وَانْصَرَفَ أَوَّلًا» .
وَلَوْ قَالَ: يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَكَلَّمَهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا يَحْنَثُ.
وَكَذَا إذَا قَالَ يَوْمَ أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ لِأَنَّ الْيَوْمَ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ غَيْرِ مُمْتَدٍّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ فِي مُتَعَارَفِ أَهْلِ اللِّسَانِ.
قَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ١٦] الْآيَةَ وَمَنْ وَلَّى دُبُرَهُ بِاللَّيْلِ يَلْحَقْهُ الْوَعِيدُ كَمَا لَوْ وَلَّى بِالنَّهَارِ فَإِنْ نَوَى بِهِ اللَّيْلَ خَاصَّةً دِينَ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَدِينُ لِأَنَّ اللَّفْظَ جُعِلَ عِبَارَةً عَنْ مُطْلَقِ الْوَقْتِ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الصَّرْفِ عَنْهُ، وَإِنْ قَالَ لَيْلَةَ أُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ لَيْلَةَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَهُ نَهَارًا أَوْ قَدِمَ نَهَارًا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِسَوَادِ اللَّيْلِ، يُقَالُ لِلَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ: لَيْلَةٌ لَيْلَاءُ وَلَيْلٌ أَلْيَلُ، وَلَا عُرْفَ هَهُنَا يَصْرِفُ اللَّفْظَ عَنْ مُقْتَضَاهُ لُغَةً حَتَّى لَوْ ذَكَرَ اللَّيَالِيَ حُمِلَتْ عَلَى الْوَقْتِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُمْ تَعَارَفُوا اسْتِعْمَالَهَا فِي الْوَقْتِ الْمُطْلَقِ، مَعْرُوفٌ ذَلِكَ فِي أَشْعَارِهِمْ كَمَا قَالُوا
لَيَالِيَ لَاقَتْنَا جُذَامٌ وَحِمْيَرُ
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَأَمْرُكِ بِيَدِكِ فَقَدِمَ فُلَانٌ لَيْلًا لَا يَكُونُ لَهَا مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ فِي حَالِ الْأَمْرِ ذِكْرِ يُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ الْمُعَيَّنُ، لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَمْرِ يَقْتَضِي الْوَقْتَ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ الْمَجْلِسُ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ ﵃ جَعَلُوا لِلْمُخَيَّرَةِ الْخِيَارَ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا، فَقَدْ وَقَّتُوا لِلْأَمْرِ وَقْتًا، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ اُسْتُغْنِيَ عَنْ الْوَقْتِ فَيَقَعُ ذِكْرُ الْيَوْمِ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ، فَإِذَا قَدِمَ نَهَارًا صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ، وَيَبْطُلُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ مُوَقَّتٌ فَيَبْطُلُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ، وَالْعِلْمُ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ كَمَا إذَا قَالَ أَمْرُكِ بِيَدِكِ الْيَوْمَ فَمَضَى الْيَوْمُ أَنَّهُ يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا.
وَأَمَّا فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَجْلِسِ عِلْمِهَا، وَلَوْ قَالَ لَيْلَةَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَأَمْرُكِ بِيَدِكِ فَقَدِمَ نَهَارًا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا ذَلِكَ الْأَمْرُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اللَّيْلَةَ عِبَارَةٌ عَنْ سَوَادِ اللَّيْلِ.
وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ: إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك الْجُمُعَةَ فَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ اسْمٌ لِيَوْمٍ مَخْصُوصٍ كَمَا لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُك يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: جُمَعًا لَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ الْجَمْعَ جُمَعٌ وَهِيَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ أَيَّامًا أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ اللَّيَالِيُ لِأَنَّا إنَّمَا عَرَفْنَا ذَلِكَ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ زَكَرِيَّا ﵊: ﴿ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا﴾ [آل عمران: ٤١] .
وَقَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٠] وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ وَمِثْلُ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ لَمْ يُوجَدْ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ جُمَعًا، ثُمَّ إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك جُمَعًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ جُمَعٍ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ عِنْدَنَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا، وَإِذَا قَالَ: الْجُمَعُ فَهُوَ عَلَى عَشْرِ جُمَعٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ الْأَيَّامُ وَالْأَزْمِنَةُ وَالْأَحَايِينِ وَالشُّهُورُ وَالسُّنُونُ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَعَشَرَةِ أَحَايِينَ أَوْ أَزْمِنَةٍ وَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ سِنِينَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْجُمَعِ وَالسِّنِينَ إنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ.
