أَصْلِ الْحَظْرِ وَالثَّانِي أَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ زَوَالُ الْحِلِّ وَهُوَ حِلُّ الْمَحَلِّيَّةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحِلِّ وَحِلُّ الْأَمَةِ أَنْقَصُ مِنْ حِلِّ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يُنْقِصُ الْحِلَّ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ نِعْمَةٌ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى النَّعْمَةِ؛ وَهِيَ مَقَاصِدُ النِّكَاحِ وَالْوَسِيلَةُ إلَى النَّعْمَةِ نِعْمَةٌ، وَلِلرِّقِّ أَثَرٌ فِي نُقْصَانِ النِّعْمَةِ وَلِهَذَا أَثَرٌ فِي نُقْصَانِ الْمَالِكِيَّةِ حَتَّى يَمْلِكَ الْحُرُّ التَّزَوُّجَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ التَّزَوُّجَ إلَّا بِامْرَأَتَيْنِ وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُمَا غَرِيبَانِ ثُمَّ إنَّهُمَا مِنْ الْآحَادِ وَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا مُعَارَضَةُ الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ بِهِ ثُمَّ نَقُولُ: لَا حُجَّةَ فِيهِمَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ» إلْصَاقُ الِاسْمِ بِالِاسْمِ فَيَقْتَضِي مُلْصَقًا مَحْذُوفًا، وَالْمُلْصَقُ الْمَحْذُوفُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْإِيقَاعُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الِاعْتِبَارُ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ وَقَوْلُهُ: " الْإِيقَاعُ لَا يُشْكِلُ " مَمْنُوعٌ بَلْ قَدْ يُشْكِلُ وَبَيَانُ الْإِشْكَالِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي الِانْعِقَادِ وَالْأَصْلُ فِي كُلِّ عَقْدٍ - كَانَ انْعِقَادُهُ بِعَاقِدَيْنِ - أَنْ يَكُونَ ارْتِفَاعُهُ بِهِمَا أَيْضًا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَالثَّانِي أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فِي الْأَحْكَامِ وَالْمَقَاصِدِ فَيُشْكِلُ أَنْ يَكُونَ الْإِيقَاعُ بِهِمَا عَلَى الشَّرِكَةِ فَحَلَّ الْإِشْكَالَ بِقَوْلِهِ " الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ " وَأَمَّا الثَّانِي فَفِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ يُطَلِّقُ ثِنْتَيْنِ وَهَذَا لَا يَنْفِي الثَّالِثَةَ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ يَمْلِكُ دِرْهَمَيْنِ، وَقَوْلُهُ ﷺ «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ» إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى الْأَمَةِ وَالْإِضَافَةُ لِلِاخْتِصَاصِ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ الْمُخْتَصُّ بِالْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَلَوْ مَلَكَ الثَّالِثَةَ عَلَيْهَا لَبَطَلَ الِاخْتِصَاصُ، وَمِثَالُهُ قَوْلُ الْقَائِلِ " مَالُ فُلَانٍ دِرْهَمَانِ " أَنَّهُ يَنْفِي الزِّيَادَةَ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ إنَّ الْحِلَّ فِي جَانِبِهَا لَيْسَ بِنِعْمَةٍ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّهُ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهَا أَيْضًا، لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى النَّعْمَةِ وَالْمِلْكُ فِي بَابِ النِّكَاحِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بَلْ هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَقَاصِدِ الَّتِي هِيَ نِعَمٌ، وَالْوَسِيلَةُ إلَى النَّعْمَةِ نِعْمَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ رُكْنِ الطَّلَاقِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ رُكْنِ الطَّلَاقِ فَرُكْنُ الطَّلَاقِ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي جُعِلَ دَلَالَةً عَلَى مَعْنَى الطَّلَاقِ لُغَةً وَهُوَ التَّخْلِيَةُ وَالْإِرْسَالُ وَرَفْعُ الْقَيْدِ فِي الصَّرِيحِ وَقَطْعُ الْوَصْلَةِ وَنَحْوُهُ فِي الْكِنَايَةِ أَوْ شَرْعًا، وَهُوَ إزَالَةُ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ فِي النَّوْعَيْنِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ أَمَّا اللَّفْظُ فَمِثْلُ أَنْ يَقُولَ فِي الْكِنَايَةِ: أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ أَبَنْتُكِ أَوْ يَقُولَ فِي الصَّرِيحِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُكِ وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى إلَّا أَنَّ التَّطْلِيقَ وَالطَّلَاقَ فِي الْعُرْفِ يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْمَرْأَةِ خَاصَّةً وَالْإِطْلَاقُ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهَا يُقَالُ فِي الْمَرْأَةِ طَلَّقَ يُطَلِّقُ تَطْلِيقًا وَطَلَاقًا وَفِي الْبَعِيرِ وَالْأَسِيرِ وَنَحْوِهِمَا يُقَالُ أَطْلَقَ يُطْلِقُ إطْلَاقًا وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى فِي اللَّفْظَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ فِي اللُّغَةِ وَمِثْلُ هَذَا جَائِزٌ كَمَا يُقَالُ حَصَانٌ وَحِصَانٌ وَعَدِيلٌ وَعَدْلٌ فَالْحَصَانُ بِفَتْحِ الْحَاءِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَرْأَةِ وَبِالْخَفْضِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَرَسِ وَإِنْ كَانَا يَدُلَّانِ عَلَى مَعْنَى وَاحِدٍ لُغَةً وَهُوَ الْمَنْعُ.
وَالْعَدِيلُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْآدَمِيِّ وَالْعَدْلُ فِيمَا سِوَاهُ، وَإِنْ كَانَا مَوْجُودَيْنِ فِي الْمُعَادَلَةِ فِي اللُّغَةِ كَذَا هَذَا، وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ مُطْلَقَةٌ مُخَفِّفًا يَرْجِعُ إلَى نِيَّتِهِ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ فِي الْعُرْفِ يُسْتَعْمَلُ فِي إثْبَاتِ الِانْطِلَاقِ عَنْ الْحَبْسِ وَالْقَيْدِ الْحَقِيقِيِّ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْقَيْدِ الْحُكْمِيِّ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَيَسْتَوِي فِي الرُّكْنِ ذِكْرُ التَّطْلِيقَةِ وَبَعْضِهَا حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ بَعْضَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ رُبْعَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ مِنْ تَطْلِيقَةٍ يَقَعُ تَطْلِيقَةً كَامِلَةً وَهَذَا عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ رَبِيعَةُ الرَّأْيُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ لِأَنَّ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ لَا يَكُونُ تَطْلِيقَةً حَقِيقَةً بَلْ هُوَ بَعْضُ تَطْلِيقَةٍ وَبَعْضُ الشَّيْءِ لَيْسَ عَيْنَ ذَلِكَ الشَّيْءِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ.
(وَلَنَا) أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَبَعَّضُ وَذِكْرُ الْبَعْضِ فِيمَا لَا يَتَبَعَّضُ ذِكْرٌ لِكُلِّهِ كَالْعَفْوِ عَنْ بَعْضِ الْقِصَاصِ أَنَّهُ يَكُونُ عَفْوًا عَنْ الْكُلِّ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَنِصْفَ أَوْ وَاحِدَةً وَثُلُثَ طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ لِأَنَّ الْبَعْضَ مِنْ تَطْلِيقَةٍ تَطْلِيقَةٌ كَامِلَةٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفَهَا أَوْ ثُلُثَهَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ لِأَنَّ هُنَاكَ أَضَافَ النِّصْفَ إلَى الْوَاحِدَةِ الْوَاقِعَةِ وَالْوَاقِعُ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ ثَانِيًا وَهُنَا ذَكَرَ نَصًّا مُنَكَّرًا غَيْرَ مُضَافٍ إلَى وَاقِعٍ فَيَكُونُ إيقَاعُ تَطْلِيقَةٍ أُخْرَى.
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ سُدُسَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثَيْ تَطْلِيقَةٍ فَهُوَ ثَلَاثٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ التَّطْلِيقَةِ تَطْلِيقَةٌ كَامِلَةٌ هَذَا إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَلَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى، كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ سُدُسَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَهَا وَنِصْفَهَا بَعْدَ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ الْعَدَدُ عَنْ وَاحِدَةٍ لَوْ جُمِعَ ذَلِكَ فَهُوَ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ تَجَاوَزَ بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ سُدُسَ تَطْلِيقَةٍ وَرُبْعَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute