يَرَى خَتْمَ النِّفَاسِ بِالطُّهْرِ إذَا كَانَ بَعْدَهُ دَمٌ فَيُمْكِنُ جَعْلُ الثَّلَاثِينَ نِفَاسًا لَهَا عِنْدَهُ.
وَإِنْ كَانَ خَتْمُهَا بِالطُّهْرِ، وَمُحَمَّدٌ لَا يَرَى خَتْمَ النِّفَاسِ، وَالْحَيْضِ بِالطُّهْرِ فَنِفَاسُهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ عِنْدَهُ عِشْرُونَ يَوْمًا فَلَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ مَا صَامَتْ فِي الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ بَعْدَ الْعِشْرِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَا تَرَاهُ النُّفَسَاءُ مِنْ الدَّمِ بَيْنَ الْوِلَادَتَيْنِ فَهُوَ دَمٌ صَحِيحٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَزُفَرَ فَاسِدٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا وَلَدَتْ، وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ آخَرُ فَالنِّفَاسُ مِنْ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَزُفَرَ مِنْ الْوَلَدِ الثَّانِي، وَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِالْوَلَدِ الثَّانِي بِالْإِجْمَاعِ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَزُفَرَ أَنَّ النِّفَاسَ يَتَعَلَّقُ بِوَضْعِ مَا فِي الْبَطْنِ كَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْوَلَدِ الْأَخِيرِ كَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّهَا بَعْدُ حُبْلَى، وَكَمَا لَا يُتَصَوَّرُ انْقِضَاءُ عِدَّةِ الْحَمْلِ بِدُونِ وَضْعِ الْحَمْلِ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ النِّفَاسِ مِنْ الْحُبْلَى، لِأَنَّ النِّفَاسَ بِمَنْزِلَةِ الْحَيْضِ، وَلِأَنَّ النِّفَاسَ مَأْخُوذٌ مِنْ تَنَفُّسِ الرَّحِمِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ عَلَى الْكَمَالِ إلَّا بِوَضْعِ الْوَلَدِ الثَّانِي فَكَانَ الْمَوْجُودُ قَبْلَ وَضْعِ الْوَلَدِ الثَّانِي نِفَاسًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَلَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ عَنْهَا بِالشَّكِّ كَمَا إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا وَاحِدًا وَخَرَجَ بَعْضُهُ دُونَ الْبَعْضِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ النِّفَاسَ إنْ كَانَ دَمًا يَخْرُجُ عَقِيبَ النَّفْسِ فَقَدْ وُجِدَ بِوِلَادَةِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ دَمًا يَخْرُجُ بَعْدَ تَنَفُّسِ الرَّحِمِ فَقَدْ وُجِدَ أَيْضًا بِخِلَافِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِفَرَاغِ الرَّحِمِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَالنِّفَاسُ يَتَعَلَّقُ بِتَنَفُّسِ الرَّحِمِ، أَوْ بِخُرُوجِ النَّفْسِ وَقَدْ وُجِدَ أَوْ يَقُولُ: بَقَاءُ الْوَلَدِ فِي الْبَطْنِ لَا يُنَافِي النِّفَاسَ لِانْفِتَاحِ فَمِ الرَّحِمِ فَأَمَّا الْحَيْضُ مِنْ الْحُبْلَى فَمُمْتَنِعٌ لِانْسِدَادِ فَمِ الرَّحِمِ، وَالْحَيْضُ اسْمٌ لِدَمٍ يَخْرُجُ مِنْ الرَّحِمِ فَكَانَ الْخَارِجُ دَمَ عِرْقٍ لَا دَمَ رَحِمٍ.
