للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَشْبَهَتْ الْبَيْعَ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنًا سَلَامَةَ النِّصْفِ لِصَاحِبِهِ، فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الضَّمَانِ كَمَا فِي الْبَيْعِ.

وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُجْبَرُ عَلَى هَذِهِ الْقِسْمَةِ عِنْدَهُمَا، فَأَشْبَهَ اسْتِحْقَاقَ النِّصْفِ مِنْ دَارٍ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَرْجِعُ.

وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يُجْبَرُ عَلَى قِسْمَةِ الْجَمْعِ هَهُنَا عِنْدَهُمَا إذَا رَأَى الْجَمْعَ أَعْدَلَ، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ رَأْيِ الْقَاضِي إذَا فَعَلَا بِأَنْفُسِهِمَا، وَلَوْ كَانَتَا جَارِيَتَيْنِ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَارِيَةً فَاسْتَوْلَدَهَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِالنِّصْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُجْبَرُ عَلَى قِسْمَةِ الرَّقِيقِ عِنْدَهُ، فَإِذَا اقْتَسَمَا بِتَرَاضِيهِمَا أَشْبَهَ الْبَيْعَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْجِعَ، كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - وَفَرَّقَ بَيْنَ الرَّقِيقِ وَبَيْنَ الدُّورِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ هُنَاكَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْجَمْعِ عَيْنًا وَلَكِنَّهُ يُرَاعِي الْأَعْدَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ التَّفْرِيقِ وَالْجَمْعِ، وَهَهُنَا يُجْبَرُ عَلَى الْجَمْعِ؛ لَتَعَذُّرِ التَّفْرِيقِ فَلَمْ يُوجَدْ ضَمَانُ السَّلَامَةِ مِنْ صَاحِبِهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ إذَا اقْتَسَمَ قَوْمٌ دَارًا، وَفِيهَا كَنِيفٌ شَارِعٌ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ ظِلِّهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ؛ لَا يُحْسَبُ ذَرْعُ الْكَنِيفِ وَالظِّلِّ مِنْ ذَرْعِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْأَرْضِ لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ، بَلْ هِيَ حَقُّ الْعَامَّةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ يُحْسَبُ ذَلِكَ مِنْ ذَرْعِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي السِّكَّةِ مَسْلَكًا فَأَشْبَهَ عُلُوَّ الْبَيْتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي صِفَاتِ الْقِسْمَةِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا صِفَاتُ الْقِسْمَةِ فَأَنْوَاعٌ: مِنْهَا أَنْ تَكُونَ عَادِلَةً غَيْرَ جَائِرَةٍ وَهِيَ أَنْ تَقَعَ تَعْدِيلًا لِلْأَنْصِبَاءِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ النَّصِيبِ وَلَا نُقْصَانَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازُ بَعْضِ الْأَنْصِبَاءِ، وَمُبَادَلَةُ الْبَعْضِ، وَمَبْنَى الْمُبَادَلَاتِ عَلَى الْمُرَاضَاةِ، فَإِذَا وَقَعَتْ جَائِرَةً؛ لَمْ يُوجَدْ التَّرَاضِي، وَلَا إفْرَازُ نَصِيبِهِ بِكَمَالِهِ؛ لِبَقَاءِ الشَّرِكَةِ فِي الْبَعْضِ فَلَمْ تَجُزْ وَتُعَادُ.

وَعَلَى هَذَا إذَا ظَهَرَ الْغَلَطُ فِي الْقِسْمَةِ الْمُبَادَلَةِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ تُسْتَأْنَفُ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ حَقَّهُ، فَظَهَرَ أَنَّ مَعْنَى الْقِسْمَةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ بِكَمَالِهِ، وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْغَلَطَ فِي الْقِسْمَةِ فَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ كَانَ الْمُدَّعِي أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ، وَإِمَّا أَنْ كَانَ لَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ دَعْوَى الْغَلَطِ؛ لِكَوْنِهِ مُنَاقِضًا فِي دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ إقْرَارٌ بِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ بِكَمَالِهِ، وَدَعْوَى الْغَلَطِ إخْبَارٌ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ حَقُّهُ بِكَمَالِهِ فَيَتَنَاقَضُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُقِرَّ بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ؛ لَا تُعَادُ الْقِسْمَةُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ قَدْ صَحَّتْ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهَا إلَّا بِحُجَّةٍ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أُعِيدَتْ الْقِسْمَةُ؛ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ لَمْ تُقَمْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَأَنْكَرَ شَرِيكُهُ، فَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ حَلَّفَهُ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ الْغَلَطِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقًّا هُوَ جَائِزُ الْوُجُودِ.

وَالْعَدَمِ، وَهُوَ يُنْكِرُ فَيَحْلِفُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ: دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ اقْتَسَمَا، وَاسْتَوْفَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقَّهُ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا غَلَطًا فِي الْقِسْمَةِ لَا تُعَادُ الْقِسْمَةُ، وَلَكِنْ يُسْأَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْغَلَطِ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا فَيَحْلِفُ شَرِيكُهُ إنْ شَاءَ؛ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَنَكَلَ الْآخَرُ، فَإِنْ كَانَ الشُّرَكَاءُ ثَلَاثَةً يَجْمَعُ بَيْنَ نَصِيبِ الْمُدَّعِي وَبَيْنَ نَصِيبِ النَّاكِلِ، فَيَقْسِمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِمَا؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ دَلِيلُ كَوْنِ الْمُدَّعِي صَادِقًا فِي دَعْوَاهُ فِي حَقِّهِ، فَكَانَ حُجَّةً فِي حَقِّهِ لَا فِي حَقِّ الشَّرِيكِ الْحَالِفِ، فَلَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ فِي حَقِّهِمَا فَتُعَادُ فِي قَدْرِ نَصِيبِهِمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى الْغَلَطَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَالْقَبْضِ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَذْرُوعَاتِ.

وَلَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَارَانِ اقْتَسَمَاهُمَا، فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَارًا، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْغَلَطَ فِي الْقِسْمَةِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، فَالْقِسْمَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - وَعِنْدَهُمَا لَا تَبْطُلُ وَلَكِنْ يُقْضَى لِلْمُدَّعِي بِذَلِكَ الذَّرْعِ مِنْ الدَّارِ الْأُخْرَى، وَبَنَوْا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى بَيْعِ ذِرَاعٍ مِنْ دَارٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا جَائِزٌ.

وَوَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّ قِسْمَةَ الْجَمْعِ فِي الدُّورِ بِالتَّرَاضِي جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَإِنْ كَانَ لَازِمًا فِي نَوْعَيْ الْقِسْمَةِ لَكِنْ هَذَا النَّوْعُ بِالْمُبَادَلَاتِ أَشْبَهُ، وَإِذَا تَحَقَّقَتْ الْمُبَادَلَةُ صَحَّ الْبِنَاءُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ اقْتَسَمَا دَارًا بَيْنَهُمَا، فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةً، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْتًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي قِسْمَتِهِ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً؛ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ؛ أُخِذَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْإِشْهَادِ وَالْقَبْضِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْحُدُودِ فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدًّا فِي يَدِ صَاحِبِهِ أَنَّهُ أَصَابَهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ؛ قُضِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْحَدِّ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>