تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الزِّيَادَةِ بِحِسَابِ ذَلِكَ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ دِرْهَمًا يَجِبُ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ الْأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ.
وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ﵃ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ ﵄ مِثْلُ قَوْلِهِمْ وَلَا خِلَافَ فِي السَّوَائِمِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الزَّوَائِدِ مِنْهَا عَلَى النِّصَابِ حَتَّى تَبْلُغَ نِصَابًا احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «وَمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ» وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ، وَلِأَنَّ شَرْطَ النِّصَابِ ثَبَتَ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عُرِفَ وُجُوبُهَا شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ.
وَمَعْنَى النِّعْمَةِ يُوجَدُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا اشْتِرَاطَهُ بِالنَّصِّ، وَأَنَّهُ وَرَدَ فِي أَصْلِ النِّصَابِ فَبَقِيَ الْأَمْرُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ إلَّا أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي السَّوَائِمِ لَا تُعْتَبَرُ مَا لَمْ تَبْلُغْ نِصَابًا دَفْعًا لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ إذْ الشَّرِكَةُ فِي الْأَعْيَانِ عَيْبٌ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ هَهُنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ صَدَقَةٌ» .
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاذٍ حِينَ وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ: «لَا تَأْخُذْ مِنْ الْكُسُورِ شَيْئًا فَإِذَا كَانَ الْوَرِقُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَخُذْ مِنْهَا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَلَا تَأْخُذْ مِمَّا زَادَ شَيْئًا حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَتَأْخُذَ مِنْهَا دِرْهَمًا» وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ كُلِّ نِصَابٍ عَفْوٌ نَظَرًا لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ كَمَا فِي السَّوَائِمِ، وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْكُسُورِ حَرْجًا وَأَنَّهُ مَدْفُوعٌ.
وَحَدِيثُ عَلِيٍّ ﵁ لَمْ يَرْفَعْهُ أَحَدٌ مِنْ الثِّقَاتِ بَلْ شَكُّوا فِي قَوْلِهِ: " وَمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ " أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ أَوْ قَوْلُ عَلِيٍّ فَإِنْ كَانَ قَوْلَ النَّبِيِّ ﷺ يَكُونُ حُجَّةً، وَإِنْ كَانَ قَوْلَ عَلِيٍّ ﵁ لَا يَكُونُ حُجَّةً؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ﵃ فَلَا يُحْتَجُّ بِقَوْلِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ.
وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لِمَا رَوَيْنَا، وَمَا ذَكَرُوا مِنْ شُكْرِ النَّعْمَةِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى النَّعْمَةِ هُوَ التَّنَعُّمُ، وَأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِمَا دُونَ النِّصَابِ ثُمَّ يَبْطُلُ بِالسَّوَائِمِ مَعَ أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ، وَأَنَّهُ بَاطِلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ مِقْدَارُ الْوَاجِبِ فِي زَكَاةِ الْفِضَّةِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا مِقْدَارُ الْوَاجِبِ فِيهَا فَرُبُعُ الْعُشْرِ وَهُوَ خَمْسَةٌ مِنْ مِائَتَيْنِ؛ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَيْنَا إذْ الْمَقَادِيرُ لَا تُعْرَفُ إلَّا تَوْقِيفًا وَقَوْلُهُ ﷺ: «هَاتُوا رُبُعَ عُشُورِ أَمْوَالِكُمْ» وَخَمْسَةٌ مِنْ مِائَتَيْنِ رُبْعُ عُشْرِهَا وَأَمَّا صَدَقَةُ الْوَاجِبِ فَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[فَصْلٌ كَانَ لَهُ ذَهَبٌ مُفْرَدٌ]
(فَصْلٌ) :
هَذَا إذَا كَانَ لَهُ فِضَّةٌ مُفْرَدَةٌ، فَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ ذَهَبٌ مُفْرَدٌ فَلَا شَيْءَ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فَإِذَا بَلَغَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فَفِيهِ نِصْفُ مِثْقَالٍ؛ لِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «وَالذَّهَبُ مَا لَمْ يَبْلُغْ قِيمَتُهُ مِائَتِي دِرْهَمٍ فَلَا صَدَقَةَ فِيهِ فَإِذَا بَلَغَ قِيمَتُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ» وَكَانَ الدِّينَارُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُقَوَّمًا بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ: «لَيْسَ عَلَيْك فِي الذَّهَبِ زَكَاةٌ مَا لَمْ يَبْلُغْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فَإِذَا بَلَغَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فَفِيهِ نِصْفُ مِثْقَالٍ» وَسَوَاءٌ كَانَ الذَّهَبُ لِوَاحِدٍ أَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا لَمْ يَبْلُغْ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابًا عِنْدَنَا، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.
وَالْمَسْأَلَةُ تَأْتِي فِي نِصَابِ السَّوَائِمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[فَصْلٌ صِفَةُ نِصَابِ الذَّهَبِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا صِفَةُ نِصَابِ الذَّهَبِ فَنَقُولُ: لَا يُعْتَبَرُ فِي نِصَابِ الذَّهَبِ أَيْضًا صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى كَوْنِهِ ذَهَبًا فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمَضْرُوبِ وَالتِّبْرِ وَالْمَصُوغِ وَالْحُلِيِّ إلَّا عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ فِي الْحُلِيِّ الَّذِي يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾ [التوبة: ٣٤] وَقَوْلَ النَّبِيِّ ﷺ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَحَدِيثِ عَلِيٍّ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فِي مُطْلَقِ الذَّهَبِ.
وَكَذَا حُكْمُ الدَّنَانِيرِ الَّتِي الْغَالِبُ عَلَيْهَا الذَّهَبُ كَالْمَحْمُودِيَّةِ وَالصُّورِيَّةِ وَنَحْوِهِمَا.
وَحُكْمُ الذَّهَبِ الْخَالِصِ سَوَاءٌ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَأَمَّا الْهَرَوِيَّةُ وَالْمَرْوِيَّةُ وَمَا لَمْ يَكُنْ الْغَالِبُ عَلَيْهَا الذَّهَبُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا إنْ كَانَتْ أَثْمَانًا رَائِجَةً أَوْ لِلتِّجَارَةِ، وَإِلَّا فَيُعْتَبَرُ قَدْرُ مَا فِيهَا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَزْنًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَخْلُصُ بِالْإِذَابَةِ وَلَوْ زَادَ عَلَى نِصَابِ الذَّهَبِ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ فَيَجِبُ فِيهَا قِيرَاطَانِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ يَجِبُ فِي الزِّيَادَةِ وَإِنْ قَلَّتْ بِحِسَابِ ذَلِكَ، وَالْمَسْأَلَةُ قَدْ مَرَّتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ مِقْدَارُ الْوَاجِبِ فِي زَكَاةِ الذَّهَبِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا مِقْدَارُ الْوَاجِبِ فِيهِ فَرُبُعُ الْعُشْرِ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَحَدِيثِ عَلِيٍّ ﵄