للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ طَلُقَتْ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ.

وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَكْلِكِ هَذَا الرَّغِيفَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ تَفْرُغْ مِنْ أَكْلِ جَمِيعِ الرَّغِيفِ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى دَخَلَتْ كَلِمَةُ الظَّرْفِ عَلَى الزَّمَانِ وَهُوَ يَصْلُحُ ظَرْفًا فَجُعِلَ جَمِيعُ الْوَقْتِ ظَرْفًا لِكَوْنِهَا طَالِقًا وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ عُلِّقَ الطَّلَاقُ بِفِعْلِ الْأَكْلِ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا وَيَصْلُحُ شَرْطًا فَصَارَ مُعَلِّقًا الطَّلَاقَ بِفِعْلِ الْأَكْلِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ مَا لَمْ يَنْزِلْ كَمَالُ شَرْطِهِ، وَمَا يَقُولُهُ مَشَايِخُنَا: إنَّ الطَّلَاقَ مَتَى أُضِيفَ إلَى وَقْتٍ مُمْتَدٍّ يَقَعُ عِنْدَ أَوَّلِهِ وَمَتَى عُلِّقَ بِفِعْلِ مُمْتَدٍّ يَقَعُ عِنْدَ آخِرِهِ، هَذَا صُورَتُهُ وَعِلَّتُهُ.

وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَجِيءِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ لَيْلًا فَكُلَّمَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَجِيءِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ إلَّا بِمَجِيءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَمَجِيءُ الْيَوْمِ يَكُونُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي ضَحْوَةٍ مِنْ يَوْمِ حَلَفَ فَإِنَّمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ وُجُودِ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ لِأَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا لِتَقَدُّمِ مَجِيئِهِ عَلَى الشَّرْطِ، وَالشَّيْءُ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَجِيءُ لَا بِمَا مَضَى.

وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنْ قَالَ ذَلِكَ لَيْلًا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ لِأَنَّ مُضِيَّ الشَّيْءِ يَكُونُ بِانْقِضَاءِ جُزْئِهِ الْأَخِيرِ فَمُضِيِّ الْأَيَّامِ يَكُونُ بِانْقِضَاءِ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْهَا وَذَلِكَ يُوجَدُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ ضَحْوَةٍ مِنْ النَّهَارِ لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَجِيءَ تِلْكَ السَّاعَةُ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ لِأَنَّهُ بِهِ يَتِمُّ مُضِيُّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِالسَّاعَاتِ فَالْعِبْرَةُ فِي الْمُضِيِّ بِهِ لَا لِلْأَيَّامِ الْكَامِلَةِ، وَفِي الْمَجِيءِ لِأَوَائِلِهَا هَذَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ.

وَلَوْ قَالَ إنْ شَتَمْتُك فِي الْمَسْجِدِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي هَذَا كَوْنُ الشَّاتِمِ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَحْنَثَ سَوَاءٌ كَانَ الْمَشْتُومُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ إنْ ضَرَبْتُك أَوْ قَتَلْتُك فِي الْمَسْجِدِ يُعْتَبَرُ فِيهِ مَكَانُ الْمَضْرُوبِ وَالْمَقْتُولِ إنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ لَهُ أَثَرٌ فِي الْمَفْعُولِ يُعْتَبَرُ فِيهِ مَكَانُ الْمَفْعُولِ، وَمَا لَا أَثَرَ لَهُ يَظْهَرُ فِي الْمَفْعُولِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مَكَانُهُ بَلْ مَكَانُ الْفَاعِلِ وَعِلَّةُ هَذَا الْأَصْلِ تُذْكَرُ فِي الْجَامِعِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -.

[فَصْلٌ فِي شَرَائِطِ رُكْنِ الْيَمِينِ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا شَرَائِطُ الرُّكْنِ فَأَنْوَاعٌ بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْحَالِفِ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ الشَّرْطُ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ الْمَحْلُوفِ بِطَلَاقِهِ وَعَتَاقِهِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الرُّكْنِ، أَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْحَالِفِ فَمَا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَكُلَّمَا هُوَ شَرْطُ جَوَازِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَهُوَ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِهِمَا وَمَا لَا فَلَا، وَسَنُبَيِّنُ جُمْلَةَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ.

(وَأَمَّا) .

الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ الشَّرْطُ فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَكُونُ التَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ يَمِينًا بَلْ يَكُونُ تَنْجِيزًا حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَتْ السَّمَاءُ فَوْقَنَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ مَرِيضَةٌ إذَا حِضْت أَوْ مَرِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى حَيْضٍ مُسْتَقْبَلٍ وَمَرَضٍ مُسْتَقْبَلٍ وَهُوَ حَيْضٌ آخَرُ يُوجَدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ مَرَضٌ آخَرُ لَا عَلَى الْحَالِ، فَإِنْ عَيَّنَتْ مَا يَحْدُثُ مِنْ هَذَا الْحَيْضِ وَمَا يَزِيدُ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ فَهُوَ كَمَا نَوَى لِأَنَّ الْحَيْضَ ذُو أَجْزَاءٍ تَحْدُثُ حَالًا فَحَالًا، وَكَذَلِكَ الْمَرَضُ يَزْدَادُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ حَيْضًا وَمَرَضًا فَإِذَا نَوَى ذَلِكَ فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَيُصَدَّقُ، فَإِنْ قَالَ فَإِنْ حِضْت غَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا حَائِضٌ فَهَذَا عَلَى هَذِهِ الْحَيْضَةِ إذَا دَامَ الْحَيْضُ مِنْهَا إلَى أَنْ يَنْشَقَّ الْفَجْرُ مِنْ الْغَدِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ السَّاعَةُ تَمَامَ الثَّلَاثَةِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِحَيْضِهَا اسْتَحَالَ أَنْ يَعْنِيَ بِيَمِينِهِ حُدُوثَ حَيْضَةٍ أُخْرَى فِي غَدٍ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ أَرَادَ اسْتِمْرَارَ هَذِهِ الْحَيْضَةِ وَدَوَامَهَا وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ بِتِلْكَ السَّاعَةِ لِتَمَامِ الثَّلَاثَةِ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّ الْحَيْضَ إذَا انْقَطَعَ فِيمَا دُونَهَا فَلَيْسَ بِحَيْضٍ فَلَا يُوجَدُ شَرْطُ الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ بِحَيْضِهَا فَهُوَ عَلَى حَيْضٍ مُسْتَقْبَلٍ وَيَدِينُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَيْضِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ حُدُوثَ الْحَيْضِ وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْوُجُوهُ فِي الْمَرَضِ.

وَكَذَلِكَ الْمَحْمُومُ إذَا قَالَ إنْ حَمِيت أَوْ الْمَصْدُوعُ إذَا قَالَ إنْ صُدِعَتْ وَكَذَلِكَ الرَّعَّافُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَقَالَ إنْ صَحَّيْتَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَكَانَ صَحِيحًا حِينَ سَكَتَ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ وَهُوَ كَبَصِيرٍ قَالَ إنْ أَبْصَرْتُ وَكَسَمِيعٍ قَالَ إنْ سَمِعْتُ لِأَنَّ الصِّحَّةَ عَرَضٌ يَحْدُثُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَالْمَوْجُودُ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي غَيْرُ الْمَوْجُودِ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ وَقَدْ حَدَثَتْ لَهُ الصِّحَّةُ حِينَ مَا فَرَغَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ فَوُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>