للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَلْحَقَهَا الْبَيْنُونَةُ فِي الْجُمْلَةِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا تَصِيرُ بَائِنَةً فَجَازَ تَعْجِيلُ الْبَيْنُونَةِ فِيهَا أَيْضًا،.

فَأَمَّا الْوَاحِدَةُ فَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَصِيرَ ثَلَاثًا أَبَدًا فَلَغَا قَوْلَهُ: جَعَلْتُهَا ثَلَاثًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَمْلِكُ إيقَاعَ هَذِهِ التَّطْلِيقَةِ بَائِنَةً مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَمْلِكُ إلْحَاقَهَا بِالْبَائِنَةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْإِبَانَةِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ كَمَا كَانَ يَمْلِكُهَا فِي الِابْتِدَاءِ، وَمَعْنَى " جَعْلِ الْوَاحِدَةِ ثَلَاثًا " أَنَّهُ أَلْحَقَ بِهَا تَطْلِيقَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ لَا أَنَّهُ جَعَلَ الْوَاحِدَ ثَلَاثًا

[فَصْلٌ فِي الْكِنَايَةِ فِي الطَّلَاق]

(فَصْلٌ) :

(وَأَمَّا) الْكِنَايَةُ فَنَوْعَانِ: نَوْعٌ هُوَ كِنَايَةٌ بِنَفْسِهِ وَضْعًا، وَنَوْعٌ هُوَ مُلْحَقٌ بِهَا شَرْعًا فِي حَقِّ النِّيَّةِ، أَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ فَهُوَ كُلُّ لَفْظٍ يُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ نَحْوُ قَوْلِهِ: أَنْتِ بَائِنٌ، أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ خَلِيَّةٌ بِرِئِيَّةٍ بَتَّةٌ أَمْرُكِ بِيَدِكِ اخْتَارِي اعْتَدِّي اسْتَبْرِئِي رَحِمَك أَنْتِ وَاحِدَةٌ خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ سَرَّحْتُكِ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ فَارَقْتُكِ خَالَعْتكِ - وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِوَضَ - لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكِ لَا نِكَاحَ لِي عَلَيْكِ أَنْتِ حُرَّةٌ قَوْمِي اُخْرُجِي اُغْرُبِي انْطَلِقِي انْتَقِلِي تَقَنَّعِي اسْتَتِرِي تَزَوَّجِي ابْتَغِي الْأَزْوَاجَ الْحَقِي بِأَهْلِك وَنَحْوُ ذَلِكَ.

سُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْأَلْفَاظِ كِنَايَةً؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ فِي اللُّغَةِ اسْمَ لَفْظٍ اسْتَتَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ عِنْدَ السَّامِعِ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُسْتَتِرَةُ الْمُرَادِ عِنْدَ السَّامِعِ فَإِنَّ قَوْلَهُ: " بَائِنٌ " يَحْتَمِلُ الْبَيْنُونَةَ عَنْ النِّكَاحِ وَيَحْتَمِلُ الْبَيْنُونَةَ عَنْ الْخَيْرِ أَوْ الشَّرِّ، وَقَوْلُهُ: " حَرَامٌ " يَحْتَمِلُ حُرْمَةَ الِاسْتِمْتَاعِ وَيَحْتَمِلُ حُرْمَةَ الْبَيْعِ وَالْقَتْلِ وَالْأَكْلِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: " خَلِيَّةٌ " مَأْخُوذٌ مِنْ الْخُلُوِّ فَيَحْتَمِلُ الْخُلُوَّ عَنْ الزَّوْجِ وَالنِّكَاحِ وَيَحْتَمِلُ الْخُلُوَّ عَنْ الْخَيْرِ أَوْ الشَّرِّ، وَقَوْلُهُ " بَرِيئَةٌ " مِنْ الْبَرَاءَةِ فَيَحْتَمِلُ الْبَرَاءَةَ مِنْ النِّكَاحِ وَيَحْتَمِلُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْخَيْرِ أَوْ الشَّرِّ وَقَوْلُهُ: " بَتَّةٌ " مِنْ الْبَتِّ وَهُوَ الْقَطْعُ فَيَحْتَمِلُ الْقَطْعَ عَنْ النِّكَاحِ وَيَحْتَمِلُ الْقَطْعَ عَنْ الْخَيْرِ أَوْ عَنْ الشَّرِّ، وَقَوْلُهُ: " أَمْرُكِ بِيَدِكِ " يُحْتَمَلُ فِي الطَّلَاقِ.

