الْحَالَيْنِ أَوْلَى فَلِهَذَا اُقْتُصِرَ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أَيَّامًا فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسَوَاءٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ.
وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا الْخِلَافَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَ الْجَمْعِ مُنَكَّرًا فَيَقَعُ عَلَى أَدْنَى الْجَمْعِ الصَّحِيحِ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ عِنْدَنَا، وَلَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُكَ سِنِينَ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْأَيَّامِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْعُمْرَ فَهُوَ عَلَى جَمِيعِ الْعُمْرِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَلَوْ قَالَ عُمْرًا فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ يَقَعُ عَلَى يَوْمٍ، وَفِي رِوَايَةٍ يَقَعُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَالْحِينِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ حُقُبًا فَهُوَ عَلَى ثَمَانِينَ سَنَةً لِأَنَّهُ اسْمٌ لَهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أَيَّامًا كَثِيرَةً فَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مِثْلَهُ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الْكَثْرَةَ عَلَى اسْمِ الْجَمْعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ذُكِرَ فَاللَّامُ الْجِنْسِ.
وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَقَعُ عَلَى سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَلَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُكَ كَذَا وَكَذَا يَوْمًا فَهُوَ عَلَى أَحَدٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدِ يُعْطَفُ عَلَى عَدَدٍ بِحَرْفِ الْعَطْفِ، وَلَوْ قَالَ كَذَا كَذَا يَوْمًا فَهُوَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّ الْبِضْعَ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى تِسْعَةٍ فَيُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّهَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى بَعِيدٍ يَقَعُ عَلَى شَهْرٍ فَصَاعِدًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى قَرِيبٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ عَاجِلًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حُكْمِ الْكَثِيرِ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ أَجَلًا فِي الدُّيُونِ فَكَانَ بَعِيدًا وَآجِلًا وَمَا دُونَهُ عَاجِلًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ مَلِيًّا يَقَعُ عَلَى شَهْرٍ كَالْبَعِيدِ سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ بِهِ غَيْرَهُ.
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَهْجُرَنَّكَ مَلِيًّا فَهُوَ عَلَى شَهْرٍ وَأَكْثَرَ، فَإِنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ،: ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦] أَيْ طَوِيلًا وَهَذَا يَقْتَضِي مَا زَادَ عَلَى شَهْرٍ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ الشِّتَاءَ فَأَوَّلُ ذَلِكَ إذَا لَبِسَ النَّاسُ الْحَشْوَ وَالْفِرَاءَ وَآخِرُ ذَلِكَ إذَا أَلْقَوْهَا عَلَى الْبَلَدِ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ، وَالصَّيْفُ عَلَى ضِدِّهِ، وَهُوَ مِنْ حِينِ إلْقَاءِ الْحَشْوِ إلَى لُبْسِهِ، وَالرَّبِيعُ آخِرُ الشِّتَاءِ وَمُسْتَقْبَلُ الصَّيْفِ إلَى أَنْ يَيْبَسَ الْعُشْبُ، وَالْخَرِيفُ فَصْلٌ بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى اللُّغَةِ.
وَقَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا إلَى الْمَوْسِمِ.
قَالَ: يُكَلِّمُهُ إذَا أَصْبَحَ يَوْمَ النَّحْرِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْمَوْسِمِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكَلِّمُهُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ وَقْتُ الرُّكْنِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ.
