيْضًا لَا يَصِيرُ الطُّهْرُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ.

وَيَكُونُ كُلُّهُ حَيْضًا، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ جُمِعَ لَا يَبْلُغُ حَيْضًا يَصِيرُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُ الدَّمَيْنِ حَيْضًا يُجْعَلُ ذَلِكَ حَيْضًا، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَيْضًا يُجْعَلُ أَسْرَعُهُمَا حَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا حَيْضًا وَلَا يُجْعَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا.

وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَكُونُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ، وَكُلُّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَوَالِي، وَإِذَا كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَانَ فَاصِلًا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُ الدَّمَيْنِ حَيْضًا جُعِلَ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَيْضًا يُجْعَلُ أَسْرَعُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا لَا يُجْعَلُ حَيْضًا، وَاخْتَارَ مُحَمَّدٌ لِنَفْسِهِ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ مَذْهَبًا فَقَالَ: الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يُعْتَبَرُ فَاصِلًا، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدَّمَيْنِ، وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ الْمُتَوَالِي، وَإِذَا كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَهُوَ طُهْرٌ كَثِيرٌ فَيُعْتَبَرُ لَكِنْ يُنْظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ الطُّهْرُ مِثْلَ الدَّمَيْنِ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ الدَّمَيْنِ فِي الْعَشَرَةِ لَا يَكُونُ فَاصِلًا، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدَّمَيْنِ يَكُونُ فَاصِلًا، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا حَيْضًا جُعِلَ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَيْضًا يُجْعَلُ أَسْرَعُهُمَا حَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا حَيْضًا لَا يُجْعَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا، وَتَقْرِيرُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَتَفْسِيرُهَا يُذْكَرُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(وَأَمَّا) حُكْمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَمَنْعُ جَوَازِ الصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ إلَّا بِغِلَافٍ، وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْجُنُبِ إلَّا أَنَّ الْجُنُبَ يَجُوزَ لَهُ أَدَاءُ الصَّوْمِ مَعَ الْجَنَابَةِ وَلَا يَجُوزُ لِلْحَائِضِ، وَالنُّفَسَاءِ لِأَنَّ الْحَيْضَ، وَالنِّفَاسَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ، أَوْ بِأَنَّ النَّصَّ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى، وَهُوَ قَوْلُهُ «تَقْعُدُ إحْدَاهُنَّ شَطْرَ عُمْرِهَا لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي» ، أَوْ ثَبَتَ مَعْلُولًا بِدَفْعِ الْحَرَجِ؛ لِأَنَّ دُرُورَ الدَّمِ يُضْعِفُهُنَّ مَعَ أَنَّهُنَّ خُلِقْنَ ضَعِيفَاتٍ فِي الْجِبِلَّةِ فَلَوْ كُلِّفْنَ بِالصَّوْمِ لَا يَقْدِرْنَ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ إلَّا بِحَرَجٍ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْجَنَابَةِ، وَلِهَذَا الْجُنُبُ يَقْضِي الصَّلَاةَ، وَالصَّوْمَ، وَهُنَّ لَا يَقْضِينَ الصَّلَاةَ، لِأَنَّ الْحَيْضَ يَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ إلَى الْعَشَرَةِ فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهَا صَلَوَاتٌ كَثِيرَةٌ فَتُحْرَجُ فِي قَضَائِهَا وَلَا حَرَجَ فِي قَضَاءِ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ عَشْرَةِ أَيَّامٍ فِي السَّنَةِ، وَكَذَا يَحْرُمُ الْقُرْبَانُ فِي حَالَتَيْ الْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ وَلَا يَحْرُمُ قُرْبَانُ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَجْنَبَتْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] ، وَمِثْلُ هَذَا لَمْ يَرِدْ فِي الْجَنَابَةِ بَلْ وَرَدَتْ الْإِبَاحَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] أَيْ: الْوَلَدَ فَقَدْ أَبَاحَ الْمُبَاشَرَةَ، وَطَلَبَ الْوَلَدِ، وَذَلِكَ بِالْجِمَاعِ مُطْلَقًا عَنْ الْأَحْوَالِ.

(وَأَمَّا) حُكْمُ الِاسْتِحَاضَةِ فَالْمُسْتَحَاضَةُ حُكْمُهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ غَيْرَ أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

[فَصْلٌ فِي التَّيَمُّمِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَالْكَلَامُ فِي التَّيَمُّمِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ جَوَازِهِ، وَفِي بَيَانِ مَعْنَاهُ لُغَةً، وَشَرْعًا، وَفِي بَيَانِ رُكْنِهِ، وَفِي بَيَانِ كَيْفِيَّتِهِ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ، وَفِي بَيَانِ مَا يُتَيَمَّمُ بِهِ، وَفِي بَيَانِ وَقْتِ التَّيَمُّمِ، وَفِي بَيَانِ صِفَةِ التَّيَمُّمِ، وَفِي بَيَانِ مَا يُتَيَمَّمُ مِنْهُ، وَفِي بَيَانِ مَا يَنْقُضُهُ.

(أَمَّا) الْأَوَّلُ، فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ التَّيَمُّمَ مِنْ الْحَدَثِ جَائِزٌ عُرِفَ جَوَازُهُ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [المائدة: ٦] وَقِيلَ: إنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ لِلتَّعْرِيسِ فَسَقَطَ مِنْ عَائِشَةَ قِلَادَةٌ لِأَسْمَاءِ فَلَمَّا ارْتَحَلُوا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ فَبَعَثَ رَجُلَيْنِ فِي طَلَبِهَا فَأَقَامَ يَنْتَظِرُهُمَا فَعَدِمَ النَّاسُ الْمَاءَ، وَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْفَجْرِ فَأَغْلَظَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَائِشَةَ وَقَالَ لَهَا: حَبَسْت الْمُسْلِمِينَ فَنَزَلَتْ الْآيَةَ فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ يَرْحَمُك اللَّهُ يَا عَائِشَةُ مَا نَزَلَ بِك أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إلَّا جَعَلَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ فَرَجًا.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَلَمَّا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ «التَّيَمُّمُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ أَوْ يُحْدِثْ» وَقَالَ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا، وَطَهُورًا أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَيَمَّمْتُ، وَصَلَّيْتُ» .

وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ» ، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي جَوَازِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَقَالَ عَلِيٌّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ جَائِزٌ وَقَالَ عُمَرُ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَا يَجُوزُ وَقَالَ الضَّحَّاكُ رَجَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ هَذَا.

وَحَاصِلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>