(وَأَمَّا) قَوْلُهُمَا وُجِدَ تَنَفُّسُ الرَّحِمِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَمَمْنُوعٌ بَلْ وُجِدَ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ لِوُجُودِ خُرُوجِ الْوَلَدِ بِكَمَالِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ بَعْضُ الْوَلَدِ، لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُ إنْ كَانَ أَقَلُّهُ لَمْ تَصِرْ نُفَسَاءَ حَتَّى قَالُوا: يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ، وَتَحْفِرَ لَهَا حَفِيرَةً، لِأَنَّ النِّفَاسَ يَتَعَلَّقُ بِالْوِلَادَةِ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ الْأَقَلَّ يُلْحَقُ بِالْعَدَمِ بِمُقَابَلَةِ الْأَكْثَرِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْخَارِجُ أَكْثَرَهُ فَالْمَسْأَلَةُ مَمْنُوعَةٌ، أَوْ هِيَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ فَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَقَدْ وُجِدَتْ الْوِلَادَةُ عَلَى طَرِيقِ الْكَمَالِ فَالدَّمُ الَّذِي يَعْقُبُهُ يَكُونُ نِفَاسًا ضَرُورَةً وَالسِّقْطُ إذَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ فَهُوَ مِثْلُ الْوَلَدِ التَّامِّ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الْوِلَادَةِ مِنْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَصَيْرُورَةِ الْمَرْأَةِ نُفَسَاءَ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ وَلَدًا مَخْلُوقًا عَنْ الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ اسْتَبَانَ مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ لِأَنَّا لَا نَدْرِي ذَاكَ هُوَ الْمَخْلُوقُ مِنْ مَائِهِمَا، أَوْ دَمٍ جَامِدٍ، أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْأَخْلَاطِ الرَّدِيَّةِ اسْتَحَالَ إلَى صُورَةِ لَحْمٍ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْوِلَادَةِ.
(وَأَمَّا) أَحْوَالُ الدَّمِ فَنَقُولُ: الدَّمُ قَدْ يُدَرُّ دُرُورًا مُتَّصِلًا وَقَدْ يُدَرُّ مَرَّةً، وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى، وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ اسْتِمْرَارًا مُتَّصِلًا، وَالثَّانِي مُنْفَصِلًا (أَمَّا) الِاسْتِمْرَارُ الْمُتَّصِلُ فَحُكْمُهُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنْ يُنْظَرَ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُبْتَدَأَةٌ فَالْعَشَرَةُ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ حَيْضٌ، وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ ذَلِكَ طُهْرُهَا هَكَذَا إلَى أَنْ يُفَرِّجَ اللَّهُ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ صَاحِبَةَ عَادَةٍ فَعَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ حَيْضُهَا، وَعَادَتُهَا فِي الطُّهْرِ طُهْرُهَا، وَتَكُونُ مُسْتَحَاضَةً فِي أَيَّامِ طُهْرِهَا.
(وَأَمَّا) الِاسْتِمْرَارُ الْمُنْفَصِلُ فَهُوَ أَنْ تَرَى الْمَرْأَةُ مَرَّةً دَمًا وَمَرَّةً طُهْرًا هَكَذَا فَنَقُولُ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا يَكُونُ فَاصِلًا بَيْن الدَّمَيْنِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُ الدَّمَيْنِ حَيْضًا يُجْعَلُ ذَلِكَ حَيْضًا، وَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَيْضًا يُجْعَلُ حَيْضًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا حَيْضًا لَا يُجْعَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا، وَكَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَكُونُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدَّمَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ الطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا يَكُونُ طُهْرًا فَاسِدًا وَلَا يَكُونُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ بَلْ يَكُونُ كُلُّهُ كَدَمٍ مُتَوَالٍ، ثُمَّ يُقَدَّرُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا يُجْعَلُ حَيْضًا، وَالْبَاقِي يَكُونُ اسْتِحَاضَةً وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّمَ إذَا كَانَ فِي طَرَفَيْ الْعَشَرَةِ فَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَهُمَا لَا يَكُونُ فَاصِلًا، وَيُجْعَلُ كُلُّهُ كَدَمٍ مُتَوَالٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّمُ فِي طَرَفَيْ الْعَشَرَةِ كَانَ الطُّهْرُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُ الدَّمَيْنِ حَيْضًا يُجْعَلُ ذَلِكَ حَيْضًا، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَيْضًا يُجْعَلُ أَسْرَعُهُمَا حَيْضًا، وَهُوَ أَوَّلُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُ أَحَدِهِمَا حَيْضًا لَا يُجْعَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّمَ إذَا كَانَ فِي طَرَفَيْ الْعَشَرَةِ، وَكَانَ بِحَالٍ لَوْ جُمِعَتْ الدِّمَاءُ الْمُتَفَرِّقَةُ تَبْلُغُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute