للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَحْتَمِلُ التَّحْلِيفَ فَإِنْ سَكَتَ عَنْ الْجَوَابِ يَأْتِي حُكْمُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَلِيهِ.

[فَصْلٌ فِي حُجَّةِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا حُجَّةُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْبَيِّنَةُ حُجَّةُ الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ حُجَّةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ ﵊ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» جَعَلَ ﵊ الْبَيِّنَةَ حُجَّةَ الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ حُجَّةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمَعْقُولُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي أَمْرًا خَفِيًّا فَيَحْتَاجُ إلَى إظْهَارِهِ وَلِلْبَيِّنَةِ قُوَّةُ الْإِظْهَارِ لِأَنَّهَا كَلَامُ مَنْ لَيْسَ بِخَصْمٍ فَجُعِلَتْ حُجَّةُ الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ.

وَإِنْ كَانَتْ مُؤَكَّدَةً بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ ﷿ لَكِنَّهَا كَلَامُ الْخَصْمِ فَلَا تَصْلُحُ حُجَّة مُظْهِرَةً لِلْحَقِّ وَتَصْلُحُ حُجَّةٌ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالظَّاهِرِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْيَدِ فَحَاجَتُهُ إلَى اسْتِمْرَارِ حُكْمِ الظَّاهِرِ وَالْيَمِينُ وَإِنْ كَانَتْ كَلَامَ الْخَصْمِ فَهِيَ كَافٍ لِلِاسْتِمْرَارِ فَكَانَ جَعْلُ الْبَيِّنَةِ حُجَّةَ الْمُدَّعِي وَجَعْلُ الْيَمِينِ حُجَّةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَضْعَ الشَّيْءِ فِي مَوْضِعِهِ وَهُوَ حَدُّ الْحِكْمَةِ.

وَعَلَى هَذَا يُخَرَّج الْقَضَاءُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَيَمِينٍ مِنْ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ﵀ احْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ «أَنَّهُ قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ» وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا كَانَتْ حُجَّةَ الْمُدَّعِي لِكَوْنِهَا مُرَجِّحَةً جِنْسِيَّةَ الصِّدْقِ عَلَى جِنْسِيَّةِ الْكَذِبِ فِي دَعْوَاهَا الرُّجْحَانَ فَكَمَا يَقَعُ بِالشَّهَادَةِ يَقَعُ بِالْيَمِينِ فَكَانَتْ الْيَمِينُ فِي كَوْنِهَا حُجَّةً مِثْلَ الْبَيِّنَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِهَا إلَّا أَنَّهُ ضَمَّ إلَيْهَا الشَّهَادَةَ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ (وَلَنَا) الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ وَالْمَعْقُولُ.

وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ أَوْجَبَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَوْ جُعِلْت حُجَّةَ الْمُدَّعِي لَا تَبْقَى وَاجِبَةً عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ وَالثَّانِي أَنَّهُ ﵊ جَعَلَ كُلَّ جِنْسِ الْيَمِين حُجَّةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ﵊ ذَكَرَ الْيَمِينَ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ فَيَقْتَضِي اسْتِغْرَاقَ كُلِّ الْجِنْسِ فَلَوْ جُعِلَتْ حُجَّةَ الْمُدَّعِي لَا يَكُونُ كُلُّ جِنْسِ الْيَمِينِ حُجَّةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ يَكُونُ مِنْ الْأَيْمَانِ مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ لَهُ وَهُوَ يَمِينُ الْمُدَّعِي وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ طَعَنَ فِيهِ يَحْيَى بْن مَعِينٍ وَقَالَ لَمْ يَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْقَضَاءُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَقَالَ بِدْعَةٌ وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِمَا مُعَاوِيَةُ ﵁ وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ إلَّا شَاهِدَانِ وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ مَعَ مَا أَنَّهُ وَرَدَ مَوْرِدَ الْآحَادِ وَمُخَالِفًا لِلْمَشْهُورِ فَلَا يُقْبَلُ وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَمَّا لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ فِيهِ قَضَى وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي الْأَمَانِ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ فِي بَعْضِ أَحْكَامِ الْأَمَانِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ إذَا كَانَ عَدْلًا بِأَنْ شَهِدَ أَنَّهُ أَمَّنَ هَذَا الْكَافِرَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حَتَّى لَا يُقْتَلَ لَكِنْ يُسْتَرَقُّ وَالْيَمِينُ مِنْ بَابِ مَا يُحْتَاطُ فِيهِ فَحُمِلَ عَلَى هَذَا تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّنَاقُضِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ﵀ فِي رَدِّهِ الْيَمِينَ إلَى الْمُدَّعِي عِنْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﵊ مَا جَعَلَ الْيَمِينَ حُجَّةً إلَّا فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالرَّدُّ إلَى الْمُدَّعِي يَكُونُ وَضْع الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ.

وَهَذَا حَدُّ الظُّلْمِ وَعَلَى هَذَا يُخَرِّج مَسْأَلَةَ الْخَارِجِ مَعَ ذِي الْيَدِ إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَا تُقْبَل بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ حُجَّةً لِلْمُدَّعِي وَذُو الْيَدِ لَيْسَ بِمُدَّعٍ بَلْ هُوَ مُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا تَكُونُ الْبَيِّنَةُ حُجَّةً لَهُ فَالْتَحَقَتْ بَيِّنَتُهُ بِالْعَدَمِ فَخَلَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي عَنْ الْمُعَارِضِ فَيُعْمَلُ بِهَا وَقَدْ تُخَرَّجُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَصْل آخِرٍ نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِذَا عَرَفْت أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةُ الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ حُجَّةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ عَلَائِقِهِمَا وَعَلَائِقِ الْبَيِّنَةِ قَدْ مَرَّ ذِكْرُهَا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ.

وَنَذْكُرُ هُنَا عَلَائِقَ الْيَمِينِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الْكَلَامُ فِي الْيَمِينِ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ أَنَّ الْيَمِينَ وَاجِبَةٌ وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وَفِي بَيَانِ الْوُجُوبِ وَفِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْوُجُوبِ وَفِي بَيَانِ حُكْمِ أَدَائِهِ وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الِامْتِنَاعِ عَنْ تَحْصِيلِ الْوَاجِبِ أَمَّا دَلِيلُ الْوُجُوبِ فَالْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُهُ ﵊ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَعَلَى كَلِمَةٍ إيجَابٌ.

وَأَمَّا شَرَائِطُ الْوُجُوبِ فَأَنْوَاعٌ مِنْهَا الْإِنْكَارُ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِلْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ التُّهْمَةِ وَهِيَ تُهْمَةُ الْكَذِبِ فِي الْإِنْكَارِ فَإِذَا كَانَ مُقِرًّا لَا حَاجَةَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُتَّهَم فِي الْإِقْرَارِ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ الْإِنْكَارُ نَوْعَانِ نَصٌّ وَدَلَالَةٌ أَمَّا النَّصُّ فَهُوَ صَرِيحُ الْإِنْكَارِ وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فَهُوَ السُّكُوتُ عَنْ جَوَابِ الْمُدَّعِي عَنْ غَيْرِ آفَةٍ لِأَنَّ الدَّعْوَى أَوْجَبَتْ الْجَوَابَ عَلَيْهِ وَالْجَوَابُ نَوْعَانِ إقْرَارٌ وَإِنْكَارٌ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ السُّكُوتِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>