وَكَذَا فِي الْأَحَايِينِ وَالْأَزْمِنَةِ وَفِي الْأَيَّامِ عَلَى سَبْعَةٍ، وَفِي الشُّهُورِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ، وَالْأَصْلُ عِنْدَهُمَا فِيمَا دَخَلَ عَلَيْهِ حَرْفُ التَّعْرِيفِ وَهُوَ اللَّامُ مِنْ أَسْمَاءِ الْجَمْعِ أَنْ يُنْظَرَ إنْ كَانَ هُنَاكَ مَعْهُودٌ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ كَالسَّبْعَةِ فِي الْأَيَّامِ وَالِاثْنَيْ عَشَرَ فِي الشُّهُورِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَعْهُودٌ يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِ الْجِنْسِ فَيَسْتَغْرِقُ الْعُمْرَ كَالسِّنِينَ وَالْأَحَايِينِ وَالْأَزْمِنَةِ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى أَقْصَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْجَمْعِ عِنْدَ اقْتِرَانِهِ بِالْعَدَدِ وَذَلِكَ عَشَرَةٌ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ اللَّفْظَ الْمُعَرَّفَ إذَا لَمْ يُصْرَفْ إلَى الْجِنْسِ فَإِمَّا أَنْ يُصْرَفَ إلَى الْمَعْهُودِ وَإِمَّا أَنْ يُصْرَفَ إلَى بَعْضِ الْجِنْسِ، وَالصَّرْفُ إلَى الْمَعْهُودِ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِدْرَاجِ وَفِي الصَّرْفِ إلَى الْبَعْضِ يُحْتَاجُ إلَى إدْرَاجِ لَفْظَةِ الْبَعْضِ فَكَانَ الصَّرْفُ إلَى الْمَعْهُودِ أَوْلَى، وَالْمَعْهُودُ فِي الْأَيَّامِ السَّبْعَةُ الَّتِي يَتَرَكَّبُ مِنْهَا الْأُسْبُوعُ وَهِيَ مِنْ السَّبْتِ إلَى الْجُمُعَةِ، وَفِي الشُّهُورِ الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّتِي تُرَكَّبُ مِنْهَا السَّنَةُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَعْهُودٌ فَالصَّرْفُ إلَى الْجِنْسِ أَوْلَى فَيُصْرَفُ إلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ: اسْتِعْمَالُ أَرْبَابِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَهْلِ اللِّسَانِ فِي الْجُمُوعِ فَإِنَّ أَقْصَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْجَمْعِ عِنْدَ اقْتِرَانِهِ بِالْعَدَدِ هُوَ الْعَشَرَةُ، وَيُقَالُ: ثَلَاثَةُ رِجَالٍ وَأَرْبَعَةُ رِجَالٍ وَعَشَرَةُ رِجَالٍ، ثُمَّ إذَا جَاوَزَ الْعَشَرَةَ يُقَالُ: أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا وَعِشْرُونَ رَجُلًا وَمِائَةُ رَجُلٍ وَأَلْفُ رَجُلٍ وَلِأَنَّ لَفْظَ الْجَمْعِ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ قَدْرٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْدَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا إلَى الْعَشَرَةِ فِي حَالَةِ الْإِبْهَامِ وَالتَّعْيِينِ جَمِيعًا، وَيُطْلَق عَلَى مَا وَرَاءَهَا مِنْ الْأَقْدَارِ فِي حَالَةِ الْإِبْهَامِ وَلَا يُطْلَقُ فِي حَالَةِ التَّعْيِينِ، وَالِاسْمُ مَتَى كَانَ ثَابِتًا لِشَيْءٍ فِي حَالَيْنِ كَانَ أَثْبَتَ مِمَّا هُوَ اسْمٌ لَهُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ بَلْ يَكُونُ نَازِلًا مِنْ الْأَوَّلِ مَنْزِلَةَ الْمَجَازِ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَكَانَ الصَّرْفُ إلَى مَا هُوَ اسْمٌ لَهُ فِي