للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصَلَّى بِهِمْ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ لَا تَتَحَوَّلُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَّا بِالِاسْتِخْلَافِ وَلَمْ يُوجَدْ، فَإِنْ جَاءَ رَجُلٌ وَاقْتَدَى بِهَذَا الثَّانِي ثُمَّ أَحْدَثَ الثَّانِي صَارَ الثَّالِثُ إمَامًا لِتَعَيُّنِهِ لِذَلِكَ فَإِنْ أَحْدَثَ الثَّالِثُ وَخَرَجَ قَبْلَ رُجُوعِهِمَا أَوْ رُجُوعِ أَحَدِهِمَا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي؛ لِأَنَّ الثَّالِثَ لَمَّا صَارَ إمَامًا صَارَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مُقْتَدِيَيْنِ بِهِ فَإِذَا خَرَجَ هُوَ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مُنْفَرِدٌ وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي؛ لِأَنَّ إمَامَهُمَا خَرَجَ عَنْ الْمَسْجِدِ فَتَحَقَّقَ تَبَايُنُ الْمَكَانِ فَفَسَدَ الِاقْتِدَاءُ لِفَوْتِ شَرْطِهِ وَهُوَ اتِّحَادُ الْبُقْعَةِ، وَإِنْ كَانَ تَبَايُنُ الْمَكَانِ مَوْجُودًا حَالَ بَقَائِهِ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ شَرْعًا لِحَاجَةِ الْمُقْتَدِي إلَى صِيَانَةِ صَلَاتِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُ، وَهَهُنَا لَا حَاجَةَ لِكَوْنِ ذَلِكَ فِي حَدِّ النُّدْرَةِ وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ ثُمَّ خَرَجَ الثَّالِثُ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّ الرَّاجِعَ صَارَ إمَامًا لَهُمْ لِتَعَيُّنِهِ.

وَلَوْ رَجَعَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَإِنْ قُدِّمَ أَحَدُهُمَا صَارَ هُوَ الْإِمَامُ وَإِنْ لَمْ يُقَدَّمْ حَتَّى خَرَجَ الثَّالِثُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَصِرْ إمَامًا لِلتَّعَارُضِ وَعَدَمِ التَّرْجِيحِ فَبَقِيَ الثَّالِثُ إمَامًا فَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ شَرْطُ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَهُوَ اتِّحَادُ الْبُقْعَةِ فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا.

[فَصْلٌ شَرَائِطُ جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا شَرَائِطُ جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ.

فَمِنْهَا أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ شَرْطُ جَوَازِ الْبِنَاءِ فَهُوَ شَرْطُ جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ حَتَّى لَا يَجُوزَ مَعَ الْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْكَلَامِ وَالْقَهْقَهَةِ وَسَائِرِ نَوَاقِضِ الصَّلَاةِ كَمَا لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ مَعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ يَكُونُ لِلْقَائِمِ وَلَا قِيَامَ لِلصَّلَاةِ مَعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَلْ تَفْسُدُ وَلَوْ حُصِرَ الْإِمَامُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَتَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ.

وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ حُكْمٌ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ وَأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ الَّذِي هُوَ غَالِبُ الْوُقُوعِ، وَالْحَصْرُ فِي الْقِرَاءَةِ لَيْسَ نَظِيرَهُ فَالنَّصُّ الْوَارِدُ ثَمَّةَ لَا يَكُونُ وَارِدًا هُنَا وَصَارَ كَالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ وَالِاحْتِلَامِ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِخْلَافَ، كَذَا هَذَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّا جَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ هَهُنَا بِالنَّصِّ الْخَاصِّ لَا بِالِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ «كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِجَمَاعَةٍ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَوَجَدَ خِفَّةً فَحَضَرَ الْمَسْجِدَ فَلَمَّا أَحَسَّ الصِّدِّيقُ بِرَسُولِ اللَّهِ حَضَرَ فِي الْقِرَاءَةِ فَتَأَخَّرَ وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ» ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ وَمَا جَازَ لَهُ يَكُونُ جَائِزًا لِأُمَّتِهِ هُوَ الْأَصْلُ لِكَوْنِهِ قُدْوَةً.

وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الِاسْتِخْلَافُ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ خَرَجَ عَنْ الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يُقَدِّمَ هُوَ أَوْ يُقَدِّمَ الْقَوْمُ إنْسَانًا أَوْ يَتَقَدَّمَ أَحَدٌ بِنَفْسِهِ فَصَلَاةُ الْقَوْمِ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَ مَكَانُ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ فَبَطَلَ الِاقْتِدَاءُ لِفَوْتِ شَرْطِهِ وَهُوَ اتِّحَادُ الْمَكَانِ وَهَذَا لِأَنَّ غَيْرَهُ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ بَقِيَ هُوَ إمَامًا فِي نَفْسِهِ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِمَامَةِ لِقِيَامِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ وَانْتِقَالِ الْإِمَامَةِ إلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَالْمَكَانُ قَدْ اخْتَلَفَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَلَا تُشْكِلُ.

وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلِأَنَّ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ وَلَيْسَتْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَعُدَ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ كُلَّهُ بِمَنْزِلَةِ بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ حُكْمًا وَلِهَذَا حُكِمَ بِجَوَازِ الِاقْتِدَاءِ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ كَذَلِكَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ بِخِلَافِ الْمُقْتَدِي إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ حَيْثُ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ وَإِنْ فَاتَ شَرْطُ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَهُوَ اتِّحَادُ الْمَكَانِ فَإِنَّ هُنَاكَ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ صِيَانَةَ صَلَاتِهِ لَنْ تَحْصُلَ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ هُوَ الَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَإِنَّ صِيَانَةَ صَلَاةِ الْقَوْمِ تُمْكِنُهُ بِأَنْ يَسْتَخْلِفَ الْإِمَامُ أَوْ يُقَدِّمَ الْقَوْمُ رَجُلًا أَوْ يَتَقَدَّمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوا فَقَدْ فَرَضُوا وَمَا سَعَوْا فِي صِيَانَةِ صَلَاتِهِمْ فَتَفْسُدُ عَلَيْهِمْ.

وَأَمَّا الْمُقْتَدِي فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي وُسْعِهِ فَبَقِيَتْ صَلَاتُهُ صَحِيحَةً لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِتْمَامِ.

وَأَمَّا حَالُ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْأَصْلِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ تَرْكَ اسْتِخْلَافِهِ لَمَّا أَثَّرَ فِي فَسَادِ صَلَاةِ الْقَوْمِ فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي فَسَادِ صَلَاتِهِ أَوْلَى، وَذَكَرَ أَبُو عِصْمَةَ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُنْفَرِدِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَالْمُنْفَرِدُ الَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ بَقِيَتْ صَلَاتُهُ صَحِيحَةً كَذَا هَذَا.

وَلَوْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ صُفُوفٌ مُتَّصِلَةٌ فَخَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَفْسُدُ حَتَّى لَوْ اسْتَخْلَفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>