وَيُحْتَمَلُ فِي أَمْرٍ آخَرَ مِنْ الْخُرُوجِ وَالِانْتِقَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: " اخْتَارِي " يَحْتَمِلُ اخْتِيَارَ الطَّلَاقِ وَيَحْتَمِلُ اخْتِيَارَ الْبَقَاءِ عَلَى النِّكَاحِ وَقَوْلُهُ: " اعْتَدِّي " أَمْرٌ بِالِاعْتِدَادِ وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الِاعْتِدَادَ الَّذِي هُوَ مِنْ الْعِدَّةِ وَيَحْتَمِلُ الِاعْتِدَادَ الَّذِي هُوَ مِنْ الْعَدَدِ أَيْ اعْتَدِّي نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكِ وَقَوْلُهُ " اسْتَبْرِئِي رَحِمَك " أَمْرٌ بِتَعْرِيفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهُوَ طَهَارَتُهَا عَنْ الْمَاءِ وَأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الِاعْتِدَادِ الَّذِي هُوَ مِنْ الْعِدَّةِ وَيَحْتَمِلُ اسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ لَأُطَلِّقكِ وَقَوْلُهُ " أَنْتِ وَاحِدَةٌ " يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْوَاحِدَةُ صِفَةَ الطَّلْقَةِ أَيْ: طَالِقٌ وَاحِدَةً أَيْ: طَلْقَةً وَاحِدَةً وَيَحْتَمِلُ التَّوْحِيدَ فِي الشَّرَفِ أَيْ: أَنْتِ وَاحِدَةٌ فِي الشَّرَفِ، وَقَوْلُهُ " خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ " يَحْتَمِلُ سَبِيلَ النِّكَاحِ وَيَحْتَمِلُ سَبِيلَ الْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ لِزِيَارَةِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَمْرٍ آخَرَ، وَقَوْلُهُ " سَرَّحْتُك " يَعْنِي خَلَّيْتُكِ يُقَالُ: سَرَّحْتُ إبِلِي وَخَلَّيْتهَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وَقَوْلُكَ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِك اسْتِعَارَةٌ عَنْ التَّخْلِيَةِ؛ لِأَنَّ الْجَمَلَ إذَا أُلْقِيَ حَبْلُهُ عَلَى غَارِبِهِ فَقَدْ خُلِّيَ سَبِيلُهُ يَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَ، وَقَوْلُهُ " فَارَقْتُكِ " يَحْتَمِلُ الْمُفَارَقَةَ عَنْ النِّكَاحِ وَيَحْتَمِلُ الْمُفَارِقَةَ عَنْ الْمَكَانِ وَالْمَضْجَعِ وَعَنْ الصَّدَاقَةِ، وَقَوْلُهُ " خَالَعْتكِ " وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِوَضَ يَحْتَمِلُ الْخُلْعَ عَنْ نَفْسِهِ بِالطَّلَاقِ وَيَحْتَمِلُ الْخُلْعَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْهَجْرِ عَنْ الْفِرَاشِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: " لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ " يَحْتَمِلُ سَبِيلَ النِّكَاحِ وَيَحْتَمِلُ سَبِيلَ الْبَيْعِ وَالْقَتْلِ وَنَحْوَ ذَلِكَ.

وَكَذَا قَوْلُهُ: " لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ " يَحْتَمِلُ مِلْكَ النِّكَاحِ وَيَحْتَمِلُ مِلْكَ الْبَيْعِ وَنَحْوَ ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ: لَا نِكَاحَ لِي عَلَيْك لِأَنِّي قَدْ طَلَّقْتُكِ وَيَحْتَمِلُ لَا نِكَاحَ لِي عَلَيْكِ أَيْ: لَا أَتَزَوَّجُكِ إنْ طَلَّقْتُكِ وَيَحْتَمِلُ لَا نِكَاحَ لِي عَلَيْك أَيْ: لَا أَطَؤُكِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُذْكَرُ بِمَعْنَى الْوَطْءِ وَقَوْلُهُ: أَنْتِ حَرَامٌ يَحْتَمِلُ الْخُلُوصَ عَنْ مِلْكِ النِّكَاحِ وَيَحْتَمِلُ الْخُلُوصَ عَنْ مِلْكِ الْيَمِينِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: " قُومِي " وَاخْرُجِي وَاذْهَبِي يَحْتَمِلُ أَيْ: افْعَلِي ذَلِكَ لِأَنَّكَ قَدْ طَلُقْتِ.

وَالْمَرْأَةُ إذَا طَلُقَتْ مِنْ زَوْجِهَا تَقُومُ وَتَخْرُجُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا وَتَذْهَبُ حَيْثُ تَشَاءُ، وَيَحْتَمِلُ التَّقَيُّدَ عَنْ نَفْسِهِ مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ وَقَوْلُهُ: " اُغْرُبِي " عِبَارَةٌ عَنْ الْبُعْدِ أَيْ: تَبَاعَدِي فَيَحْتَمِلُ الْبُعْدَ مِنْ النِّكَاحِ وَيَحْتَمِلُ الْبُعْدَ مِنْ الْفِرَاشِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: انْطَلِقِي وَانْتَقِلِي يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّهَا تَنْطَلِقُ وَتَنْتَقِلُ عَنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إذَا طَلُقَتْ وَيَحْتَمِلُ الِانْطِلَاقَ وَالِانْتِقَالَ إلَى بَيْتِ أَبَوَيْهَا لِلزِّيَارَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: " تَقَنَّعِي وَاسْتَتِرِي " أَمْرٌ بِالتَّقَنُّعِ وَالِاسْتِتَارِ فَيَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّهَا إذَا طَلُقَتْ يَلْزَمُهَا سَتْرُ رَأْسِهَا بِالْقِنَاعِ وَسَتْرُ أَعْضَائِهَا بِالثَّوْبِ عَنْ زَوْجِهَا، وَيَحْتَمِلُ تَقَنَّعِي وَاسْتَتِرِي أَيْ: كُونِي مُتَقَنِّعَةً وَمَسْتُورَةً لِئَلَّا يَقَعَ بَصَرُ أَجْنَبِيٍّ عَلَيْكِ، وَقَوْلُهُ: تَزَوَّجِي يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ إذْ لَا يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِزَوْجٍ آخَرَ إلَّا بَعْدَ الطَّلَاقِ وَيَحْتَمِلُ تَزَوَّجِي إنْ طَلَّقْتُكِ.

وَكَذَا قَوْلُهُ: ابْتَغِي الْأَزْوَاجَ.

وَقَوْلُهُ الْحَقِي بِأَهْلِك يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَلْحَقُ بِأَهْلِهَا إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>