للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعِشْرِينَ يَوْمًا لِأَنَّ نُقْصَانَ الشَّهْرِ يَكُونُ مِنْ آخِرِهِ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ فُلَانًا فَكَلَّمَ أَحَدَهُمَا حَنِثَ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ إذَا ذُكِرَتْ عَقِيبَ كَلِمَةِ النَّفْيِ أَوْجَبَتْ انْتِفَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَذْكُورِينَ عَلَى الِانْفِرَادِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾ [الإنسان: ٢٤] أَيْ وَلَا كَفُورًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: وَلَا فُلَانًا لِأَنَّ كَلِمَةَ النَّفْيِ إذَا أُعِيدَتْ تَنَاوَلَتْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَذْكُورِينَ عَلَى حِيَالِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٩٧] وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا وَفُلَانًا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُكَلِّمَهُمَا لِأَنَّ حَرْفَ الْوَاوِ لِلْجَمْعِ، وَالْجَمْعُ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، فَكَأَنَّهُ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُمَا، فَقَدْ عَلَّقَ الْجَزَاءَ بِشَرْطَيْنِ فَلَا يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا وَفُلَانًا أَوْ فُلَانًا فَإِنْ كَلَّمَ أَحَدَ الْأَوَّلَيْنِ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُكَلِّمْهُمَا، وَإِنْ كَلَّمَ الثَّالِثَ حَنِثَ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ كَلَامَ الْأَوَّلَيْنِ جَمِيعًا أَوْ كَلَامَ الثَّالِثِ، فَأَيُّ ذَلِكَ وُجِدَ حَنِثَ، وَلَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ هَذَا أَوْ هَذَا وَهَذَا فَإِنْ كَلَّمَ الْأَوَّلَ حَنِثَ، وَإِنْ كَلَّمَ أَحَدَ الْآخَرَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ كَلَامَ الْأَوَّلِ أَوَّلًا ثُمَّ الْآخَرَيْنِ فَيُرَاعَى شَرْطُهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ النَّاسَ أَوْ لَا يُكَلِّمُ بَنِي آدَمَ فَكَلَّمَ وَاحِدًا مِنْهُمْ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْجِنْسِ وَالْعُمُومِ لِأَنَّ الْحَالِفَ إنَّمَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَمَّا فِي وُسْعِهِ، وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ تَكْلِيمُ النَّاسِ كُلِّهِمْ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُرَادَهُ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ فَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُكَلِّمَ بَنِي آدَمَ كُلَّهُمْ، وَلَيْسَ هَهُنَا مَعْهُودٌ يُصْرَفُ اللَّفْظُ إلَيْهِ فَتَعَيَّنَ الصَّرْفُ إلَى بَعْضِ الْجِنْسِ، وَيُضْمَرُ فِيهِ لَفْظَةُ الْبَعْضِ، وَإِنْ عَنَى بِهِ الْكُلَّ لَا يَحْنَثُ أَبَدًا، وَيَكُونُ مُصَدَّقًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ﷿ وَفِي الْقَضَاءِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَهِيَ الْجِنْسُ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ الْجِنْسُ بِهَذَا الْكَلَامِ فَقَدْ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَعَلَى هَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ أَوْ لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبْتَدِئُ فُلَانًا بِكَلَامِهِ أَبَدًا فَالْتَقَيَا فَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مَعًا لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ لِعَدَمِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَهُوَ ابْتِدَاؤُهُ فُلَانًا بِالْكَلَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ بِتَكْلِيمِهِ قَبْلَ تَكْلِيمِ صَاحِبِهِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْتُكَ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَنِي فَإِنَّهُ لَمَّا خَرَجَ كَلَامَاهُمَا مَعًا فَلَمْ يُكَلِّمْ الْحَالِفُ قَبْلَ تَكْلِيمِهِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ، وَلَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْتُكَ حَتَّى تُكَلِّمَنِي فَتَكَلَّمَا مَعًا لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ.

وَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّ الْحَالِفَ بِقَوْلِهِ إنْ كَلَّمْتُكَ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ تَكْلِيمِهِ مُطْلَقًا وَجَعَلَ تَكْلِيمَ صَاحِبِهِ إيَّاهُ غَايَةً لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ، فَإِذَا كَلَّمَهُ قَبْلَ وُجُودِ الْغَايَةِ حَنِثَ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ غَرَضَ الْحَالِفِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنْ تَكْلِيمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ قَبْلَ كَلَامِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ بَدَأْتُكَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ لَا أُكَلِّمُكَ إلَّا أَنْ تُكَلِّمَنِي لِأَنَّ كَلِمَةَ (إلَّا أَنْ) إذَا دَخَلَتْ عَلَى مَا يَتَوَقَّتُ كَانَتْ بِمَعْنَى حَتَّى.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ [التوبة: ١١٠] وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ حَتَّى يَدْخُلَهَا فُلَانٌ وَحَلَفَ الْآخَرُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَدَخَلَا جَمِيعًا لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَيَحْنَثُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي الْحَلِفِ عَلَى الْإِظْهَارِ وَالْإِفْشَاءِ وَالْإِعْلَانِ وَنَحْوِهَا]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الْإِظْهَارِ وَالْإِفْشَاءِ وَالْإِعْلَانِ وَالْكِتْمَانِ وَالْإِسْرَارِ وَالْإِخْفَاءِ وَالْإِخْبَارِ وَالْبِشَارَةِ وَالْقِرَاءَةِ وَنَحْوِهَا إذَا حَلَفَ لَا أُظْهِرُ سِرَّكَ لِفُلَانٍ أَوْ لَا أُفْشِي، أَوْ حَلَفَ لَيَكْتُمَنَّ سِرَّهُ أَوْ لَيَسْتُرَنَّهُ أَوْ لَيُخْفِيَنَّهُ فَكَلَّمَ فُلَانًا بِسِرِّهِ أَوْ كَتَبَ إلَيْهِ فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ، أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا فَبَلَّغَهُ الرِّسَالَةَ، أَوْ سَأَلَهُ فُلَانٌ عَنْ ذَلِكَ.

وَقَالَ أَكَانَ مِنْ الْأَمْرِ كَذَا فَأَشَارَ الْحَالِفُ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ فَهُوَ حَانِثٌ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَهُوَ إظْهَارُ السِّرِّ إذْ الْإِظْهَارُ إثْبَاتُ الظُّهُورِ وَذَلِكَ لَا يَقِفُ عَلَى الْعِبَارَةِ بَلْ يَحْصُلُ بِالدَّلَالَةِ وَالْإِشَارَةِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ ظَهَرَ لِي اعْتِقَادُ فُلَانٍ إذَا فَعَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِقَادِهِ وَكَذَا الْإِشَارَةُ بِالرَّأْسِ عَقِيبَ السُّؤَالِ يَثْبُتُ بِهِ ظُهُورُ الْمُشَارِ إلَيْهِ فَكَانَ إظْهَارًا، فَإِنْ نَوَى بِهِ الْكَلَامَ أَوْ الْكِتَابَ دُونَ الْإِيمَاءِ دِينَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ مَا فِي لَفْظِهِ فَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ﷿.

وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يُعْلِمُ فُلَانًا بِمَكَانِ فُلَانٍ فَسَأَلَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَفُلَانٌ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا؟ فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ يَحْنَثُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ إذْ هُوَ إثْبَاتُ الْعِلْمِ الَّذِي يُحَدُّ بِأَنَّهُ صِفَةٌ يَتَجَلَّى بِهَا الْمَذْكُورُ لِمَنْ قَامَتْ هِيَ بِهِ فَإِنْ نَوَى بِهِ الْإِخْبَارَ بِالْكَلَامِ أَوْ بِالْكِتَابِ يُدَيَّنْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ الْعُمُومِ وَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ فَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>