الْأَجْرِ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَحَقٍّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ رِشْوَةً وَلِأَنَّهَا قَدْ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ النِّكَاحِ وَأُجْرَةَ الرَّضَاعِ، وَأُجْرَةُ الرَّضَاعِ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ فَلَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَتَيْنِ وَلِأَنَّ أَجْرَ الرَّضَاعِ يَجِبُ لِحِفْظِ الصَّبِيِّ وَغُسْلِهِ وَهُوَ مِنْ نَظَافَةِ الْبَيْتِ، وَمَنْفَعَةُ الْبَيْتِ تَحْصُلُ لِلزَّوْجَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ عِوَضًا عَنْ مَنْفَعَةٍ تَحْصُلُ لَهَا حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَهَا عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا فَلَا يَكُونُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى فِعْلٍ وَاجِبٍ عَلَيْهَا وَكَذَا لَيْسَ فِي حِفْظِهِ مَنْفَعَةٌ تَعُودُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُسْكِنَهُ مَعَهَا وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْأُجْرَةَ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي صُلْبِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
وَأَمَّا الْمَبْتُوتَةُ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ: لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحِقَّةٌ لِلنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فِي حَالِ قِيَامِ الْعِدَّةِ فَلَا يَحِلُّ لَهَا الْأُجْرَةُ كَمَا لَا يَحِلُّ لِلزَّوْجَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ بِالْإِبَانَةِ فَصَارَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ وَأَمَّا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَالْتَمَسَتْ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ وَقَالَ الْأَبُ: أَنَا أَجِدُ مَنْ يُرْضِعُهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَذَلِكَ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾ [الطلاق: ٦] وَلِأَنَّ فِي إلْزَامِ الْأَبِ بِمَا تَلْتَمِسُهُ الْأُمُّ إضْرَارًا بِالْأَبِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ ﷾ ﴿وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ [البقرة: ٢٣٣] أَيْ: لَا يُضَارَّ الْأَبُ بِالْتِزَامِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا تَلْتَمِسُهُ الْأَجْنَبِيَّةُ كَذَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ التَّأْوِيلَاتِ وَلَكِنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَ الْأُمِّ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْأُمِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْل فِي بَيَانُ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ فَالْحَضَانَةُ تَكُونُ لِلنِّسَاءِ فِي وَقْتٍ وَتَكُونُ لِلرِّجَالِ فِي وَقْتٍ وَالْأَصْلُ فِيهَا النِّسَاءُ؛ لِأَنَّهُنَّ أَشْفَقُ وَأَرْفَقُ وَأَهْدَى إلَى تَرْبِيَةِ الصِّغَارِ ثُمَّ تُصْرَفُ إلَى الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى الْحِمَايَةِ وَالصِّيَانَةِ وَإِقَامَةِ مَصَالِحِ الصِّغَارِ أَقْدَرُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرْطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ شَرْطِ الْحَضَانَتَيْنِ وَوَقْتِهِمَا أَمَّا الَّتِي لِلنِّسَاءِ فَمِنْ شَرَائِطِهَا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الصِّغَارِ فَلَا حَضَانَةَ لِبَنَاتِ الْعَمِّ وَبَنَاتِ الْخَالِ وَبَنَاتِ الْعَمَّةِ وَبَنَاتِ الْخَالَةِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْحَضَانَةِ عَلَى الشَّفَقَةِ، وَالرَّحِمُ الْمَحْرَمُ هِيَ الْمُخْتَصَّةُ بِالشَّفَقَةِ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فِيهَا الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَأَحَقُّ النِّسَاءِ مِنْ ذَوَاتِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ بِالْحَضَانَةِ الْأُمُّ؛ لِأَنَّهُ لَا أَقْرَبَ مِنْهَا ثُمَّ أُمُّ الْأُمِّ ثُمَّ أُمُّ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْجَدَّتَيْنِ وَإِنْ اسْتَوَيَتَا فِي الْقُرْبِ لَكِنْ إحْدَاهُمَا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَوْلَى.
وَهَذِهِ الْوِلَايَةُ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَكُلُّ مَنْ يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ أَشْفَقَ ثُمَّ الْأَخَوَاتُ فَأُمُّ الْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ؛ لِأَنَّ لَهَا وِلَادًا فَكَانَتْ أَدْخَلَ فِي الْوِلَايَةِ وَكَذَا هِيَ أَشْفَقُ، وَأَوْلَى الْأَخَوَاتِ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ الْأُخْتُ لِأُمٍّ ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ؛ لِأَنَّ الْأُخْتَ لِأَبٍ وَأُمٍّ تُدْلِي بِقَرَابَتَيْنِ فَتُرَجَّحُ عَلَى الْأُخْتِ لِأُمٍّ بِقَرَابَةِ الْأَبِ وَتُرَجَّحُ الْأُخْتُ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ فَكَانَتْ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ لِأَبٍ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأُخْتِ لِأَبٍ مَعَ الْخَالَةِ أَيَّتُهُمَا أَوْلَى؟ رُوِيَ عَنْهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْخَالَةَ أَوْلَى وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ.
وَرُوِيَ عَنْهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ الْأُخْتَ لِأَبٍ أَوْلَى، وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا رُوِيَ أَنَّ بِنْتَ حَمْزَةَ لَمَّا رَأَتْ عَلِيًّا ﵁ تَمَسَّكَتْ بِهِ وَقَالَتْ: ابْنَ عَمِّي فَأَخَذَهَا فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ﵃ فَقَالَ ﵁: بِنْتُ عَمِّي وَقَالَ جَعْفَرٌ: بِنْتُ عَمِّي وَخَالَتُهَا عِنْدِي وَقَالَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ﵁: بِنْتُ أَخِي آخَيْت بَيْنِي وَبَيْنَ حَمْزَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِهَا لِخَالَتِهَا وَقَالَ ﷺ «الْخَالَةُ وَالِدَةٌ» فَقَدْ سَمَّى الْخَالَةَ وَالِدَةً فَكَانَتْ أَوْلَى وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ الْأُخْتَ لِأَبٍ بِنْتُ الْأَبِ وَالْخَالَةَ بِنْتُ الْجَدِّ فَكَانَتْ الْأُخْتُ أَقْرَبَ فَكَانَتْ أَوْلَى وَبِنْتُ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْلَى مِنْ الْخَالَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ وَكَذَا بِنْتُ الْأُخْتِ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ وَالْخَالَةُ وَلَدُ الْجَدِّ، وَكَذَا بِنْتُ الْأُخْتِ لِأَبٍ أَوْلَى مِنْ الْخَالَةِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ وَلَدِ الْأَبِ، وَالْخَالَةُ وَلَدُ الْجَدِّ فَكَانَتْ أَوْلَى.
وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَالَةَ تَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ عَلَى أُمِّهَا وَهِيَ الْأُخْتُ لِأَبٍ فَلَأَنْ تَتَقَدَّمَ عَلَى بِنْتِهَا - وَهِيَ أَبْعَدُ مِنْ أُمِّهَا - أَوْلَى، وَبَنَاتُ الْأُخْتِ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ لِأَنَّ الْأَخَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْحَضَانَةِ، وَالْأُخْتُ لَهَا حَقٌّ فِيهَا فَكَانَ وَلَدُ الْأُخْتِ أَوْلَى وَالْخَالَاتُ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ؛ لِأَنَّ بِنْتَ الْأَخِ تُدْلِي بِقَرَابَةِ الذَّكَرِ وَالْخَالَةُ تُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ؛ فَكَانَتْ الْخَالَةُ أَوْلَى، وَبَنَاتُ الْأَخِ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَعْنِي: بِنْتَ الْأَخِ وَالْعَمَّةَ تُدْلِي بِذَكَرٍ لَكِنَّ بِنْتَ الْأَخِ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهَا وَلَدُ الْأَبِ وَالْعَمَّةُ وَلَدُ الْجَدِّ فَكَانَتْ بِنْتُ الْأَخِ أَقْرَبَ فَكَانَتْ أَوْلَى ثُمَّ الْخَالَاتُ أَوْلَى مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute