للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ فَاسِدًا فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ مَا بَاعَ شَرِيكُهُ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الْبَاقِي نِصْفَيْنِ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُقَدَّمَةِ، إلَّا أَنَّ هُنَا لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الْفَسْخِ؛ لِمَانِعٍ وَهُوَ الْبَيْعُ فَيَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبْعِ مَا فِي يَدِهِ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ مُعَيَّنٍ مِنْ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ لَا تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ هَهُنَا وَرَدَ عَلَى جُزْءٍ مُعَيَّنٍ، فَلَا يَظْهَرُ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ كَانَ شَرِيكًا لَهُمَا فَلَا تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ لَكِنْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ، وَالْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ أَوْجَبَ انْتِقَاضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَالِانْتِقَاضُ فِي الْأَعْيَانِ الْمُجْتَمَعَةِ عَيْبٌ، فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبْعِ مَا فِي يَدِهِ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْقَدْرَ الْمُسْتَحَقَّ مِنْ النَّصِيبَيْنِ جَمِيعًا، وَلَوْ اسْتَحَقَّ كُلَّ مَا فِي يَدِهِ لَرَجَعَ عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ فَإِذَا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ يَرْجِعُ بِالرُّبْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَعَلَى هَذَا مِائَةُ شَاةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ اقْتَسَمَاهَا، فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا أَرْبَعِينَ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأَخَذَ الْآخَرُ سِتِّينَ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَاسْتُحِقَّتْ شَاةٌ مِنْ الْأَرْبَعِينَ تَسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَمْ تَبْطُلْ الْقِسْمَةُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقِسْمَةَ صَادَفَتْ الْمَمْلُوكَ فِيمَا وَرَاءَ الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ، وَالْمُسْتَحَقُّ مُعَيَّنٌ فَلَا تَظْهَرُ الشَّرِكَةُ هُنَا أَصْلًا، فَلَا تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحَقِّهِ وَهُوَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ مِنْ النَّصِيبَيْنِ جَمِيعًا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

كُرُّ حِنْطَةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ نِصْفَانِ عَشَرَةٌ مِنْهُ طَعَامٌ جَيِّدٌ، وَثَلَاثُونَ رَدِيءٌ فَاقْتَسَمَاهُ، فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ جَيِّدَةً وَثَوْبًا، وَأَخَذَ الْآخَرُ ثَلَاثِينَ رَدِيئًا، حَتَّى جَازَتْ الْقِسْمَةُ فَاسْتَحَقَّ مِنْ الثَّلَاثِينَ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ، يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ الثَّوْبِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِثُلُثِ الثَّوْبِ وَثُلُثِ الطَّعَامِ الْجَيِّدِ.

وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ وَرَدَ عَلَى عَشَرَةٍ شَائِعَةٍ فِي الثَّلَاثِينَ، فَكَانَ الْمُسْتَحَقُّ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ ثُلُثَهَا، وَذَلِكَ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِثُلُثِ الطَّعَامِ الْجَيِّدِ.

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ طَرِيقَ جَوَازِ هَذِهِ الْقِسْمَةِ أَنْ تَكُونَ الْعَشَرَةُ بِمُقَابَلَةِ الْعَشَرَةِ، وَالْعِشْرُونَ بِمُقَابَلَةِ الثَّوْبِ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ مِنْهُ عَشَرَةً، وَأَنَّهُ بِمُقَابِلَةِ نِصْفِ الثَّوْبِ؛ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّوْبِ، وَقَوْلُهُ: لِلْمُسْتَحِقِّ عَشَرَةٌ شَائِعَةٌ فِي الثَّلَاثِينَ لَا الْعَشَرَةِ الْمُعَيَّنَةِ - وَهِيَ الَّتِي مِنْ حِصَّةِ الثَّوْبِ - فَنَعَمْ.

هَذَا هُوَ الْحَقِيقَةُ، إلَّا أَنَّا لَوْ عَمِلْنَا بِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ؛ لَاحْتَجْنَا إلَى نَقْضِ الْقِسْمَةِ وَإِعَادَتِهَا، وَلَوْ صَرَفْنَا الِاسْتِحْقَاقَ إلَى عَشَرَةٍ - هِيَ مِنْ حِصَّةِ الثَّوْبِ - لَمْ نَحْتَجْ إلَى ذَلِكَ، وَتَصَرُّفُ الْعَاقِلِ تَجِبُ صِيَانَتُهُ عَنْ النَّقْضِ وَالْإِبْطَالِ مَا أَمْكَنَ، وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَاهُ.

وَعَلَى هَذَا أَرْضٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ نِصْفَيْنِ قُسِمَتْ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ وَقَدْ بَنَى صَاحِبُهُ فِيهِ بِنَاءً أَوْ غَرَسَ غَرْسًا فَنَقَضَ الْبِنَاءَ وَقَلَعَ الْغَرْسَ؛ لَمْ يَرْجِعْ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ قِسْمَةٍ وَقَعَتْ بِإِجْبَارِ الْقَاضِي أَوْ بِاخْتِيَارِ الشَّرِيكَيْنِ، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجْبُرُهُمَا الْقَاضِي، وَلَوْ تَرَافَعَا إلَيْهِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ وَقَدْ بَنَى صَاحِبُهُ فِيهِ بِنَاءً أَوْ غَرَسَ غَرْسًا فَنَقَضَ وَقَلَعَ؛ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ مَجْبُورٌ عَلَى الْقِسْمَةِ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي فَيَكُونُ مُضَافًا إلَى الْقَاضِي، أَمَّا إذَا وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ بِإِجْبَارِ الْقَاضِي فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَكَذَا إذَا اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قِسْمَةُ جَبْرٍ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ لِدُخُولِهِمَا تَحْتَ جَبْرِ الْقَاضِي عِنْدَ الْمُرَافَعَةِ إلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ مَجْبُورًا عَلَيْهِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ ضَمَانُ السَّلَامَةِ؛ فَلَا يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ، إذْ هُوَ ضَمَانُ السَّلَامَةِ.

وَنَظِيرُ هَذَا الشَّفِيعُ إذَا أَخَذَ الْعَقَارَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ، وَبَنَى فِيهِ أَوْ غَرَسَ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ وَقُلِعَ الْبِنَاءُ لَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مَا مَلَكَهُ بِاخْتِيَارِهِ بَلْ أُخِذَ مِنْهُ جَبْرًا، وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَارِيَةِ الْمَأْسُورَةِ إذَا اشْتَرَاهَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، ثُمَّ أَخَذهَا الْمَالِكُ الْقَدِيمُ فَاسْتَوْلَدَهَا، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ: لَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الَّذِي أَخَذَهَا مِنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا مِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ بَلْ كُرْهًا وَجَبْرًا، وَكَذَلِكَ الْأَبُ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَأَعْلَقَهَا، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ؛ لَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الِابْنِ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَهَا مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الِابْنِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَأَبَقَتْ مِنْ يَدِهِ فَأَدَّى ضَمَانَهَا، ثُمَّ عَادَتْ الْجَارِيَةُ فَاسْتَوْلَدَهَا الْغَاصِبُ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُخْتَارًا فِي أَخْذِ الْقِيمَةِ مِنْ الْغَاصِبِ، فَكَانَ ضَامِنًا السَّلَامَةَ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الضَّمَانِ.

وَعَلَى هَذَا دَارَانِ أَوْ أَرْضَانِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ اقْتَسَمَا، فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إحْدَاهُمَا وَبَنَى فِيهَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُجْبَرُ عَلَى قِسْمَةِ الْجَمْعِ فِي الدُّورِ وَالْعَقَارَاتِ عِنْدَهُ، فَإِذَا اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ مِنْهُمَا مُبَادَلَةً،

<<  <  ج: ص:  >  >>