وَقَالَ عُمَرُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ: غُرَّةُ الشَّهْرِ وَرَأْسُ الشَّهْرِ أَوَّلُ لَيْلَةٍ وَيَوْمُهَا، وَأَوَّلُ الشَّهْرِ إلَى مَا دُونَ النِّصْفِ، وَآخِرُهُ إلَى مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ وَآخِرَ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَعَلَيْهِ صَوْمُ الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ لِأَنَّ الْخَامِسَ عَشَرَ آخِرُ أَوَّلِهِ وَالسَّادِسَ عَشَرَ أَوَّلُ آخِرِهِ، إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأُكَلِّمَنَّكَ أَحَدَ يَوْمَيْنِ أَوْ لَأَخْرُجَنَّ أَحَدَ يَوْمَيْنِ، أَوْ قَالَ: الْيَوْمَيْنِ، أَوْ قَالَ: أَحَدَ أَيَّامِي فَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، إنْ كَلَّمَهُ قَبْلَ الْعَشَرَةِ أَوْ خَرَجَ قَبْلَ الْعَشَرَةِ لَمْ يَحْنَثْ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُرَادُ بِهِ يَوْمَانِ بِأَعْيَانِهِمَا وَإِنَّمَا يُذْكَرُ عَلَى طَرِيقِ التَّقْرِيبِ عَلَى طَرِيقِ الْعَشَرَةِ وَمَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ، فَإِنْ قَالَ أَحَدَ يَوْمَيَّ هَذَيْنِ فَهَذَا عَلَى يَوْمِهِ ذَلِكَ وَالْغَدِ لِأَنَّهُ أَشَارَ إلَى الْيَوْمَيْنِ وَالْإِشَارَةُ تَقَعُ عَلَى الْمُعَيَّنِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا وَفُلَانًا هَذِهِ السَّنَةَ إلَّا يَوْمًا فَإِنْ جَمَعَ كَلَامَهُمَا فِي يَوْمٍ لَهُ اسْتَثْنَاهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي يُكَلِّمُهُمَا فِيهِ مُسْتَثْنًى مِنْ الْيَمِينِ، فَإِنْ كَلَّمَ أَحَدَهُمَا فِي يَوْمٍ وَالْآخَرَ فِي يَوْمٍ حَنِثَ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَوْمٌ يُكَلِّمُهُمَا جَمِيعًا فِيهِ وَلَوْ يُوجَدُ فَقَدْ كَلَّمَهُمَا فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الْمُسْتَثْنَى فَيَحْنَثُ فَإِنْ كَلَّمَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ كَلَّمَهُمَا جَمِيعًا فِي يَوْمٍ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي كَلَّمَهُمَا فِيهِ مُسْتَثْنًى، وَشَرْطُ الْحِنْثِ فِي غَيْرِهِ كَلَامُهُمَا لَا كَلَامُ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ كَلَّمَهُمَا فِي يَوْمٍ آخَرَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَقَعَ عَلَى يَوْمٍ مُنَكَّرٍ يُكَلِّمُهُمَا فِيهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إلَّا يَوْمَ أُكَلِّمُهُمَا فِيهِ، وَلَوْ اسْتَثْنَى يَوْمًا مَعْرُوفًا فَكَلَّمَ أَحَدَهُمَا فِيهِ وَالْآخَرَ فِي الْغَدِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الْمُسْتَثْنَى كَلَامُهُمَا وَلَمْ يُوجَدْ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ بَلْ بَعْضُهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا قَالَ: لَا أُكَلِّمُهُمَا إلَّا يَوْمًا لَمْ يَحْنَثْ بِكَلَامِهِمَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَلَّمَهُمَا فِي يَوْمٍ آخَرَ حَنِثَ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ إلَّا يَوْمًا وَاحِدًا وَقَدْ وُجِدَ فَصَارَتْ الْيَمِينُ بَعْدَهُ مُطْلَقَةً.
وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ لَا أُكَلِّمُكَ شَهْرًا إلَّا يَوْمًا أَوْ قَالَ غَيْرَ يَوْمٍ أَنَّهُ عَلَى مَا نَوَى، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَهُ أَنْ يَتَحَرَّى أَيَّ يَوْمٍ شَاءَ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى يَوْمًا مُنَكَّرًا وَكُلُّ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ يَصْلُحُ لِلِاسْتِثْنَاءِ، فَإِنْ قَالَ نُقْصَانَ يَوْمٍ فَهَذَا عَلَى تِسْعَةٍ